تحفة عمرانية بديعة وسط "دمشق" وبين أشجار السرو العالية، شيّدت لتكون جامعة تضاهي جامعة "السوربون" في "باريس"، استعملت كمقر للجيش التركي، ثم للحامية الفرنسية خلال الانتداب الفرنسي، إلى أن عادت إلى وظيفتها الأولى عقب الاستقلال.
إنها "قشلة الحميدية" أو كما تستخدم اليوم مبنى كلية "الحقوق" في جامعة "دمشق"، مدونة وطن "eSyria" التقت الطالبة المتخرجة "خولة خلف" من طالبات كلية "العلوم" بتاريخ 28/9/2013 التي بدأت حديثها بالقول: «بناء كلية "العلوم"– الذي يضم كليات "الحقوق والشريعة وغيرها"- هو تحفة عمرانية بما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهذا البناء الجامعي الجميل يعطينا شعوراً بأننا في مكان عريق علينا احترامه.
عند الاحتلال الفرنسي لـ"سورية" عام /1920/م، اتًخِذَتْ "القشلة" مقرّاً لحامية "دمشق" من القوات المغربية "المغاربة" التابعة لجيش الشرق الفرنسي. واستمرَّ هذا الحال حتى "الجلاء" فنُقِلَتْ إليها عام /1946/م معاهد الجامعة السورية ومازال قسمٌ منها إلى اليوم كـ"الحقوق والشريعة والعلوم"
هندسة بنائه والمساحات الخضراء المنتشرة حوله وباحته الداخلية تجعلنا ننسى ولو لساعات معدودة أننا وسط مدينة "دمشق" وفي أكثر المناطق ازدحاماً خلال ساعات النهار، لكن لابد من الإشارة إلى أن البناء لا يلفت النظر بسبب وجود شجيرات السرو العالية وغيرها من الأشجار وبسبب الإهمال في الاعتناء به، فآلاف الأشخاص يمرون أمام مبنى كلية الحقوق ولا يشعرون أبداً بأنهم أمام تحفة عمرانية، وبعضهم أصلاً لا يعرف أن "قشلة الحميدية" ما زالت موجودة إلى يومنا هذا.
اقترح أن تتم إزالة الأبنية الإسمنتية الجديدة التي تحيط بهذا الصرح العمراني وتنسيق الحديقة الخاصة به ليظهر جمال هذا البناء الذي يضم عشرات المدرجات والقاعات الكبيرة، كما أقترح إعادة تجديده من الداخل لإعطاء لمسة تاريخية تضيف إليه مزيداً من الفخامة».
يقول المؤرخ "صلاح الدين المنجد" في كتابه "ولاة دمشق في العهد العثماني": «إن "قشلة الحميدية" شُيدت إبان الولاية الأولى لوالي "الشام" المصلح "حسين ناظم باشا" طيب الله ثراه، التي امتدت من عام /1895/ حتى عام /1907/ للميلاد في عهد السلطان "عبد الحميد الثاني" رحمه الله، الذي أمر ببنائها، لتكون كجامعة "السوربون" في "فرنسا"، إلا أن الظروف حالت دون ذلك، بعد إزاحته عن عرش السلطنة، فصارت تُستعمل ثكنة تركية ينام فيها أفراد الفيلق الرابع التركي المتمركز في "دمشق"، وكان تشييدها في محلة تسمى سابقاً "المنيبع" من الشرق الأدنى (الضفة الجنوبية من بردى) إلى الشمال من المرج الأخضر وقد استعملت أعداد كبيرة من أحجار قلعة "دمشق" في بنائها، وجاءت على طراز فن العمارة الأوروبية المحضة».
أما لفظة "القشلة" فهي كلمةٌ محرّفة عن التركية "قشلاق"، ومعناها مأوى الجُند أي الثكنة، والثكنة بدورها كلمةٌ سريانية الأصل، من "أشكنا"، وتعني الموقع الحصين، يقول الباحث "أحمد إيبش" في كتابه "معالم دمشق التاريخية": «عند الاحتلال الفرنسي لـ"سورية" عام /1920/م، اتًخِذَتْ "القشلة" مقرّاً لحامية "دمشق" من القوات المغربية "المغاربة" التابعة لجيش الشرق الفرنسي. واستمرَّ هذا الحال حتى "الجلاء" فنُقِلَتْ إليها عام /1946/م معاهد الجامعة السورية ومازال قسمٌ منها إلى اليوم كـ"الحقوق والشريعة والعلوم"».
تطل "قشلة الحميدية" من بوابتها الشمالية على "مرجة الحشيش" التي كانت تستخدم ميداناً للفروسية والاستعراض (كانت مخصصة من قبل كوقف للحيوانات الهرمة والمريضة)، وترتفع عن ضفة نهر "بردى"(7) أمتار، أما اليوم فتقع ضمن حرم جامعة "دمشق"، الكونة من عدد من الأبنية الجامعية، لذا تجد أن التمتع بجمال بنيانها بشكل كامل صعب المنال، ويمكن لزوار هذا الصرح العمراني الجميل أن يتجولوا فيه من الداخل ويلاحظوا مهارة صناعه ومدى إتقانهم، والبناء يتألف من طابقين وعدد كبير من القاعات والمدرجات الجامعية وعدد من الغرف الإدارية ويلاحظ ارتفاع السقف، كما أن السطح مكسو بالقرميد الأحمر.