من رحم قضيته ولدت كلماته، وبحب الوطن كبرت معاني الكلمات، ومن ياسمين "دمشق" نسج الشاعر "خالد أبو خالد" قصائده.
شاعر من الطراز الرفيع، شكل بصمة خاصة به من خلال التعبير عن هموم وشجون وطنه وشعبه، وهكذا كان حوار موقع "eDamascus" معه.
من المجددين في الشعر المعاصر، ولشعره نكهة خاصة، وأسلوب ينفرد به، ويكتب في الأغلب قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وهو مبدع بحق له صولات وجولات في المنتديات الأدبية والمهرجانات الجماهيرية، حيث يتميز بحسن إلقائه لشعره، فهو يملك صوتاً جهورياً مؤثراً يبهر المستمع، خاصة أنه يندمج في أجواء القصيدة ومعانيها، وأهّله صوته الخطابي المتميز للعمل في أكثر من إذاعة عربية ولاسيما في سورية
** عشت في قريتي حوالي العامين، بعد أن أنهيت الصف السابع الابتدائي، وخلال هذين العامين أتيح لي فرصة الالتقاء بالشعر الشعبي، وأرافقه في الأفراح بقريتنا والقرى المجاورة، وأن أواكب مناحات النساء، فثمة من هن شاعرات في قريتنا، ويرتجلن الشعر في المآتم، إضافة إلى أغاني الحصادين والمواسم والبناء، كل ذلك واكبته، ويبدو أنني استجبت داخلياً لهذا الإيقاع الذي جعلني أكتب الشعر الشعبي المحلي، ما أتاح لي تطوير إمكاناتي إضافة إلى القراءة، فكتبت القصيدة العمودية، وانتقلت إلى شعر الحداثة الذي قاده الشاعر "بدر شاكر السياب". والدافع الآخر أنني كنت أريد التعبير عن همومي الذاتية ضمن الهموم الجمعية للقرية والوطن "فلسطين"، خاصة أنني عشت نكبة عام /1948/ واستقبلت لاجئين في قريتنا، فعشت تلك المأساة بتفاصيلها، ورأيت الأبطال كيف يستشهدون، ويقاتلون بإمكانات متواضعة، فضلاً عن أنني تربيت على ضريح والدي الشهيد القائد القسامي، "محمد صالح أبو خالد" الذي كان واحداً من قيادات القسام الخمس، وهو أحد الذين قادوا الثورة عقب انسحاب القائد "فوزي القاوقجي" والمجموعة العربية، فاستمر القساميون بالقتال حتى عام /1939/، ليستشهد والدي في معركة "دير غسانة"، وكان عمري وقتذاك عاماً واحداً، فتشكل وجداني وطنياً واجتماعياً، بكل هذه العوامل التي أدت لكتابتي الشعر.
** شعر الحداثة كان الأقرب إلي، لأنني كنت ابن عصري، تماماً كما كان "السياب"- رائد هذا الاتجاه الشعري- ابن عصره، وجعلني استطيع التعبير عن همومي وهموم أمتي وشعبي، فوجدت الحداثة أكثر قدرة على الأداء من القصيدة العمودية التي راوحت في مكانها وسقطت في حالة من النظم، فمن يحترف الكتابة يستطيع نظم الشعر إذا عرف العروض والبحور والقافية، كل هذا جعلني أخرج من هذه العباءة إلى الأسلوب الشعري الجديد الذي احتضنته مجلة الآداب، وشعراء الخمسينيات كالسياب أسسوا للقصيدة الحديثة، فيما استطاع جيلنا في الستينيات ترسيخ صورة هذه القصيدة، وتطويرها ويجعل لها جذوراً مرتبطة بديوان الشعر العربي.
** كنت أقود قوات الثورة الفلسطينية في "إربد" بالأردن خلال معارك أيلول الأسود، وقيل لي إن "جان جينيه" يريد الكتابة عن الثورة، فاستقبلته وظل هذا الأديب يحاورني ويحاور شباب الثورة، ويشاهد ما يجري، ويكتب ملاحظاته، فألف كتابه "أسير عاشق" الذي ورد اسمي فيه عدة مرات، وتحدث فيه عني، فلم يكن ذلك نوع من "الريبورتاج"، بل كرواية، بيد أنها ليست رواية دقيقة بالمعلومات التي وردت فيها، لأن جزءاً منها كان متخيلاً أو أن بعض الناس قالوه، وهذا الكتاب منجز من منجزات الأديب الفذ "جان جينيه"، وقد ترك تأثيراً قوياً وإيجابياً بالرأي العام الغربي.
** يبدو أن أقداري قادتني إلى الشعر، فكنت أكتب القصة القصيرة والقصيدة التي كانت آنذاك أحادية الشكل، لكنها حديثة، أما القصة فكتبتها وأنا على قناعة أنها نوع من الأدب، مردوده عال، ثم قررت أن أكتب روايتي التي أسميتها "التيه"، وهي تتحدث عن تجربة الشباب الذين عاشوا في الكويت في فترة الخمسينيات، هذه الرواية أسبق من رواية الشهيد والأديب "غسان كنفاني" "رجال في الشمس" التي جاءت بناء على بحث ميداني قام به "كنفاني وهي أفضل رواية كتبها عن الناس الذين جاؤوا إلى الكويت تهريباً أو مشياً على الأقدام، دون أن يكون لديهم مال أو "فيزة" دخول، وكنت واحداً ممن قابلهم "غسان" منذ ذاك الحين، وصرت صديقاً له، وكنا مررنا في الصحراء العراقية لحوالي ستة أيام ثم هربنا عبر القطار إلى البصرة ثم إلى الكويت، وقررت أن أكتب عن همنا، غير أنني كتبت العمل تحت تأثير الرواية الوجودية، فكنت قرأت كتابات "ألبير كامو" و"سارتر" بعد قراءة الأدب الروسي كله، فوجدت أن الرواية عمل يجب أن ينجزه الإنسان إذا استطاع، فدفعت هذه الرواية إلى الطباعة، بيد أنني وجدت أن "هاني الراهب" كتب روايته "المهزومون" التي حازت الجائزة الأولى في مجلة الآداب، فانتقده النقاد كثيراً بأنه كتبها تحت تأثير الفكر الوجودي، فخفت كثيراً من أن يقال إنه كتبها تحت ذاك التأثير، فسحبت الرواية من الطباعة، ولا يزال المخطوط موجود لدي إلى الآن، ولا أزال أحلم بكتابة الرواية، وهذا ما يتطلب الاستقرار والوقت، تماماً كما أمارس الفن التشكيلي، الذي أمارسه كمن يقاتل حرب عصابات، فإذا وجد الوقت أرسم، وإن لم يوجد لا أرسم، الرواية تتطلب وقتاً فعليك أن تجلس وتبدأ الكتابة مبكراً، لكن وضع المثقفين الفلسطينيين عموماً عكس ذلك، نسهر حتى وقت متأخر ونستيقظ بوقت متأخر ثم نلهث وراء ما نفعله، وهنا جاء الشعر ليشكل رافعة أكثر قدرة على التأثير، فتستطيع كتابة الشعر في الطريق والمقهى وفي أي مكان تولد قصيدتك فيما الرواية والسيرة الذاتية هما عملان أحلم أن أحققهما في هذه المرحلة، إضافة إلى الفن التشكيلي، لكنني في سباق مع الزمن، فأنا في الخامسة والسبعين من العمر، ولا أدري إذا كنت استطيع أن أحقق هذه الأمور، بيد أنني متفائل بتحقيق ذلك.
** في الشعر تتعامل مع نصوص تكثف صورة الأحداث والتواريخ والأبعاد المتعلقة بالقصيدة، فيما الرواية لا تكثف بل تستند إلى التفاصيل وتطرحها، والتفاصيل لا يمكن أن تدخل في نسيج القصيدة ويمكن أن تستند إلى تفصيل صغير ويصبح جزءاً منها، أما الرواية فتبنى بكاملها على التفاصيل، وإن كتبت رواية مكثفة فإنك تكتب رواية شعرية، بينما إن أردت أن تأخذ ملحمة فلسطينية لشعب يقاتل مثلاً منذ /1920/ فأنت بحاجة لكتابة هذه التفاصيل كرؤية في رواية ضمن شخصيات حقيقية، وأطمح أن أكتب رواية ملحمية عن أمتنا وشعبنا، بالتالي الرواية مهمة جداً بهذه الظروف لتقول للناس الذين يقبلون على قراءة الرواية أكثر من الشعر...
** دمشق كان لها تأثير كبير علي كشاعر، فقد أتاحت لي أن أصل إلى منطقة في سورية، حيث قرأت الشعر في أبعد قرية نائية في "سورية"، ودمشق موجودة في نسيج قصيدتي، ولم أكتب قصيدة مخصصة لدمشق لأنني لست شاعر مناسبة أو مدينة بل شاعر يكتب للأمة العربية بما فيها دمشق، ولدي قصيدة واحدة عن الشام اسمها "دمشق" في هجرة "صقر قريش" كتبت بعد حرب تشرين، وعبرت فيها عن الطريق التي لم تصل والنتائج التي لم تتحقق، فدمشق في نسج الروح.
وحول تجربة الشاعر "خالد أبو خالد" قال القاص "يوسف جاد الحق": «من المجددين في الشعر المعاصر، ولشعره نكهة خاصة، وأسلوب ينفرد به، ويكتب في الأغلب قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وهو مبدع بحق له صولات وجولات في المنتديات الأدبية والمهرجانات الجماهيرية، حيث يتميز بحسن إلقائه لشعره، فهو يملك صوتاً جهورياً مؤثراً يبهر المستمع، خاصة أنه يندمج في أجواء القصيدة ومعانيها، وأهّله صوته الخطابي المتميز للعمل في أكثر من إذاعة عربية ولاسيما في سورية».
وأضاف «رغم أن شاعرنا يبدع في معظم أغراض الشعر، من غزل، ووصف، ورثاء إلا أنه يبدع أكثر في حب الأرض التي جاء منها، أرض الآباء والأجداد فلسطين، وعلى الأخص في المقاومة، فيبتعد بقصيدته عن المباشرة، إلا حين تقتضي الضرورة، إذ يضطر إلى استخدام مفردات لا بد منها حين يكتب عن المقاومة التي تفرض عليه أدواتها ووسائلها البندقية، الرصاص.. الشهيد.. المقاومة.. كما أن شعره يتميز بالتضمين والتناص، لتكون له علامة بارزة في الشعر».