زواره يتوافدون عليه منذ الصباح الباكر قبل أن يستعد لاستقبالهم حتى، ويبقى يستقبل زبائنه الذين يختلفون حسب أوقات الزيارة، التاريخ يسجل أنه مكان ميلاد أول بنك وبورصة في دمشق، واليوم يعرفه الكثيرون على أنه سوق متخصصاً باللوازم المنزلية فقط.
مدونة وطن "eSyria" جالت المكان والتقت السيدة "سلمى أبو حرب" إحدى زبائن السوق التي ذكرت أن السوق يشكل قبلة كل السيدات الراغبات في الحصول على أجود أنواع أدوات الطبخ ومستلزمات المنزل بشكل عام، فهو وبرأيها ذو سعر جيد وبضاعة منوعة.
شيد البنك في عهد السلطان "عبد الحميد الثاني"، وفي عام /1924/ تأسس بنك "سورية ولبنان الكبير" الذي اشترى البنك العثماني، وبقي على حاله إلى عام /1932/، وفيه أيضاً المدرسة العصرونية التي أخذت منها التسمية، حيث أنشأها القاضي "شرف الدين ابن عصرون" ودفن في المدرسة ذاتها عام /585/ هـ /1158م/
أما التاجر "أبو محمد قباني" -أحد الزوار الدائمين لسوق- ليتحدث عن سوق "العصرونية": «يضم السوق عشرات المحلات المتخصصة في بيع مستلزمات مطابخ البيوت والأدوات المنزلية والأدوات النحاسية والزجاجية والأراكيل، مستفيداً من موقعه جوار الجدار الشرقي لقلعة دمشق الأثرية، حيث تأسس قبل نحو /150/ عاماً، ويحده من الجنوب سوق الحميدية، ومن الشمال امتداد شارع الكلاسة وسوق المناخلية، أما من الغرب فتحده قلعة دمشق ومن الشرق الجامع الأموي وباب البريد».
وقال قباني: «لدي محل في سوق "العصرونية"، منذ نحو /40/ سنة، لقد توسّع سوق العصرونية منذ تسعينيات القرن العشرين، فاستقطب الكثير من تجار دمشق الذين حوّلوا مستودعاته المغلقة، وبعض البيوت القديمة التي عملوا على ترميمها، إلى محلات تناغمت مع تخصّص السوق الأساسية في بيع كل ما له علاقة بالبيوت والخردوات ومستلزمات البناء الخفيفة. وفي أحد تفرعات السوق توجد محلات تخصصت في بيع ألعاب الأطفال بكل أنواعها وأشكالها، وقد وصل عدد محلاتها إلى نحو 400 محل».
الباحث التاريخي "بشار منافيخي" وخلال مقابلة مع مدونة وطن "eSyria" فقال: «يرجع المؤرخون سبب تسمية السوق يعود إلى المدرسة العصرونية التي أنشأها القاضي والمؤرخ والعلامة شرف الدين بن أبي عصرون الذي توفي عام /1189م/، فيما تشير الروايات المتداولة من أبناء السوق إلى أن التسمية ترجع إلى الاكتظاظ الشديد في فترة العصر، حيث تخرج النساء للتسوق، بالتالي أطلق عليها "العصرونية" اشتقاقا من فترة "العصر" كما سمي السوق سابقاً باسم زقاق البنك نسبة إلى البنك العثماني الذي يقع في هذا السوق، أما الطريف جداً في هذا السوق فهو أن اللوازم والأدوات المنزلية واحتياجات المطبخ أصبحت تسمى "أدوات العصرونية"».
وأضاف: «مر على السوق العديد من المحن والنكبات، ففي البداية كان هناك سوق مجاور للسوق الحالي، يأخذ اسم "سوق القلعة"، وكان مغطى بسقف من الخشب، وتَهدم هذا السوق مع الكثير من البيوت المجاورة والمشيدات الأثرية، خلال فترة الثورة السورية ضد الفرنسيين عام /1925/ على أثر القصف المدفعي الفرنسي للمنطقة، ولاحقاً أعيد تنظيم السوقين معاً في سوق واحد مكشوف، ليتعرض مجدداً للقصف الفرنسي عام /1945/ فتخرب الكثير من محلات السوق، ليعاد بناء بعضها على الطريقة الحديثة مكان الأبنية المخربة، فيما شهد مطلع الثمانينيات إزالة النسق الغربي من هذا السوق، بغية إظهار الجدار الشرقي لقلعة دمشق وبابها الرئيسي».
وتابع: «شهدت سوق العصرونية تأسيس أول سوق للبورصة في دمشق، حيث يسمى هذا القسم من السوق بالبورص، ويربط العصرونية بسوق الحميدية وكان يضم محلات صغيرة لصرافي العملة الأجنبية، بيد أن محلاته حالياً تحولت لبيع مستلزمات المرأة من عطور وأدوات زينة وماكياج وغيرها، بعدما كان في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تجمع تجار دمشق لمعرفة حركة البورصة العالمية والمحلية. إلى أن انتهى العمل في سوق "البورصة" مع بدايات الستينيات، بقرار الحكومة السورية وقتذاك بتأميم البنوك الخاصة».
أما عن المعالم الأثرية في السوق فذكر الباحث في التاريخ والتراث "حسن الصواف": أن من المباني التي ما زالت قائمة مبنى البنك العثماني لشخص يدعى "زلخة مرقدة"، وأضاف: «شيد البنك في عهد السلطان "عبد الحميد الثاني"، وفي عام /1924/ تأسس بنك "سورية ولبنان الكبير" الذي اشترى البنك العثماني، وبقي على حاله إلى عام /1932/، وفيه أيضاً المدرسة العصرونية التي أخذت منها التسمية، حيث أنشأها القاضي "شرف الدين ابن عصرون" ودفن في المدرسة ذاتها عام /585/ هـ /1158م/».
وأضاف "الصواف": «من المباني التاريخية التي تضمها السوق أيضا جامع دار الحديث النورية التي أنشأها السلطان "نور الدين الشهيد"، وهي دار صغيرة نسبياً تبلغ مساحتها نحو /400/ متر مربع، ومكونة من طابقين وتضم مئذنة ومصلى وباحة صغيرة تتوسطها بحرة تزيينية. كما أن هناك المدرسة العادلية الصغرى التي أنشأتها زهرة خاتون بنت السلطان الملك العادل الأيوبي، وتحولت إلى مدرسة إعدادية شرعية خاصة للبنين. وثمة جامع آخر قديم أيضاً يدعى جامع الخندق».
أما التاجر "محمد البظنة" فقال: «من يتجول في سوق العصرونية يلاحظ أنه يشهد ازدحاما طول النهار، لا في العصر فقط، ومعظم المتسوقين فيه هم أُسَر، إذ تأتي الأم مع أطفالها إلى السوق بحثا عما يحتاجونه من كماليات وضروريات. فالأم تبحث عن لوازم مطبخها من أدوات مختلفة، والأطفال يشترون الألعاب التي وُعدوا بها، والصبايا وأمهاتهن يشترين العطور وحقائب اليد… وكلها تباع بأسعار شعبية رخيصة الثمن نسبيا، إذا ما قيست بمحلات أسواق دمشق الحديثة والراقية والمولات التجارية».
وأضاف: «جميع التجار هنا ينتظرون آليات ومهندسي المكتب الفني لدمشق القديمة ـ كما سمعوا ـ لتطلق العمل بمشروع ترميم وإصلاح السوق، فتزيل بعض الإشغالات الحديثة منه والتي أضيفت في السنوات السابقة، ومنها خزان كهرباء وغيرها، التي تعوق رؤية عمارة السوق التراثية وامتدادها باتجاه الأسواق الأخرى الذي يحلمون به منذ سنوات، لإعادة السوق إلى ما كان عليه في الماضي لكونه يحمل عبقاً دمشقياً جميلاً».