شاعرة وكاتبة دمشقية، كتبت عن ياسمين دمشق، وتحدثت عن قوة الوردة الشامية ونعومة النرجس، إصرارها وعلمها مكناها من امتلاك الجرأة لتغيير واقعها، وبإبداعها استطاعت أن تحوذ كلمات الثناء من كبار الشعراء في دمشق.
هي الأديبة "هنادة الحصري" التي وصفها الدكتور "شاكر مصطفى" قبل أن توافيه المنية بكلمات رقيقة قال فيها: «أرق من لمسة الندى للفجر، وأكثر حياءً من نرجسة على منعطف غدير، هذه هي هنادة الحصري إنها مسكونة بقراءتها للشعر من كل موضوع لاموضوع واحد؛ إنما هي خواطر شعرية تجملها إن الشاعرة تحس بها في لحظة تأمل أو قراءة.
الشعر هو قدري كما هو قدرك خلي أظافرك الشعرية طويلة، فأنا لم أقص أظافري منذ خمسين عاماً وأرجو أن نلتقي قريبا في دمشق وإلى أن نلتقي لك أمنياتي وتحياتي أيتها الصديقة الشاعرة
مع هذه السيدة تؤمن أن الشعر لايأتي عشيقاً على حصان أبيض ولكن يغزل حرفاً حرفاً، تشعر أنها في صراع مع صفة للشعر وأنها تنتصر عليها في معظم الجولات دنياها ليست الطبيعة المقترحة ولكن دنيا التصورات الفكرية وما أصعب هذه التجربة».
"eSyria" زار الأديبة "هنادة الحصري" بمنزلها بحي المهاجرين بدمشق بتاريخ "23/10/2011" وكان الحوار التالي:
** عشقي للأدب بدأ منذ الصغر، فلابد أن يكون للإنسان منذ الصغر طموحات وتطلعات، لكن زواجي المبكر جعلني أحمل مسؤولية أسرة وارتباطات اجتماعية، تابعت تحصيلي العلمي للمرحلتين الإعدادية والثانوية وحصلت على إجازة بالآداب قسم اللغة الإنكليزية، وأنا في السنة الجامعية الثانية توفي والدي الذي كان مثلي الأعلى والذي كان يشجعني على متابعة دراستي وهو من أقنع زوجي بضرورة إتمام تحصيلي العلمي.
وأذكر أنه في تلك الفترة تم فصلي من الجامعة، وعندما سألت عن السبب قالوا لم تسددي رسومك الجامعية ولم تقدمي اعتذاراً عن التقدم للفحص وكنت قد طلبت من زوجي فعل ذلك لكنه لم يفعل مما اضطرني لإعادة الشهادة الثانوية لأعاود الإلتحاق بفرع جديد ربما الحقوق لكن زوجي أصر الدخول لفرع لايتطلب الإلتزام بالدوام فسجلت باللغة الإنكليزية وتابعت دراستي ونلت الشهادة الجامعية.
** أردت دائماً أن أجد مكاناً لي في هذا العالم، ليس بحضوري؛ وإنما بما أصنعه وأضيفه، والحمد لله استطعت أن أحصل ولو على رقعة صغيرة أتكلم من خلالها وأوضح أفكاري وطموحاتي، وذلك عندما التقيت بالدكتور "شاكر مصطفى" والأستاذ "نجاة قصاب حسن" عند الأديبة "كوليت خوري" فأخبرتها حينها أنني أنهيت دراستي الجامعية باللغة الإنكليزية وأرغب دراسة فرع آخر؛ وقتها أذكر أن المرحوم "شاكر مصطفى" قال وماذا عن كتاباتك ولغتك العربية أجبته أنني تلميذة مجتهدة باللغة العربية وأكتب الشعر المقفى وعندما قرأه شجعني على إصدار مجموعتي الشعرية الأولى.
** في الحقيقة إن "أوراقي المبعثرة" عبارة عن مجموعة مقالات تشكل ارتكاسي لما حولي؛ بعضها رأى النور ونشر في الصحف والمجلات المحلية، كثيرة هي الأمور التي جمعتها في هذا الإصدار.
أمر أخر أحب الإشارة إليه إنني لا أحب الإنسان الذي ينتقد دون أن يقدم الحلول، وأريد للمثقف أن يكتب ويقترح حلولاً ويبحث عن أصل المشكلة ويبحث عن حلول لها، أنا أتفاءل بنهار أخضر ومستقبل واعد، من الألم يمكن للإنسان أن يتخطى كل الصعوبات وأن يصعد نحو الشمس ولايجعلنا عظماء غير ألم عظيم.
** الكتابة هي خروج عن السائد، وأما الإبداع بشكل عام هو ارتكاس لما أرى بطرقي ولغتي الخاصة ولكل فرد نظرة خاصة به تختلف عن نظرة الآخر لذات الموضوع.
** المبدع هو إنسان حر له فكر خاص ولايقلد خطوات غيره؛ هو جمهورية خاصة لايكتب الشاعر الشعر إلا حين يتأثر، لذا تجدني في مرات كثيرة أتأثر بمنظر طبيعي أو بحالة نفسية فيتحرك بداخلي الشجن وأبدأ بالكتابة.
** أنا لا أستطيع أن أكتب دون وجود محرض سواء كان ألم أوفرح، وهذه هي علاقتي بالشعر والقلم، أنا إنسانة هاوية ولست محترفة والإنسان المحترف يمكنه كتابة أي مقال بلحظة والكتابة إذا لم يكن وراءها محرض أو إنفعال تصبح كلمات مصفوفة.
** إن دراستي للغة الإنكليزبة وآدابها سهل علي الكثير، ولكن عندما دخلت مجال الشعر والأدب كتبت الشعر معتمدة على الإيقاع فأنا عازفة بيانو ولكن فيما بعد وجدت أن العودة للأصول والتراث والعروض والأوزان ضرورية للعمل على نظام القصيدة مما دفعني لدراسة التراث الشعبي والآداب العربية واطلعت على ما كتبه الشعراء السابقون؛ صحيح أن قصائد المتنبي تعجبني ولكن في ذات الوقت أطرب للسيمفونية التاسعة لبتهوفن والإنسان يصبح محكوماً عندما تمتزج ثقافته بين المعاصرة والتراث ومن خلال هذه الكتابة تظهر مناخات المعاصرة والإطلاع على الآداب الأجنبية.
فمثلاً أذكر أنني بدأت بكتابة القصيدة الكلاسيكية لكني وجدت نفسي أكثر بشعر التفعيلة وبتصوري هذا الشعر يعبر عن إنسان هذا العصر أكثر من الشعر الكلاسيكي، لذلك لابد من قانون التجديد بالشعر العربي بالحداثة ليواكب الإنسان هذا التطور في حركة الحياة من صيرورتها وصيرورته.
** أفضل الكتابة لأن الترجمة مهما كانت متقنة هي خيانة للنص؛ لكن للترجمة فوائد فهي تطلعنا على الآداب العالمية ومن خلالها ندخل لأعماق الإنسان الغربي وحياته وتفكيره وهذا التزاوج بين الحضارات يجعل الإنسان مطلع على كل الحضارات.
** بعد أن أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى تفضل مشكوراً الأستاذ "جان الكسان" وأرسلها للشاعر "نزار قباني" وكان الترحيب بها كثيراً، حتى انني لم أصدق وأنا أرى في صندوق بريدي رسالة من الشاعر "نزار قباني" وخاطبني بها قائلاً: «الشعر هو قدري كما هو قدرك خلي أظافرك الشعرية طويلة، فأنا لم أقص أظافري منذ خمسين عاماً وأرجو أن نلتقي قريبا في دمشق وإلى أن نلتقي لك أمنياتي وتحياتي أيتها الصديقة الشاعرة».
واستمرت مراسلاتنا الأدبية وأستطيع القول أن الشاعر نزار من أطلعني على ثقافة الحياة الأدبية فأنا لم أكن موجودة بالجو الأدبي وشعرت أن هذه الرحلة مع الذات أضافت لذاتي مساحة واسعة من الرؤية الوحيدة واكتشفت من خلالها أن العالم ليس عائلتي وإنما أكثر من ذلك بكثير.
عندما مرض كنت أرسل له فاكسات لأطمئن عنه لكنه كان في حالة غيبوبة وعندما استعاد وعيه وقرأ ما أرسلته أرسل لي آخر فاكس كتب يقول فيه "نثرتي على سريري عشر ياسمينات دمشقية تساوي الدنيا وما فيها أنا في طريقي إلى دمشق"، لكن للأسف في اليوم التالي أعلن نبأ وفاته وفي الحقيقة ما كان يجمعنا هو الياسمين وحب دمشق.
** الأديبة "غادة السمان" إنسانة رائعة تمثل السيدة الدمشقية التي بداخلها تمازج بين وطننا وتراثنا والعقلية الشامية لجداتنا وبين الإنفتاح على العالم، هي واضحة كالشمس، هي الأم والزوجة الرائعة، وهي صادقة كنت كلما أكلمها هاتفيا تحثني على الكتابة وعدم الرضوخ للإحباط نتيجة الظروف والمعاناة أو أي واقع يشعرني بالوحدة أنا احترمها وكتبت ثلاث محاضرات من أجلها.
* دمشق أين هي منك؟
** دمشق هي قطعة مني هي الرئة الثانية بصدري وهي قصيدتي الأجمل الوطن هو أغلى شيء بالكون ولو ذهبنا لجنات العالم الغربي كله فذرة من تراب وطننا تساوي الدنيا وما فيها.
** الروايات والقصائد التي كتبتها المرأة مليئة بالشكوى والألم ولكن بالحقيقة المرأة هي الرقبة التي تدير الرأس -وهو الرجل-، والمرأة تخطت الكثير من المراحل وعندما يتحرر الرجل تتحرر المرأة.
** نشاطاتي بالمراكز الثقافية بكافة محافظات القطر، إضافة لمشاركاتي بالدوريات العربية والمجلات والصحف المحلية وكان لي مشاركة بمسابقة ربيعة عام 2000، وحصلت على المركز الأول بديوان "تنويعات من مقام الورد"، إن الجائزة تشعر الإنسان أن لابأس بكتابته لكن الإبداع الحقيقي ليس في أن أكتب لأحصل على جائزة بل أن أكتب لنفسي ولسعادتي ولأعبر عن أحاسيسي وأن أكون فاعلة لا منفعلة.
* ماهي حكمتك بالحياة؟
** على الإنسان أن يعرف قيمة نفسه، وإذا لم يعرف هذه القيمة، لن يعرفها أحد نيابة عنه.
يذكر أن الشاعرة "هنادة الحصري" من مواليد "21/1/1964"، والدها "صبحي الحصري" والدتها "فطمه السادات"، لها أختان وأخ، متزوجة ولها ولدان وبنت من هواياتها الرياضة والعزف على البيانو.
صدر لها "حروف وردية، وبوح الياسمين، رنيم النرجس، وتنويعات من مقام الورد، وأوراقي المبعثرة"، وهي تحضر حاليا لإصدار باللغة الإنكليزية ترجمت بعض كتاباتها للغتين الفرنسية والإنكليزية.