الخوري جورج حداد خادم رعية يبرود والنائب الأسقفي فيها حاصل على ستة شهادات عليا في الفلسفة والتاريخ والأدب الفرنسي ودبلوم في التربية وماجستير في الفلسفة الكهنوتية ودكتوراه في الحضارات القديمة يجيد اللغتين الفرنسية والانكليزية, الرسالة التي حصل بها على الدكتوراه كانت حول التاريخ الكنسي في منطقة القلمون وتاريخ المطرانية والكنيسة في مدينة يبرود
والتي تعتبر من أقدم المعالم الأثرية في سورية على حد قول سيادته، الذي ذكر لنا أن مطرانيه يبرود من الناحية الجغرافية الأكبر في سورية حيث أنها تشمل كلا من حماه وحمص وتدمر ووادي النصارى ومنطقة القلمون ومعلولا قبل وقت قصير.
يمثل المسيحيين في مدينة يبرود ما نسبته 25% من عدد السكان والبالغ 50ألف نسمة على الرغم من الهجرة الكبيرة التي شهدتها هذه المنطقة إلى أمريكا الجنوبية في بداية القرن التاسع عشر, حيث يتواجد في البرازيل وحدها قرابة 17 ألف مسيحي من منطقة القلمون ومن مدينة يبرود بالتحديد، ففي بداية الألف الأولى قبل الميلاد أصبحت يبرود مركزا لإحدى الممالك الآرامية في بلاد الشام وقد ازدهرت هذه المملكة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وفنيا وتم في ذلك العهد بناء أكبر وأفخم معابد الشمس في البلاد وبني في وسط المدينة بسعة كبيرة قياسا إلى معابد تلك الأزمنة الغابرة وبحجارة ضخمة محاط برواق محمول على أعمدة طويلة رشيقة اسطوانية غاية في الجمال والإبداع ولا تزال بعض قواعدها ظاهرة للعيان حتى وقتنا هذا.
ويضيف: تحول هذا المعبد بعد احتلال الرومان لبلاد الشام إلى معبد لعبادة \جوبتير\ كبير آلهة الرومان, وفي سنة 331م تحول هذا المعبد الوثني إلى كاتدرائية مسيحية باسم القديسين قسطنطين وهيلانة تيمنا بالإمبراطور الروماني قسطنطين الذي سمح بالحرية الدينية بالبلاد, وأمه القديسة هيلانة التي أقنعته بالتسامح الديني وتحولت الدولة الرومانية فيما بعد إلى الديانة المسيحية, وقد مرت القديسة هيلانة من المنطقة أثناء عودتها من القدس بعد اكتشاف خشب الصليب المقدس.
أصبحت هذه الكاتدرائية أعظم كنائس القلمون وأهمها قداسة, وبناؤها ليس موجها تماما إلى الشرق كسائر الكنائس في العالم إذ أنها منحرفة قليلا إلى الشمال كونها كانت سابقا هيكلا ومعبدا لعبادة اله الشمس \ بعل شمين \ وتحتوي اليوم على العديد من الأيقونات الأثرية والفريدة من نوعها وتعرض اليوم في المتحف الوطني بدمشق على هامش إقامة معرض للأيقونات الأثرية.
وأضاف أن مدينة يبرود تعتبر مركز مطرانية منذ العام 325م والمطران جيناديوس شارك في مجمع نيقية الأول سنة 326م لمعالجة بدعة اريسيوس, ثم تبتدئ سلسلة أساقفة يبرود المعروفين من مجمع خليقدونية وأشهرهم:
أوسابيوس: كان في عداد الأساقفة السوريين الموقعين على كتاب الاجتماع الذي أرسلته فينيقية سنة 475م إلى الإمبراطور ليون الأول وذلك على اثر قتل بطريرك الإسكندرية بروتيريوس والاستيلاء على الكاتدرائية في الإسكندرية.
توما: كان مشايعا ومؤيدا لرأي القائلين بالطبيعة الواحدة ولما اصدر الإمبراطور الروماني جوستين الأول مرسوما بنفي عدد من الأساقفة في سنة 518م كان من بين الأساقفة الذين تم نفيهم.
ويتواجد في هذه المنطقة العديد من الأديرة والكنائس التاريخية من أبرزها:
دير قونن: كان قائما عند رأس النبع جنوب غرب يبرود أقيم على أنقاض معبد وثني ولم يبق إلا اسمه مدمجا في اسم نبع كان ينبجس هناك من عباب الصخر (عين الدير) وقد وجدت آثاره منذ حوالي القرن تقريبا عندما حفرت هذه البقعة لبناء حوض البحيرة الحالي ووجدت حجارة الجدران الضخمة سنة 1927م وأسس باب الدير الرسمي المتجه شطر الشرق وكذلك الممر الصخري الموصل إلى الباب السري ولا تزال إلى اليوم آثار في الصخر للنحت والقبور.
دير مار سابا: ويقع في شمال غرب يبرود في أعلى الوادي قرب عين ماء جارية, وما زال منه شق في الصخر يستقبل نذور الأهالي من شمع وزيوت, ومقعد صخري منحوت بدقة يتسع لجلوس رئيس وعشرة رهبان , ومغارة منحوتة في الصخر بباب جميل يزينه أسدان من على جانبيه والمغارة واسعة الأطراف لها باب كبير بعده حجره فارغة ثم باب أكبر من الأول وراءه محل فسيح فيه سبعة أقواس وتحتها نحتت قبور متجاورة.
ويضيف الخوري جورج حداد أن المطرانية تعتبر المركز الإداري للمسيحيين الروم الكاثوليك حيث أنها مسؤولة عن بناء أي كنيسة أو وقف في المناطق التي تمتد بها, إضافة إلى عقود الزواج والتبني ومخاطبة مؤسسات الدولة.
ومن الناحية الدينية المطرانية مسؤولة عن إقامة كل الصلوات في الأيام العادية والمناسبات والأعياد وتنظيم علاقة الفرد مع الكنيسة من العماد والزواج والخباز, ودفتر المعمودية موجود منذ العام 1868م.
تقيم المطرانية العديد من النشاطات الاجتماعية والثقافية والدينية, فهي تنظم مهرجان كرمس للألعاب, وأسبوعا ثقافيا في شهر آب من كل سنة إضافة إلى عدد من المخيمات الصيفية للطلاب المتفوقين دراسياً، يصدر عنها مجلة شهرية تبرز أهم النشاطات الكنسية في منطقة القلمون.
في نهاية الحديث وجه الخوري جورج حداد رسالة شكر إلى مشروع eSyria للجهود التي يبذلها للتعريف بالمواقع الأثرية والتاريخية في المنطقة, وتمنى أن تحظى هذه المعالم بمزيد من الرعاية والاهتمام لتكون قبلة للسياح من كافة أنحاء العالم.