بين روابي "أم المتاع" المعروفة باسم "أم الجمال" الصغرى نشأ وترعرع، تنسم من عليل هوائها وقد سكنت ذاته وروحه مفردات قريته الجميلة والوطن والأرض كلها على امتدادها وعمقها، فرددها نثراً دافئاً وشعراً محكياً جميلاً.
إنه الشاعر النبطي "علاء الغانم" المعروف في محافظة "درعا" باسم شاعر الأرض الذي التقاه موقع eDaraa بتاريخ/8/1/2009/وكان الحديث التالي:
** أنا شاب بسيط نشأت وسط عائلة متواضعة من قرية "المتاعية" المتوضعة إلى الجنوب من محافظة "درعا" والمعروفة باسم "أم المتاع" من مواليد عام /1982/، لم تسمح لي ظروفي العائلية بإكمال الدراسة ولم أعتبر هذا فشل في حياتي أو نهاية لطموحي بل على العكس عملت على توظيف ما أملك من مواهب أدبية لإثبات ذاتي وحضوري الاجتماعي إذ استهوتني منذ طفولتي موهبة الشعر فعملت على صقلها عبر اشتراكي بالنشاطات والفعاليات التي تقام بالمدرسة أثناء الاحتفالات والمناسبات القومية والوطنية مثل تمثيل القصة أو إلقاء الشعر.
اتجهت لنظم الشعر النبطي لأنني امتلك المفردة النبطية لاسيما أنني عشت وترعرعت في بيئة ريفية بسيطة ولأن هذا الشعر يلتقي أو ينبثق من اللهجة المحلية فهو حاضر بمفرداته في مجالسنا ومناسباتنا، ويحفظ الكثير من الناس هذا اللون لسلاسته وقربه من القلب كنت أشارك وبمبادرة تلقائية في الكثير من المناسبات الوطنية إذ دفعني شعوري القومي وفخري واعتزازي بالنصر الذي حققته المقاومة البطلة في تحرير جنوب "لبنان" للذهاب "للبنان" والمشاركة بفرحة النصر بإلقاء قصيدة من خلال قناة المنار.
كان شعري في البداية نثراً حيث تأثرت بذلك بعدد من الشعراء أبرزهم الشاعر "عمر الفرا" والشاعر الأردني "عرار"، في عام /2005/ اتجهت للشعر الموزون فقد سافرت إلى دولة الإمارات العربية للتقرب من الشعراء النبطيين ودراسة البحور الشعرية بشكل أوسع وهناك شاركت بعدد من المهرجانات الشعرية وكذلك البرامج المهتمة بفن الشعر النبطي مثل برنامج نادي التراث إضافة لاشتراكي بعدد من المهرجانات الشعرية.
**لي من القصائد ثمانية عشرة قصيدة ،/7/ أديتها بطريقة النثر المقفى وهو ذو لحن مغنى وهناك /11/ قصيدة على شكل عمودي متزنة تأتي في سياق بحور الشعر النبطي، ومن أهم قصائدي- ربيع العمر –وغربة- وشمس العروبة- وتعالي- وكل القصايد.
** أن يكون لك بيت أو قصيدة شعرية معروفة يحفظها ويرددها الناس خير من أن تكون لك دواوين غير معروفة، فالشعر النبطي يجد فضاءه الواسع في فن الإلقاء والذي من شأنه أن يبرز خصوصية هذا الشعر ويبقى أكثر جذباً. وأنا لم أتمكن حتى الآن من طباعة ديوان لظروف تتعلق بي وسيكون لي قريباً ديوان شعري. أما أهم شعراء الشعر النبطي فهم: "عازار غنيم" و"بشارة محمود المفلح الزعبي" و"محمد غصيم" و"هاجم عيازرة".
**هو شعر حاضر بكل قوة في المجتمع المحلي ولايقل أهمية عن الشعر الفصيح ويعتبر قطعة من التراث المحلي ويندرج في إطاره، ويتجلى حضوره من خلال إلقائه بالمجالس والمضايف ناهيك عن ارتباطه الوثيق بالربابة التي لايطيب الغناء عليها إلا من خلال إلقاء الشعر النبطي ومن المعروف أن العزف على الربابة كان من آداب المضافة.
**ما الفرق بين الشعر النبطي وباقي الألوان الشعرية من النثر والمقفى؟
**يعتمد هذا الشعر على الوزن والقافية واستخدام الصور لكن بنفس الوقت هو يملك الكثير من الجوازات مثل تعدد الأوزان وصياغة المفردة مع الالتزام الكلي بقواعد الشعر النبطي، والشعر المقفى يمتاز بصياغة المفردة والوزن وفقاً للقانون النحوي في اللغة العربية الفصحى وجوازاته قليلة، أما النثر فيبدو وكأنما هو نص أدبي له سيمفونية وتغلب عليه الصورة الذاتية الرمزية.
** ما هي المواضيع التي يعالجها ويتناولها الشعر النبطي؟
**يصح في الشعر النبطي تناول جميع المواضيع، ودائماً المناسبة أو الظرف هي من يحدد موضوع الشعر النبطي ولابد أن يكون لكل شاعر رسالة خاصة به بغض النظر عن الرسائل الأخرى التي يعمل على إيصالها جميعها وبطريقة شعبية جميلة، وبالنسبة لي رسالتي الأهم تتعلق بالجانب الوطني وأنا أفتخر بأن يطلق علي اسم شاعر الأرض.
وهذه مقاطع من قصيدة ابنتي:
لمن أشكي وأسولف ماجرالي/ وعلى من تصعب دموعي الغوالي
وأنا من يوم غابت نور عيني/ ولاخل بهادنيا بقالي
أيا نبضي أيا بياضي عيني/ أمانة عاني الريح وتعالي
تعالي وكل جرح بالروح يبرى/ بنيتي لاتخليني لحالي.
** دائماً الحب يدفعك للعطاء.. ولأنني أهتم بالشعر النبطي من باب الرغبة العارمة والصادقة وحبي للإبحار في عالم هذا الشعر فقد عملت على إيجاد نمط جديد لكتابة البحر الصخري وهو أحد البحور الشعرية بحيث أهمل صدر البيت وأهتم بعجزه وأتقنه للتوسع في الصورة الشعرية مما يفسح المجال للقصيدة لأن تكون مغناة بشكل أكبر، فالقصيدة المنظومة وفقا لهذا البحر وبهذه الطريقة يصبح من السهل أن تغنى.
أيضا أنا حالياً بصدد إصدار ديوان شعري يجمع كل البحور الشعرية الأصلية والمبتكرة وأؤكد على كل شاعر قبل أن يكتب الشعر وحتى يرتقي بشعره لمصاف الشعر الجميل وليكون مستحق الإشادة أن يعرف لماذا يكتب القصيدة ولمن وهل هي للوطن.. الحزن ..الحبيبة؟ وأن يوزن القصيدة فالشاعر النبطي مقيد بالوزن والقافية فلا يتصرف كما يريد ولكل قصيدة وبحر غرض معين مثل الصخري الذي يستخدم في حالة الحزن والبحر المسحوب يصلح لكل الاستخدامات، وإن هناك أمر مهم فكثير من الشعراء يستعملون الربابة في ابتداع الألحان وهذا ممكن أن يقود للخطأ نتيجة التفاعل مع الربابة، إذاً يجب عليه أن يستعمل لحن بعينه. وللشعر النبطي بحور مجزوئة والبحر المجزوء من أكثر الأوزان المغناة كان نقول :
طال الصبر واستفحل الشوق/ وأمرني اسهر حتى الفراق
ولك النظر يا صاحب الشوق/ هل هذا لك قد طاب اولاق.»
*ما هي بحور الشعر النبطي؟
** للشعر النبطي بحوره التي ينظم الشعراء النبطيين أشعارهم على أساسها وقد أصبحت عرفاً متبعاً تتوارثه الأجيال دون أن تكتب هذه البحور نظراً للبساطة والعذوبة التي عرف بها الشعر النبطي وتنقسم بحور الشعر النبطي لقسمين: أصلية وأهمها:
-"الهلالي" وهو أقدم البحور وأول ما نظم عليها الشعر النبطي ومن الصعب النظم عليه لأنه صعب التلحين، يأتي بعده البحر "الصخري" الذي جاءت ولادته مع "الهلالي"، والبحر "الحداء" وهو من حداء البدو للإبل والحداء هو الغناء، البحر الرابع "المروبع" وهو جديد حيث كان للشاعر النبطي "محسن الهراوي" دور كبير في إظهاره وله أوزان مختلفة، وهناك بحر "القلطة" يقوم على النظم الارتجالي أما بحر "الرجد" فنظم أهل شمال "جزيرة العرب" أشعارهم عليه.
"المسحوب" المشتق من "الهلالي" وهو أقصر منه بحرف ومن ثم "الهجيني" ولد مع الحداء ويصلح للغناء على ظهور الإبل والأهازيج التي تبعث على حماسة الفرسان على ظهور الخيول والبحر الثالث هو "السامري" ولد مع الهجينية حين أرادوا أغاني يسمرون بها وهم جلوس، ولحنوا لذلك بعض الهجنيات تصلح لوضع الجلوس وغنوها فكان بحر "السامر" على هذا النمط حتى ظهرت له قصائده الخاصة، وهناك بحر "الفنون" اشتق من البحر "السامري" حيث يؤدى بذات الطريقة أما البحر الخامس فهو "العرضة" فقد اختلفت الآراء حوله فمنهم من يرى أنه امتداد لاستقبال قدوم "الرسول صلى الله عليه وسلم" إلى المدينة المنورة ومنهم من يرى أنه نوع من الحداء، "البحر الزهيري" ظهر حين رأى شعراء النبط أنهم بحاجة لاستعراض قوتهم بشكل أوسع فنظموه وأدخلوا عليه ألفاظاً نبطية فكل ألفاظه هي نبطية تستعمل في حياتنا اليومية.
هذه مقطوعة من قصيدة تحمل عنوان "غزة الجريحة" من البحر "الصخري" للشاعر "علاء":
عميق الجرح في قلبي سحابه/ فكري صمت وأحزاني ثيابه
شهيق أنفاسي بصدري عواصف/ بحر الدمع من عيني سكابه
وأحس الدمع يجمد في عروقي/ وخدي ارض عطشانه للكآبة
ليلي المستبد اتعب فؤادي/ صبحي ضايع مفتاح بابه
أمد الشوق علي المح خيوطه/ واتوه ولا أشوف إلا سحابه
كان الليل يسكن عيوني/ أنا الطفل الجريح بأرض غزة
انا السمح البري ورمز الطيابه/ وجعل من قصر أحلامي خرابه .
*ما هي الصعوبات التي يواجهها الشاعر النبطي ومحبو هذا اللون الشعري؟
** للأسف لا يلقى هذا اللون التراثي الاهتمام اللازم من قبل مؤسسات ودور الثقافة، أرجو إبراز هذا اللون الشعري بشكل أوسع من خلال الفعاليات الثقافية والمناسبات الشعبية والوطنية المختلفة.