بعيداً عن أهميته الاجتماعية لكونه ثاني أكبر مدرسة دينية في دمشق بعد الجامع الأموي، يعد جامع التوبة تحفة عمرانية تحاكي بناء الجامع الأموي وتحفظ الأنماط العمراينة التي استخدمت في الأحياء الدمشقية خارج السور في العهد الأيوبي.
للتعرف أكثر على هذا الجامع الأثري "eDamascus" زار "جامع التوبة" في حي العقيبة بتاريخ "27/5/2012" والتقى السيد "محمد جمال مولوي" أحد قاطني الحي وصاحب أحد المحال المجاورة لهذا الجامع الأثري، حيث تحدث عن أهميته بالقول: «هو تحفة عمرانية، وأحد أهم معالم حي العقيبة، تجد أن زواره ومرتاديه يأتون من كل أحياء دمشق، وبالنسبة للسياح تجد أن معظم السياح الذين يزورون دمشق لابد لهم من زيارة قصيرة لهذا الجامع الأثري».
هو تحفة عمرانية، وأحد أهم معالم حي العقيبة، تجد أن زواره ومرتاديه يأتون من كل أحياء دمشق، وبالنسبة للسياح تجد أن معظم السياح الذين يزورون دمشق لابد لهم من زيارة قصيرة لهذا الجامع الأثري
السيد "سعيد بهلوان" أحد المشرفين على الجامع تحدث عن القيمة الأثرية والبنائية لهذا الصرح الأثري الفريد بالقول: «يعد جامع التوبة من أهم الأوابد الأثرية والتاريخية في دمشق القديمة، ومازال يحافظ على الكثير من مميزات العهد الأيوبي والمملوكي، ويعد من أجمل الجوامع الأثرية من حيث التصميم والنقوش المزخرفة خصوصاً على المدخل الرئيسي والصحن، فصحن المسجد يتوسطه ميضأة خشبية جميلة تشبه الميضأة التي تتوسط صحن الجامع الأموي، وهي عبارة عن بركة ماء مربعة الشكل متوجة بقبة ذات محاريب في أسفلها ولها رمح صغير بتفاحة وهلال صغير.
يقع جامع التوبة في منطقة "العقيبة" خارج أسوار مدينة "دمشق القديمة" قرب خان العسكر، وبني المسجد مكان خان كان يدعى "الزنجاري"، وكان هذا الخان يقام فيه المحرمات وليالي السكر، فاشتراه الملك الأيوبي "الأشرف موسى" وأمر بهدم الخان وبناء مسجد مكانه في سنة 632هـ، والملك موسى هو "الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل"، وقد تم ترميم وتجديد جامع "التوبة" مرات عديدة بسبب الحوادث التي تعرض عليه في فترات متلاحقة، فقد تم تجديده وترميمه بعد حرقه سنة 699هـ، كما أعيد بناؤه من قبل الأمير "شاهين الشجاعي" بعد أن تعرض للدمار على يد قوات تيمورلنك سنة 803 هـ، كما تعرض المسجد للدمار جراء القصف الهمجي لمدينة "دمشق القديمة" من قبل قوات الاحتلال الفرنسي، ليعاد ترميمه من جديد، كما قام السلطات المعنية في "دمشق" بترميمه وتجديده بشكل كامل سنة عام 1408 هـ / 1987م».
يواصل "بهلوان" حديثه: «كما يوجد في المسجد محرابان في جدار القبلة أحدهما مصنوع من الرخام الجميل وعلى جانبيه عمودان صقيلان يحملان مثمنة الأضلاع مزخرفة بالآية القرآنية: "يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون".
كذلك يوجد محراب آخر في جدار القبلية مبني من الحجر البازلتي أسود اللون، وقد زرع في قبة المحراب قبة صغيرة حديثة مرخمة أيضا، وفوقها لوحة متوجة بالآية القرآنية، وتستند على الغارب قبة الحرم وعلى جنبات الغارب يوجد حرم بيت الصلاة الذي يشكل القسم القبلي للجامع وهو من المساجد الفريدة في دمشق بها غارب على غرار غارب الأموي، ولهذا سمي بالأموي الصغير».
كما التقينا الباحث التاريخي والأثري "حسام البابلي" وعن تصميم هذا الجامع الأثري وأهميته، يقول: «يعد جامع "التوبة" من أهم الأبنية التاريخية والدينية لما ليتميز به من التصميم الفريد والجميل، فهو يشبه القصور والقلاع في حجمه الكبير نسبياً، وتصميمه الذي يشبه إلى حد كبير جداً "الجامع الأموي في دمشق"، فضلاً عن الزخارف والنقوش التي تزين كل جدار من جدران الجامع.
فحرم الجامع أو بيت الصلاة تم تصميمه وتخطيط مساقطه مشابهاً لتصميم وتخطيط مساقط الجامع "الأموي الكبير" فهو مستطيل الشكل قائم على ستة مجموعات من العقود الحجرية، وتعلو أرضية المحراب قليلاً عن الأرضية عن طريق الخشب وقد تم فرشه بالموكيت، وجداره كبيرا جداً من حيث الارتفاع وحجم الحجارة المستخدمة في البناء فهي حجارة أبلقية من اللونين الأبيض والأسود بالتناوب، وله باب خشبي كبير الحجم ترتفع فوقه مئذنة الجامع بالزاوية الشمالية الشرقية وتحتها يوجد الرواق الشمالي للجامع، فقد تم ترميم المئذنة مرات عديدة لتفقد بتلك التجديدات عناصرها الأيوبية والمملوكية، أما الصحن فهو كصحن الجامع الأموي مستطيل الشكل وأرضه مفروشة بالحجارة السوداء والبيضاء تحيط به ثلاثة أروقة، وتقوم هذه الأروقة على قناطر من الحجر».
يواصل "البابلي" حديثه: «أما المحراب فهو مبني من جص مزخرف بطريقة في غاية الروعة والجمال ومن فوقه قبة مثمنة الأضلاع يحيط بها نوافذ توائم في كل ضلع ملونة ومزخرفة بالنقوش الجميلة، وتحت القبة يوجد منبر الأمام فهو مبني من خشب الجوز الجميل، وفي القبلية محراب ثان غربي المحراب الأعظم، وتتمتع واجهة الجامع بقوس مسدود بشبك خشبي وللواجهة باب مغلق، أما القبلية فلها ثمانية أبواب ضخمة من الخشب وبابان من الحجر في الرواقين الشرقي والغربي، ولها ثلاث عشرة قنطرة من تحتها عضادات مجصصة أيضاً».
يضيف "البابلي": «ولابد لزائر مسجد "التوبة" أن يتذكر بقوة المسجد "الأموي الكبير"، لأن بناءه مستوحى من بناء الجامع "الأموي" من حيث بناء الصحن وحرم بيت الصلاة والزخرفة الداخلية والنقوش التي تزين كل جزء من هذا المسجد العريق، وإن كان أصغر منه مساحةً، والمسجد له بابان الشرقي يطل على جادة "العقيبة"، وشمالي من سوق "ساروجة"، والبابان مبنيان من الحجارة الأبلقية البيضاء والسوداء.
وقد تم تزيين مدخل الباب بآيات قرآنية، فعلى الحائط الأيسر للباب نقوش ما نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم: لما كان بتاريخ تاسع جمادى الآخر سنة اثنين وأربعين وثمانمئة أحسن الله ختامها برز المرسوم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الظاهري السيفي "أبو سعيد جقمق" خلد الله ملكه وسلطانه بإبطال ما احدث على وقف الجامع المسمى بجامع التوبة من الجباية المختصة بالدوادارية الكبرى بالشام لا تغيرها الأيام والليالي إن شاء الله وبعلم الوكيل كتبه شرف الدين بن الأمير"».