هي أجمل مدارس دمشق من الناحية العمرانية والأشهر ذكراً بين مدارس البنين منذ الاستقلال، تردد ذكرها في تاريخ دمشق، فقد خرّجت كثيراً من أعلام دمشق ورجالتها، لم تكن فقط مكاناً لتدريس الطلاب بل كانت دائماً قلعتهم البيضاء.
إنها ثانوية "جودت الهاشمي" أو مدرسة "التجهيز الأولى" للبنين كما كانت معروفة في السابق؛ وهي مدرسة "تجهيز المعرض"- الاسم الأول الذي اطلق عليها بين الأهالي-، "eSyria" عاد ليراجع تاريخ هذه المدرسة مع عدد من طلابها السابقين وعدد من الباحثين والتقى بتاريخ "27/3/2012" السيد "عبد الله أسامة المالكي" الذي درس فيها في أربعينيات القرن الماضي حيث تحدث بالقول:
لم تكن "جودت الهاشمي" مدرسة فقط بل كانت قلعة كبيرة شهدت باحاتها عدداً من المظاهرات الحاشدة ضد الاحتلال الفرنسي، وبعيد الاستقلال كان لطلابها أيضاً دور بارز في المسيرات التضامنية مع فلسطين خصوصاً في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي
«نعم هي الأولى والأهم بين مدارس دمشق، لأسباب عدة فهي الثانوية الحكومية الأولى التي بنيت في أحياء دمشق الجديدة في ظل الاحتلال الفرنسي وكانت تضم نخبة طلاب سورية، فقد بدأت كمدرسة داخلية للبنين ومن ثم أصبحت مدرسة بدوام رسمي /من الصباح حتى العصر/، كما أنها بقيت تنافس الثانويات الخاصة التي كانت موجودة في دمشق في زمن الاحتلال الفرنسي كمدارس اللاييك ودار السلام في تخريج طلاب كان لهم دور هام في بناء سورية بعيد الاستقلال.
درس أخي الكبير بها عندما كانت مدرسة داخلية ودخلتها أنا في السنة الدراسية /1942-1943/ وكنت حينها في الصف السادس الابتدائي وبقيت فيها إلى حين نيلي الشهادة الثانوية عام /1949/، وأذكر كيف كانت مدرسة كبيرة فيها باحتان رئيسيتان، واحدة كبيرة تتوسط صفوف المرحلة الاعدادية والأخرى أصغر منها بقليل تتوسط صفوف المرحلة الثانوية والمسرح والإدارة».
ثانوية "جودت الهاشمي" قسمت فيما بعد إلى مدرستين منفصلتين هما ثانوية "جودت الهاشمي" واعدادية "ابن خلدون"، وأقيم في قسم منها "معهد شبيبة الأسد للموسيقا"، وجزأين آخرين خصصا كصيدلية وبقالية نقابية، السيد "عبد الله" تحدث عن الأحداث التي يتذكرها من مدرسته القديمة بالقول: «لم تكن "جودت الهاشمي" مدرسة فقط بل كانت قلعة كبيرة شهدت باحاتها عدداً من المظاهرات الحاشدة ضد الاحتلال الفرنسي، وبعيد الاستقلال كان لطلابها أيضاً دور بارز في المسيرات التضامنية مع فلسطين خصوصاً في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي».
تاريخ مدرسة "التجهيز الأولى" ودورها بدأ باكراً قبل أن ينتهي بناء المدرسة حتى، حيث استفيد منها كمكان احتضن عدداً من المعارض التي بدأت دمشق في تنظيمها في أوائل الثلاثينيات، وارتبطت المدرسة بهذه المعارض إلى أن تم نقل هذه المعارض إلى مكان معرض دمشق الدولي القديم- على الضفة الأخرى لنهر بردى-، لذا سميت "مدرسة المعرض" وسميت المنطقة المحيطة بها بتجهيز المعرض أو "التجهيز" وهو الاسم الذي يطلق على المنطقة إلى اليوم، الباحث التاريخي "عماد الأرمشي" أشار إلى قصة بناء ثانوية "التجهيز الأولى للبنين" بالقول:
«بنيت هذه المدرسة بأمر الشيخ "تاج الدين الحسني" الرئيس الأسبق للجمهورية السورية، نظراً لأهميتها، وبوشر بأعمال البناء بتاريخ 28/1/1929، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات وبلغت تكاليف البناء ستة ملايين ليرة سورية، وتسلمتها وزارة المعارف- أي وزارة التربية- في الشهر الحادي عشر سنة 1933، وبقي البناء شاغراً ريثما أنجز صنع الأثاث اللازم للمكاتب الإدارية وقاعات التدريس».
وأضاف "الأرمشي": «جاء شكل البناء كما ذكر الدكتور قتيبة الشهابي على طراز العمائر الأوروبية والمتأثرة ببعض الاتجاهات الزخرفية العربية، وقد أنشئت ضمن مضمار بستان في منطقة الشرف الأعلى، وقد احتضنت أول معرض دولي تشهده دمشق سنة 1936.
وقد توزعت أجنحته في العديد من الأماكن المتفرقة والطرقات المحيطة بها: مثل حديقة البلدية (جنينة الأمة)، المتحف الجديد (المتحف الوطني)، المرج الأخضر وميدان سباق الخيل (أرض معرض دمشق الدولي القديم)، وكذلك مدرج الجامعة السورية (بالاستناد إلى الدليل الرسمي لهذا المعرض) والذي بلغت جملة مساحته 70000 متر مربع.
ولما كان المعرض قد أقيم بالمدرسة، فأخذت اسم المعرض أو تجهيز المعرض، وبقي هذا الاسم ملازماً لها حتى حملت اسم ثانوية جودت الهاشمي- وهو من أصل جزائري، كان أستاذا لمادة الرياضيات ثم أصبح مديراً لمدرسة التجهيز التي حملت اسمه فيما بعد-، ومن ثم تم تقسيمها إلى مدرستين رسميتين هما (ثانوية جودت الهاشمي)، و(ثانوية ابن خلدون) بعد أن نُقلت من مكانها القديم الواقع مكان فندق ديديمان-».
فتحت مدرسة "التجهيز الاولى" أبوابها للطلاب كما ذكر المؤرخ "قتيبة الشهابي" في شهر شباط سنة 1936، وتضم داخلها حوالي /55/ صفاً ومسرحاً كبيراً ومخبراً يضم قاعتين كبيرتين مخصصتين لحصص مادة الكيمياء والعلوم الطبيعية، تصميم المدرسة الداخلي يتميز بعدد من الأمور منها إطلالة جميع الشعب الصفية على الباحة الداخلية من جهة واطلالة مقابلة على الشوارع المحيطة بالمدرسة.
كما تتميز المدرسة بالأعمدة الحجرية الاسطوانية والطراز العمراني الذي يتطابق بشكل شبه كامل مع الطراز المستعمل في قصر العدل وبناء وزارة الاتصالات القديمة ومجلس الشعب حيث بنيت هذه الأبنية السابقة كلها في فترات زمنية متقاربة، فتجد الارتفاع وشكل القاعات الواسع وتنظيم الأدراج موحداً فيها كلها.