للوهلة الأولى تحسبه فلسطيني الأم، وللوهلة الأخيرة تتعرف إليه فإذا به جولاني الألم، وفي الوهلة الحقيقية هو ابن حلب الشهباء وتحديداً قرية "العمارنة".
أيمن الحسن درس الهندسة المدنية (خريج عام 1989) لكن إلى الأدب كان شغفه الأول حيث يقول: «مجموع درجاتي في الثانوية العامة أهّلني لدراسة الهندسة المدنية، إلا أني وفي السنة الثالثة وقعت في حيرة، هل أكمل دراستي، أم اتجه إلى دراسة فرع أدبي يرضي شغفي بالأدب الذي ما فارقني أبداً».
من أصعب المهن، لأن الموظف أو العامل ينهي عمله ويعود لأسرته وأولاده، أما الأديب فيبقى مشغول الذهن بعمله الأدبي
حيرة لم ترافقه كثيراً فقد عمل بنصيحة من استشار وأكمل دراسته ومن ثمّ تفرغ للأدب وتحديداً القصص القصيرة وكان له مؤخراً رواية تحمل عنوان "أبعد من نهارـ دفاتر الزفتية".
موقع eSyria التقى القاص والروائي أيمن الحسن بتاريخ 18/2/2012 وكان لنا الحوار التالي:
** الرواية كما قلت تناولت معاناة النازحين الجولانيين في حي "الزفتية" الذي لا وجود له الآن، فقد أزيل الحي بالكامل، في هذا الحي عشت أنا النازح من محافظتي "حلب" مع النازحين من "الجولان العربي السوري المحتل" وعاشت معنا أسر من كل المحافظات السورية هذا الأمر سيلاحظه القارئ في روايتي "دفاتر الزفتية". أما عن سبب اختياري لهذا الموضوع، فهو أني عشت هذه المعاناة لكن السبب الأهم هو أني لم أجد من بين الأدباء من تناول الحياة القاسية التي يعيشها النازحون الجولانيون بعد إجبارهم على ترك بيوتهم وأراضيهم ليحل محلها العدو الصهيوني، لم يتحدث أحد عن سكنهم في المساجد والخيام ولا عن عملهم في مهن كانوا في بلداتهم أي في الجولان لا يعملون بها، بل كانوا أصحاب مال وجاه وأرض، ووجدت نفسي بشكل أو بآخر أعاني معاناتهم وهذا ما يجده القارئ في فصل عنوانه "غرفة خاصة" وهذا بمثابة مذكرات شخصية للراوي يتحدث فيه عن نزوحه من قريته وانكساراته فيها وبحثه في الزفتية عن الحب والحنان والصداقة ليجد فيما بعد نقيض ما سعى وراءه.
** صدور الرواية في هذه الأزمة ليس سبباً وحيداً لشعوري بأن الرواية لم تأخذ حقها، بل هناك أسباب أخرى، مثل تغيب النقاد في كثير من الأمسيات ما أدى إلى وجود وجهة نظر واحدة في الرواية.
** التوزيع مهمة اتحاد الكتاب العرب لكونها صادرة عنه، وكان المفروض إقامة ندوة حوارية يرعاها الاتحاد من أجل التعريف بالرواية، لكن هذا لم يحصل، مع ذلك أقمت عدة ندوات وأمسيات نقدية في المركز الثقافي الروسي وفي ثقافي اليرموك والعدوي وفي اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وفي كل مرة كان هناك تغييب النقاد، ربما موضوع الرواية جعلهم يتخوفون بعض الشيء.
** هناك توثيق شبه كامل لعدة قضايا جوهرية حصلت في تاريخنا العربي منها حرب حزيران، لأننا كجيل عشنا حياتنا ونحن نعتقد أن أهلنا في الجولان تركوا أراضيهم دون مقاومة وثبت بالدليل القاطع وكما أوردت في الرواية كذب هذا الكلام، والدليل الشهداء الذين رووا أرضهم بدمائهم الزكية وكذلك امتلاء معتقلات المحتل الصهيوني بمئات الشبان الذين رفضوا الرضوخ له، وبالوثائق ثبت أن هذا العدو خسر العديد من الآليات والقتلى والجرحى رغم قول الكثيرين أن الجيش العربي السوري لم يقاتل، طبعاً قمت بتوثيق كل شيء بالأحداث وبلغة الأدب.
** العنوان يأخذ مني وقتاً طويلاً لأنه المدخل لكل قصة أو رواية، عندما اخترت عنوان الرواية «ابعد من نهارـ دفاتر الزفتية» كان لدي حوالي مئتي عنوان، حتى وقعت على العنوان الذي صدرت به الرواية، في كثير من الأحيان العنوان إما أن يرتقي بالعمل أو يحبطه، إما أن يجذب القارئ أو ينفره. في مجموعتي القصصية "محاولة في رصد ما حدث" اقترح علي الأستاذ "خالد أبو خالد" أن أحذف كلمة "محاولة" فيصبح العنوان أجمل. حتى العناوين الفرعية مهمة جداً مثلاً عنوان "نازح ونازحون" في روايتي «أبعد من نهار» يتساءل القارئ ما الفرق بين الكلمتين لماذا لم يختر واحدة منهما ليجد فيما بعد أنني أتحدث عن نزوح طوعي لشخص هو الراوي وعن نزوع قسري لأشخاص أكثرهم أهلنا الجولانيون.
** كتبت هذه المجموعة في مرحلة شهدت عدة مهرجانات للقصة القصيرة جداً ووجدت شيئاً من الاستسهال لهذا الفن الأدبي. من خلال هذه المجموعة أردت القول إن هذا النوع من الأدب يستطيع قول أبسط المعاني وأكثرها تعقيداً، لقد ضمنتها قصصاً عن الحياة والحب والسياسة. فالكتابة كنشاط لها قدسيتها الخاصة والتي تنتهي بموت الكاتب إن لم يقرأه أحد.
تقصدت أن تكون المجموعة موجهة للجميع وللأدباء في المقدمة، أردت أن أقول لهم ألاّ يستسهلوا هذا الفن الجميل بل يعطوه حقه وبأن يبحثوا عن التكثيف والمعنى والقصة والكلمة. باختصار قولوا أي شيء، المهم قصة تعطي معنى يولّد فناً.
** أنا فلسطيني الانتماء، سوري الهوية، وفخر لي أن يظنني القارئ فلسطينياً أو مواطناً من أي بلد عربي آخر فهمنا واحد، لكن هناك أمر مهم لابد من التركيز عليه وهو أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية وقومية ووطنية، وأركز على إنسانيتها لأنه لا يمكن لإنسان مهما كانت جنسيته أن يتجاهل المآسي والجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أهلنا في فلسطين. التكرار إن وجد يعني وجود قضية مهمة.
** الحب عندي عقيدة أساسية في الحياة، وحبي للسينما جعلني أشعر بأن تأطير أي قصة بحالة من الحب يجعلها أكثر سلاسة، أي الحب هو الإطار العام الذي من خلاله أمرر كل ما أودّ قوله. القصة لدي كما الفيلم يجب أن تجذب القارئ من الأسطر الأولى. وهذا ما أبحث عنه أي مزج المواضيع مع بعضها للوصول إلى دلالات أعمق للحياة. مع ذلك هناك بعض المشاهد التي وظّفت بالشكل المناسب في قصصي القصيرة والرواية.
** هي الرقابة الداخلية على ما يبدو تفعل فعلها، وهذا وليد المجتمع الذي نعيش فيه، فأنا عندما أكتب أتذكر الرقيب الذي سيوافق على طباعتها أو لن يوافق.
لذلك أتمنى وأحرص على المزيد من إمكانية البوح في كتاباتي المقبلة لكن هذا لا يتم إلا من خلال الارتقاء بالمجتمع نحو حالة أكثر حضارة.
** قبل كل شيء أي كاتب يصدر عملاً أدبياً يعني أنه بذل جهداً كبيراً وتفرغ بالكامل لإنجازه، فالأدب كما قال الكاتب الجزائري "رشيد بوجدرة": «من أصعب المهن، لأن الموظف أو العامل ينهي عمله ويعود لأسرته وأولاده، أما الأديب فيبقى مشغول الذهن بعمله الأدبي». ولذلك من حق الكاتب على النقاد أن يقوموا بدراسة هذا العمل وإبداء آرائهم به سلباً أو إيجاباً ما يغني الحركة الأدبية دون شك.
فأنا كقارئ أو ناقد كيف أعلم أن هناك رواية صدرت حديثاً وأسعى لشرائها إن لم أسمع في الإذاعة أو التلفاز أو أقرأ في الجريدة عن آخر الإصدارات الأدبية أو حتى أقرأ ما كتبه النقاد، للأسف الكل شريك في هذه المشكلة. مثلاً المركز الثقافي يكلف الملايين مع ذلك لا نجد في ندوة أو أمسية يقيمها أي مركز أكثر من ثلاثين شخصاً ولا أستثني من المسؤولية الكتّاب أنفسهم فبعضهم مقصر بحق نفسه وبحق أدبه، وبلدنا سورية تذخر بالأدباء الحقيقيين الذين ولسبب ما يتركون المنابر الأدبية لمن لا يستحق، وأنا أجد المنابر الأدبية مقدسة يفترض ألا يعتليها إلاّ من يستحق كما منابر الصلاة في الكنائس أو المساجد.
** أريد أن أقول لقرائكم بأني متفائل بالمستقبل وبأن مراجعة بسيطة لما نعيشه يجعلنا ندفع بالوعي المجتمعي إلى أرقى حالاته وبالتالي المزيد من القدرة على التعبير عن ذواتنا وهذا يعني أدباً مسؤولاً يؤدي دوره الذي لا يقل أهمية عن دور السياسة في حياة الشعوب.
الناقد "حسن الأحمد" في أمسية نقدية أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي الروسي حول رواية "أبعد من نهار- دفاتر الزفتية" للقاص والراوي «أيمن الحسن» قال:
«نجح الكاتب في التوليف بين التاريخ والعمل الروائي وهذا قلما نجده في أعمال أخرى بالإضافة إلى أن انطباع القارئ عن الرواية يتجدد مع كل قراءة وذلك بلغة بسيطة خرج بها الكاتب عن القيود، أما على مستوى الموضوع فهناك شيء من رواية "غسان كنفاني" "رجال تحت الشمس"».
جدير بالذكر أنه صدر للكاتب "أيمن الحسن" الكتب:
«محاولة في رصد ما حدث» قصص 1994.
«العودة ظافراً» مجموعة قصصية نالت جائزة الشارقة للإبداع العربي 1997 بالاشتراك مع انتصار بعلة بالمرتبة الثانية.
- «شاي» قصص قصيرة 2003.
«عصا موسى» قصص قصيرة جداً 2006.
«زهرة الشغف» (بياض مكسور) وحصلت على الجائزة الأولى في مسابقة المزرعة- السويداء، دورة حنا مينه لعام 2008.
رواية «أبعد من نهار ـ دفاتر الزفتية» ـ اصدار اتحاد الكتب العرب 2011.