مقام لنبي من الكتب الثلاث يقع بأموي "دمشق"، قدَس كنيسة "يوحنا المعمدان" وشيَدَ قبته "الوليد"، وجهة الدمشقيين وزوارها، رواياته ومعجزاته لا تنتهي.
كثيرة هي القصص التي تَروى عن هذا النبي في "دمشق" وكثيرة هي الأحاديث والآراء المختلفة التي تروي أسباب وجود القبر هنا في جامع وكنيسة بأوقات مختلفة، فإن أردنا أن نستطلع آراء الناس حول هذا المقام لوجدنا أنها تختلف باختلاف الأديان ولكنها تصب جميعها في مكان واحد هو التاريخ المشترك والإيمان المشترك لكل من عرف "دمشق" وصمت لسانه أمام سحرها.
أنا وعدد كبير من الأشخاص الذين أعرفهم شخصياً نؤمن بأن هذه المنطقة أي مكان "الجامع الأموي" "بدمشق" هي مقدسة تاريخياً لاشتراكها في كافة العصور بمنطق العبادة والإيمان بالإله ويشهد على هذا وجود مقام واحد كان داخل كنيسة منذ الزمن البعيد والآن هو داخل "الجامع الأموي" أي أن كل من أتى حافظ عليه وقدسه
السيد "محمد حسن الناعورة" صاحب السبعين عاماً ونيِف واحد من أصحاب المحلات التجارية بقرب "الجامع الأموي" الذي يقع بداخله قبر النبي "يحيى" أو "يوحنا المعمدان" ابتهج عندما جاء ليحدثنا عن خبرته مع هذا الجار ليقول:«أنا وعدد كبير من الأشخاص الذين أعرفهم شخصياً نؤمن بأن هذه المنطقة أي مكان "الجامع الأموي" "بدمشق" هي مقدسة تاريخياً لاشتراكها في كافة العصور بمنطق العبادة والإيمان بالإله ويشهد على هذا وجود مقام واحد كان داخل كنيسة منذ الزمن البعيد والآن هو داخل "الجامع الأموي" أي أن كل من أتى حافظ عليه وقدسه».
الأب "سامر اليان الصايغ" كاهن في كنيسة السريان الكاثوليك في "دمشق" يحدثنا أيضاً عن قبر البني "يوحنا المعمدان" الذي سبق مجيء "السيد المسيح" :«من الطبيعي أن ترى في "سورية" اختلافات في الدلائل والشواهد سواء كانت دينية أو تاريخية بنفس المكان تماماً مثل قبر النبي "يوحنا المعمدان" فهو يوحد ويجمع بين التاريخ المسيحي والإسلامي في المنطقة فكان مذبح كنسي في كنيسة "يوحنا المعمدان" والآن هو مقام داخل "الجامع الأموي" وهذا الاختلاف من الحالات البديهية في منطقتنا ضمن السياق التاريخي لها كما أنها تذهل الغرب في طبيعة تناقضها».
السيد "اسحق حداد" من سكان منطقة "دمشق القديمة" يروي لنا قصة شعبية مازالت متداولة حول القبر وهي :«إنه في زمن بعيد منذ حوالي الأربعمائة عام تقريباً أراد أحد السلاطين العثمانيين أن ينقل القبر والمقام إلى "الأستانة" عاصمة الدولة العثمانية وأتى بفريق عمل مختص بأمور الحفر وعندما بدأوا بالعمل نفر من القبر كميات كبيرة من الدماء بدون مصدر محدد ولطخ الدم السلطان نفسه فخاف الجميع من هذه المعجزة واستسلموا للإرادة الإلهية بأن يبقى القبر في مهده "دمشق"، ويقال أيضاً بأن سبب تسمية المقهى المعروف قرب الجامع "بالنوفرة" يعود إلى هذه الحادثة أي نفور الدم من داخل الضريح علماً أن هناك أسباب أخرى للتسمية».
زار موقع "eDamscuos"بتاريخ16/1/2012 الدكتور "رامز الحفار" عضو في جمعية أصدقاء "دمشق" التي تهتم بالأماكن الدمشقية المقدسة ليحدثناعن المقام فقال:«في داخل الحرم بالقسم الشمالي يقع مقام النبي "يحيى" وقد أقيم عليه قبة وبناء يشبه القلعة إلاّ أنه لا توجد أية وثيقة تاريخية تثبت بالشكل الحاسم بأن هذا الضريح هو لرأس النبي "يحيى بن زكريا عليهم السلام" إلاّ أن المؤرخين العرب ذكروا في كتبهم أن بعض العمال أثناء بناء المسجد عثروا على مغارة بنفس مكان القبر لأن كنيسة "يوحنا المعمدان" كانت قد تراجعت عمرانياً أيام الفتوحات الإسلامية فنزل إليها "الوليد بن عبد الملك" فوجدوا صندوقاً فيه سلة بداخلها رأس سليم الجلد والشعر الملامح مكتوب عليه أنه رأس "يحيى بن زكريا" فأمر "الوليد" بتركه على حاله وجعل عموداً قائماً على المغارة كعلامة مميزة ثم وضع فوقه تابوت ودوّن عليه اسم النبي "يحيى ابن زكريا عليه السلام"».
يتابع الدكتور "الحفار" :«ذكر "ابن كثير" أن "الوليد" أخذ ربع تقدمات الدمشقيين المالية لمدة تسع سنين، وكانت "خمسة وأربعين ألفاً" يستعين بها على عمارة "الجامع الأموي" وخصص منها لإعمار مقام النبي "يحيى". المقام تم بنائه بشكل مستطيل ووضع على طرفه الطولي ستة أعمدة من الرخام، وعلى رأس كل عمود يوجد تاج من الحجر الرخامي، وأما على طرفه العرضي تم إنشاء أربعة أعمدة على كل واحد منها تاج من الرخام أيضاً، بين كل عمود وآخر يوجد سياج حديدي مزخرف مطلي بلون الذهب وخلف السياج يوجد زجاج لرؤية القبر من الداخل. القبر من الداخل مغطى بقماش أخضر اللون ومكتوب عليه بعض الآيات الكريمة وارتفع فوق البناء قبة متوسطة الحجم وكتب على المقام من الخارج هذا مقام رأس نبي الله "يحيى بن زكريا عليه السلام"».
يتابع الدكتور "الحفار" :«يوجد بقرب القبر جرن حجري كبير وأمامه صخرة أسطوانية الشكل كان المسيحيين يعمّدون به، وعلى الصخرة كان يقف الطفل أمام الشعب المؤمن ويباركه الكاهن وبعد الانتهاء من العماد أي التغطيس بالمياه كانوا يسحبون غطاء صغير من داخل الجرن لتذهب المياه المباركة من قاع الجرن عبر مصرف إلى أراضي زراعية حول الكنيسة قديماً وهذا الجرن والحجر مازالوا موجودين إلى هذا اليوم».
ويضيف:«تقول الرواية إن أحد ملوك القرن الأول الميلادي وهو "هيرودوس" والذي اتصف بالفسق والفساد والبطش كان يريد الزواج من امرأة أخيه وهو مازال حيا، وكانت زوجته تتصف بالجمال وهي "هيروديا" وعندما سمع النبي "يحيى" بذلك نهاه ووقف معارضاً لذلك الزواج وأعلن بطلانه وعدم شرعيته فشاع الخبر في المدينة، وحينها دبرت أمها حيلة لقتل النبي في حفل كبيرة أقامه الملك بمناسبة عيد ميلاده فدخلت المرأة على الملك ورقصت أمامه ثم سألها أن تطلب ما تشتهي نفسها فقالت إن شاء الملك فلست أريد سوى رأس "يحيى بن زكريا" فأجابها الملك لطلبها وأرسل من يأتيه برأس "يحيى عليه السلام" وبعد هذا احتفظ تلاميذه بالرأس وأبعدوه عن المكان حتى جاؤوا به إلى "دمشق" مع التلاميذ الأوليين "للمسيح" وتم هنا إنشاء كنيسة دعيت بكنيسة النبي "يوحنا المعمدان" أي من تعمد "السيد المسيح" على يديه في "نهر الأردن". تختلف الروايات التي تبحث عن كيفية تحول الكنيسة الى مسجد إلا أنها تتفق جميعاً على أن المسلمين أخذوا النصف الغربي من الكنيسة كان لقاء تعويض معين الى النصارى وبعدها أخذوا الكنيسة كلها لقاء إعطائهم كنيسة "مريم العذراء" والتي هي بطركية الروم الأرثوذكس حالياً وكنيسة "حنانيا" في دمشق القديمة».
يذكر أن الجامع أنشئ على أرض مقدسة شغلت ديانات مختلفة تعاقبت على هذه الأرض عبر التاريخ وأول معبد معروف هو معبد الإله "حدد" الآرامي وهو إله العاصفة السوري، وقد ظل يعبد في "دمشق" ثلاثة آلاف سنة وهو عند الرومان رب الأرباب وخالق الكون كله وكان له تماثيل في المعبد وأصبح يحمل اسم معبد "جوبتير" الدمشقي.