«تلك حكاية رافقتني منذ الربيع الأول من عمري، وأذكر حين كنت في الثالثة عشرة من عمري حيث ساعدت والدي في إنجاز مشروع طبوغرافي أعجبني هذا العمل ومنه اتجهت إلى جمع الأحجار الكلسية، وعملت منها منحوتات صغيرة احتفظت بها في غرفتي وكان أغلبها عن المرأة ومن أجملها منحوتة أسميتها "استراحة لرقصة السماح"».
هي كلمات بدأ بها الفنان السوري المتألق "سعد شوقي" حديثه لموقع eDaraa بتاريخ 24/5/2009، حين التقاه في مقر القرية الفنية التي عمل جاهداً على تطويرها وإنشائها لتبقى صرحاً فنياً عظيماً يجسد عظمة هذا الفنان الذي استطاع أن يداعب الصخر ليلين ويصبح ألقاً فنياً، يتابع "شوقي" حديثه عن بداياته مع الفن فيقول: «بعد حصولي على الشهادة الثانوية انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق"، وهناك تعاملت بشكل كبير مع مادة الطين، وفي أحد الأيام تخيلت أني سأستيقظ ذات صباح وكل شيء من حولي مظلم لا نور فيه أي أنني فاقد البصر فكيف لي أن أكمل مسيرتي الفنية؟.. كيف سأرسم وأداعب الصخر؟.. وضعت وشاحاً على عيني ورحت أشكل خطوطاً ثم شعرت كأنما غمامة سوداء أطبقت على صدري لا على عيني فحسب، نزعت الوشاح وحمدت الله على نعمة البصر وعندها أدركت أن فن النحت يقوم على الإحساس المرهف وهو يعتمد على اللمس».
تأثرت كثيراً في والدي الشاعر والمجاهد والخطيب، تأثرت كثيراً بشقيقتي الكبرى /هلال/ التي علمتني وبإتقان فن الرسم، فهي الأخرى تتلمذت على يد كبار الفنانين السوريين من أمثال الفنان "أدهم سليمان وممدوح قشلان"، أي إنسان ناجح يمكن أن يؤثر بشخصيتي، ويدفعني خطوة للأمام
وفي حديثه عن تجربته في الجزائر يقول "شوقي": «بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلة في عام (1977) وممارسة العمل الفني في سورية لمدة ثلاث سنوات، سافرت إلى "الجزائر" وعملت كمدرس لمادة التربية الفنية في العديد من الثانويات ثم أصبحت عضواً في الاتحاد الوطني للفنون الثقافية وعضو نقابة الفنانين بالجزائر وكذلك عضو شرف في اتحاد الكتاب الجزائريين، والأجمل من كل ذلك هو تجربتي الفنية "أنت عيني"، فالضرير هو إنسان فاعل، والمكفوفون ليسوا معاقين، ومنهم عباقرة عزف وكتابة وغناء، فلم لا يكون منهم عباقرة فن؟ راودتني الأفكار وعلى مدى خمسة أعوام بتقديم تقانة فريدة إلى هؤلاء فبادرت بالمطالبة بإدماج مادة النحت ضمن المقررات في مدارس المكفوفين، جاءت فكرة إقامة معرض لهؤلاء حيث تم عرض هذا العمل في شهر شباط بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، "أنت عيني" ليس حدثاً ثقافياً أو فنياً أو إعلامياً بقدر ما كان إنسانياً لأنه أعطى للمكفوفين فرصة المشاركة كغيرهم».
وحول علاقة الفن بالواقع وتجسيد الحقيقة يقول: «نحن نأخذ الجوهر مباشرة، فالفنان يرى ما لا يراه الآخرون، أي إنه العين الثاقبة التي من خلالها يسير المجتمع خلفه بكل طمأنينة، فأنا من خلال منحوتة الشهيد "محمد الدرة" أجعل من قسوة النحت صورة أصدق تعبيراً من الكلمات، أنا لم آخذ هذه الصورة الوحيدة بل هي من بين آلاف الصور التي تأتينا عن الشعب الفلسطيني، لذلك على مثقفينا أن يحاولوا التعمق في هذه القضايا من أجل تحريك الوعي العام».
وفي الحديث عن علاقة "سعد" الوطيدة بالحجارة قال: «الصخر لين في أعمالي النحتية ليس لي دور فيها سوى نفض الغبار عنها، فالعمل موجود في داخل الصخرة وبإدخال قليل من الهواء والحركة يظهر جوهر الصخرة وما تحمله من قضايا اجتماعية، وحديثي مع الصخر امتد على مدى أربعين عاماً، ولدت في سورية بـ"درعا" الحوراء التي ينام فيها الناس بأمان الحجارة، فكانت الحجارة لغة فني ولهوي وأترابي من الصبيان».
وعن مشروع الطموح المتمثل بالقرية الفنية والهدف من إنشائها يقول "شوقي": «فكرة المشروع لازمتني على مدى خمسة وثلاثين عاماً، حين التحقت بكلية الفنون الجميلة وأثناء جلسة التعارف بيني وبين الزملاء طرحت الفكرة، وأنا اليوم بعد عودتي من "الجزائر" باشرت العمل حيث اخترت المكان الملائم الذي يتمتع بالهواء الطلق والطبيعة الجميلة والهدوء، أريد من خلال هذه القرية أن أستقطب المواهب الفنية من كل أقطار الوطن العربي عموماً ومن "درعا" خصوصاً، يمتد المشروع على مساحة (3500) م2 والإقامة مجانية في هذه القرية للفنانين، وكل ما يطلب من الفنان هو الاستمتاع بوقته وترك العمل الفني الذي ينجزه حتى يتم بيعه.
والهدف الرئيسي هو الحصول من مديرية التربية على موافقة بدخول مدارس "درعا" واكتشاف المواهب الفنية الشابة بين الطلبة والتلاميذ واستقبالهم بالقرية خلال العطل المدرسية لتقريبهم من كبار الفنانين وإتاحة الفرصة لهم بالاحتكاك وتعلم قواعد الفن من المحترفين دون أن يكون ذلك في إطار رسمي، المشروع عبارة عن منزل كبير يشكل ملتقى فنياً فيه صالة عرض كبيرة ومرافق مختلفة، ويتوسط البناء مجموعة كبيرة من الغرف المجهزة بكل ما يلزم لضمان راحة الفنانين، وأقوم بنفسي بالإشراف على هذه الناحية، فالبناء كله من تصميمي، وهناك قبو محفور بالصخر تركته على طبيعته مع إضافة بعض اللمسات الفنية بهدف المزج بين الماضي والحاضر، والطابق الأرضي عبارة عن غرف معيشة ومطبخ وغرف عرض للإنتاج الفني، والطابق الأول فيه "باربيكيو" ومطبخ لتخديم الضيوف، والطابق الثاني عبارة عن غرف نوم واستراحة ومكتب».
وحول الأشخاص الأكثر تأثيراً في شخصية "شوقي" يقول: «تأثرت كثيراً في والدي الشاعر والمجاهد والخطيب، تأثرت كثيراً بشقيقتي الكبرى /هلال/ التي علمتني وبإتقان فن الرسم، فهي الأخرى تتلمذت على يد كبار الفنانين السوريين من أمثال الفنان "أدهم سليمان وممدوح قشلان"، أي إنسان ناجح يمكن أن يؤثر بشخصيتي، ويدفعني خطوة للأمام».
وعن مكانة النحت والنحات السوري عربياً وعالمياً يقول "سعد": «من خلال المشاركات العديدة التي حضرتها وفيها نحاتون عرب وأجانب اتضح لي أن النحاتين السوريين هم أفضل من نحت على الحجر أو الخشب، في الدول العربية طبعاً لا توجد مدرسة أو أسلوب أو تاريخ، إلا في "مصر والعراق وسورية" وبقية المجموعات العربية مازالت أو مازال الفنان فيها يفتش عن أسلوب استقاه من مدرسة تجريدية أوروبية أما الفنانون النحاتون في الغرب فهم أقل إمكانية فنية».
يذكر أن "شوقي" ولد وسط عائلة بسيطة في حوران عام 1949، وهو من أبناء المحافظة الذين قدموا الكثير للحركة الفنية، أعزب إلى اليوم ولا يفكر بالزواج لأسباب خاصة.