تعتبر "دمشق" من أهم البلدان في تنشيط الحركة العلمية لما تحتويه من مفكرين وأدباء وصروح ثقافية متمثلة في المدارس والمكتبات.
ومن الصروح الحضارية التي تجذب انتباهنا "المدرسة الظاهرية" التي تأسست كمكتبة عامة قبل 120 عاماً تقريباً،في حين أن بناءها يزيد عمره عن 700 عام، لذلك فهي تعتبر منذ القديم متنفس "دمشق" الثقافي للعالم الخارجي
فبناء "المدرسة الظاهرية" كان من وصايا الملك "الظاهر بيبرس البندقداري" عند وفاته، وتحقيقاً لهذه الوصية اشترى ابنه الملك السعيد "أبو المعالي ناصر الدين محمد بركة قان" دار "أحمد بن الحسين العقيقي" والتي كانت معروفة في تلك الفترة أنها قصر للأمويين.
وفي عام 676 هجري بدأ "السعيد" بتحويل هذا القصر الذي كان يجمع الأمراء والملوك إلى قبة لدفن أبيه ومدرسة للمذهبين "الحنفي والشافعي" ودار حديث، وفي سنة 678 هجري توفي "السعيد" ودفن بجانب أبيه.
تقع المكتبة "الظاهرية" في "حي العمارة" المتميز بغناه بأبنيته وحاراته القديمة التي يعود عمرها إلى آلاف السنين، كذلك إن موقع العمارة المتوسط جعل "للظاهرية" منافذ عديدة للوصول إليها فيمكن عن طريق "باب قلعة صلاح الدين" أو دكاكين ومتاجر "سوق الحميدية" أو من خلال حارات "باب توما" الضيقة.
تختلف "المدرسة الظاهرية" عن باقي المكتبات الدمشقية بفنها المعماري المستوحى من تقاليد الفن الأيوبي المتميز بالأحجار البيضاء والوردية المنحوتة، والجدران المزخرفة من المرمر الملون والمصدف على طريقة الفسيفساء
كما أطلق عليها اسم "المكتبة الظاهرية الجوانية" وذلك لتفرقتها عن المدرسة "الظاهرية البرانية" التي بناها الملك "الظاهر غازي" على نهر "بانياس" خارج "باب النصر".
وفي زمن الاحتلال التركي بدأت الظاهرية تتلاشى كمدرسة للمذهبين ودار حديث وذلك لقيام الحكومة التركية بتحويلها لمدرسة ابتدائية كتب على بابها بخط عريض "مدرسة الملك الظاهر"
وفي عام 1925 م قام فريق من العلماء برئاسة الشيخ "طاهر الجزائري" بجمع الكتب والرسائل من مكتبات وقفية عديدة منها:
-المكتبة العمومية: 662 مخطوطاً
مكتبة الخياطين: 375 مخطوطاً
مكتبة "عبدالله باشا العظم": 461 مخطوطاً
مكتبة "الملا عثمان الكردي": 312 مخطوطاً
مكتبة السليمانية: 130 مخطوطاً
المكتبة المرادية: 260مخطوطاً
المكتبة السميساطية: 81 مخطوطاً
مكتبة بيت الخطابة في الجامع الاموي الكبير:73مخطوطاً
مكتبة الاوقاف: 64 مخطوطاً و4 كتب مطبوعة
المكتبة السياغوشية:42 مخطوطاً و202 كتاباً مطبوعاً
وفي عام 1919 م الحقت بديوان المعارف ثم الحقت بالمجمع العلمي الذي ضم المدرسة "الظاهرية" والمدرسة "العادلية"
وفي عام1927 م بدأ روؤساء المجمع العلمي بإخلاء الظاهرية من المدرسة الابتدائية، وترميم بنائها وإمدادها بالكتب وتخصيصها فقط بالمطالعة والثقافة، كما وضعوا لها نظاماً داخلياً يتضمن مواعيد المطالعة، وشروط الدخول والخروج الى المكتبة، والاستعارة الداخلية والخارجية، كما قاموا بترتيب الكتب وتنظيم الفهارس على طريقة المدينة المنورة والتي تتضمن وضع الكتب في الرفوف عمودية وليست أفقية.
تضم المكتبة ثلاث قاعات: "قاعة الأمير مصطفى الشهابي، قاعة الشيخ طاهر الجزائري، قاعة خليل مردم"،كما يوجد ثلاث مستودعات:
الأول للمخطوطات: ويقوم في القبة الظاهرية ويضم مجموعة ضخمة من المخطوطات من شتى العلوم
الثاني للمطبوعات: ويضم الكتب المشتراة والمهداة إلى الدار
الثالث للدوريات: ويضم الصحف والمجلات والنشرات والتقارير العربية والأجنبية
كما تحتوي سابقاً على دائرة تصوير: تضم أحدث الأجهزة لتصوير الكتب والوثائق، ومن الملاحظ أن الحمام الملاصق "للمدرسة الظاهرية" من جهتهها الشمالية كان من أجزاء المدرسة القديمة
تفاوتت أسماء المكتبة الظاهرية من "المكتبة العمومية" عام 1298 ،إلى "دار الكتب العربية" سنة 1919 ،فالمكتبة "الاهلية" سنة 1934 ،فدار "الكتب الوطنية" سنة 1947.
وفي وقتنا الحالي تشمل أعمال الترميم معظم أجزاء المدرسة، كتبديل البنية التحتية، وإصلاح الأسقف والجدران مع الحفاظ على طرازها الهندسي، وبلغت كلفة أعمال الترميم حوالي 14 مليون ليرة سورية، كما ستبدأ قريباً بالتعاون مع حكومة "كازاخستان" أعمال ترميم قبر "الملك العادل" الذي يقع في إحدى غرف المدرسة "العادلية" وقبر "الملك الظاهر".