لم تكن مهمته تقتصر على الاستحمام والاغتسال فحسب، بل تناولت وظائف أخرى، حيث اعتبرت كأماكن يجتمع أبناء الحي فيه ليتبادلوا الأحاديث في الأمور الحياتية التي تهمهم.
إنه حمام الملك "ظاهر بيبرس", حمام الملوك وملهم السياح.
وبكل ذلك لن تكون هذا المهنة مهددة بإلانقراض مادام هنالك زبائن دائمون إضافة إلى السياح الذين يرتادون الحمامات القديمة بشكل يومي
وللحديث أكثر عن هذا الحمام وتاريخه " eDamascus " التقى "بسام كبب" مدير حمام "الملك الظاهر" الذي يعود ملكيته لعائلته يقول: «يعود تاريخ هذا الحمام إلى 375هجري 985 ميلادي ويعتبر من أقدم حمامات "دمشق" الباقية على الإطلاق والذي أصبح إلى اليوم عمره 1026، فاسمه الأصلي "حمام العقيقي" نسبة إلى بانيه "أحمد بن الحسين العقيقي" المتوفي 376هـ، حيث الدار الذي يسكنه "العقيقي" بجانب الحمام حتى قام الملك "سعيد الظاهر بيبرس المملوكي" عام 676هجري 1277ميلادي بشراء هذا الحمام والدار من "العقيقي" وجعل الدار مدرسة سماها المدرسة الظاهرية قبل أن يصبح "المكتبة الظاهرية"، اليوم ولاحقاً اشتهر بحمام "الملك الظاهر"».
يضيف "كبب": «لا يختلف حمام "الملك الظاهر" مثل بقية الحمامات الدمشقية القديمة كثيراً من خلال أسلوب بنائه وديكوره الداخلي عن البيت الدمشقي كثيراً فكل تفاصيل التراث الشامي تتجلى بأبهى صورها في الحمام القديم ما يجعله مقصداً للسياح من كل أنحاء العالم، وخاصة أنه يحمل تقليداً غير موجود في دول الغرب وهو الاستحمام في الأماكن العامة».
وشرحاً لأقسام حمام "الملك الظاهر" يقول "كبب": «ينقسم الحمام مثله مثل باقي حمامات السوق بشكل عام إلى أربعة أقسام، الأول "البراني" ويقال له القسم البارد وهو الخارجي من الحمام ويتألف من منصة واسعة يتكون من المصاطب وتتوسـطها "بحرة" في روعة من الجـمال، ولكل مصطبة خزانة أو أكثر لخلع الملابس بداخلها وتعليق الألبسة على مشاجب خشبية، وأسفل المصاطب توجد فتحات في الجدران على شكل طاقات لوضع القباقيب، وإلى جانب باب الحمام الرئيسي "المدخل الرئيسي" توجد مصطبة المعلم لاستقبال الزبائن ووضع الودائع والأمانات عنده، حيث يحتفظ بصندوق خشبي من أجل الودائع، أما السقف فيأخذ شكل الأقواس التي تنصب على جدران البراني الأربعة التي تنتهي إلى رقبة انتظمت منها النوافذ وعلتها قبة واسعة توزعت فيها فتحات زجاجية ملونة، ومن سقف القبة تتدلى السلاسل لتعليق المشكاوات والفوانيس.
أما القسم الثاني من الحمام فهو "الوسطاني" ويسمى القسم المعتدل، ويشمل كل الخدمات من استحمام ودورات المياه، أما ساحته فهي أصغر من ساحة البراني بكثير، وحلقة الوصل بين البراني وبيت النار، وتعلوها قبة ذات فتحات لتهوية هذا القسم. والقسم الثالث من الحمام "الجواني" فهو القسم الحار أو قسم الاستحمام، ويحتوي على "أواوين" للاغتسال ومقاصير خاصة، وتتوسطه مصطبة بيت النار التي يجلس عليها المستحمون بإضافة إلى الحمام البخاري والتدليك لمن أراد ذلك».
ويضيف "كبب": «كان هناك قديماً قسم أخير وهو "القميم" فهو جناح خارجي ملحق بالحمام كان يتم فيه تسخين الماء من قبل عامل يسمى "القميمي" عن طريق حرق القمامة المجففة وروث الحيوانات ونشارة الخشب, وتم الاستغناء عن هذا القسم الأخير بعد الاعتماد على أساليب حديثة في تسخين الماء».
وحول طاقم العمل في الحمام يقول "كبب": «أما الطاقم الذي كان يعمل في داخل الحمام فيضم "الناطور" وهو الذي يستلم ملابس الزبائن في القسم الخارجي، و"المصوبن" ومهمته تغسيل الزبائن بالصابون والليفة والدلك بالكيس الخاص بالحمام لإخراج الوسخ لمن أراد، ثم "القهوجي" ويسقي القهوة للزبائن في الحمام، و"التبع" وهو عامل يقدم للزبائن المناشف إذا كانوا من متوسطي الحال أو من الفقراء، ثم "الأجير" ويكون مهمته أخذ النعال وتقديمها لأصحابها، وأخيراً المعلم وهو صاحب الحمام، وتم الاستغناء عن "القميمي" كما ذكرنا».
ويواصل "كبب": «إن الحمام كان يزود بالمياه عن طريق أحد فروع نهر "بردى"، أما الآن فيعتمد على بئر خاص لذلك، لكن أساليب الاستحمام القديمة مازالت معتمدة وهي الجرن والطاسة مع إدخال بعض التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى الصابونة والليفة التي يتميز كل حمام بنوع خاص منها، والقباقيب التي تحمي الزائر من الانزلاق والأوساخ إذا كانت موجودة على أرضية الحمام».
ويقول "محمد مراد" باحث في التراث: «إن الحمام حافظ على طقوسه فيستقبل العريس ويستعيد العادات القديمة أثناء العرس مثل الحناء والأطعمة المعروفة بدمشق التي تقدم في الحمام احتفالاً بالعرس، كما أنه تم ترميم حمام "أمية" ليستقبل النساء فقط لكي يبقى حمام "الملك الظاهر" للرجال».
يضيف "مراد": «وبكل ذلك لن تكون هذا المهنة مهددة بإلانقراض مادام هنالك زبائن دائمون إضافة إلى السياح الذين يرتادون الحمامات القديمة بشكل يومي».