هو المؤسس الحقيقي لفن الحفر والطباعة أحد أحدث الفنون التشكيلية، تتلمذ على يد الفنان التشكيلي الراحل "محمود حماد"، عاش صراعاً طويلاً مع مرض عضال، كان السبب الرئيس فيه إصراره على تصنيع ألوانه بنفسه مع أنها تحوي على مواد مسرطنة كانت السبب الرئيسي في مرضه.
"مصطفى فتحي" أحد ألمع نجوم الفن التشكيلي في العالم فهو من نجح في "باريس" طوال الفترة الماضية، فعاش الغربة المرة ليرفع اسم بلده عاليا في عالم الاغتراب، لكنه عاد ليودع أرض الوطن بمعرضه الأخير الذي أقيم في غاليري "أيام" التي اقتنت حوالي مائة من أهم أعماله.
هي عبارة عن قطع قماشية قطنية يقوم بتشكيلها عبر رموز يبتكرها وينحتها على أختام خشبية، ويقوم أيضاً بصنع ألوان لوحاته وتثبيتها على القماش بواسطة المياه، يرتكز إبداعه على معرفة عميقة لعالمه المحيط من الريف وبساطته
eDaraaالتقى الفنان التشكيلي "محمود جوابرة" رئيس نقابة الفنانين بـ"درعا" وحدثنا عن علاقته بالراحل "مصطفى فتحي" فقال: «كان صديقي منذ الطفولة ولد عام 1942 وبدأ حياته كفنان يمتلك موهبة طفولية واضحة، فكان يختلي بنفسه دائما مع الطبيعة يذهب إلى السهول يجلس فيتأمل الصخور، وفي المرحلة الثانوية التقى بالأستاذ الكبير "محمود حماد" الذي أعجب كثيرا بموهبته فعمل على إدخاله كلية الفنون عام 1960، وتابع "فتحي" دراسته في الكلية وتخرج منها عام 1965 حاملاً شهادة في الحفر والغرافيك، فعملت الكلية على إيفاده إلى باريس لمتابعة دراسته لكونه الأول على دفعته، فأكمل دراسته في باريس وحصل على شهادات عليا في الحفر والغرافيك».
ويتابع : «عاش "مصطفى" حياته في باريس فتزوج من فنانة فرنسية وعاد إلى سورية فعمل أستاذاً في كلية الفنون الجميلة، ورئيسا لقسم الحفر، بقي في سورية حتى عام 1985، ثم عاد إلى فرنسا مرة أخرى وأقام هناك، وحقق العديد من الانجازات المتميزة في باريس ولاقى مقابل ذلك تكريما متميزا فحصل على منزل بالتقسيط كهدية من الدولة آنذاك. في عام 1995 عاد إلى سورية بعد أن شعر بأن مصادر العمل في باريس بدأت تنضب، كان دائما يكرر عبارة: "درعا" بنظري أجمل من باريس، لأن باريس بنظره مظلمة تشاهد فقط من وراء الغيوم وهو يحب الشمس والطبيعة الخلابة، عمل بعد ذلك على افتتاح مرسمه الخاص على مساحة كبيرة وهجر العالم كله، حتى ابنه وزوجته في باريس، وسكن هذا المرسم وعاد يرسم طبيعة "درعا"».
يقول "جوابرة" أجمل وأبرز المعارض والأحداث التي مر بها "فتحي" في حياته: «"إشارات وزخارف قماشية" هو أجمل المعارض التي أقامها "فتحي" فهو يمثل تحولاً أساسياً من الأداء التقليدي في الطباعة إلى اعتماد الأقمشة الشعبية وتقنية طباعاتها، وتنقل المعرض بين "دمشق" وصالة "نيل" في "باريس"، ومتحف الفنون الجميلة في "أنغوليم" ودار الثقافة في متحف "مولوز"، وفي "عمان". وكان متحف "مولوز" العالمي اقتنى من أعماله خمسة تصاميم قماشية.
أعماله مقتناة في العديد من المتاحف وصالات العرض العالمية، ومن أهم الإنجازات التي حققها أيضا 15000 عملاً للفن الشعبي الفلاحي في سورية كانت وثائق رسمية لدى وزارة الثقافة الفرنسية التي عملت على إصدار كتاب خاص يتضمن الحديث عن الفن الفلاحي السوري ، إضافة إلى العديد من المعارض العالمية والمشاركة المتميزة في معرض الفن العربي الذي تقيمه باريس للأشخاص المتميزين، كونه يكتسب خصوصية ».
وحول معرضه في غاليري "أيام" الأخير يقول "جوابرة": «هو عبارة عن "سوى" عربي قديم ومتهالك في شارع البدوي، وقد شكل غياب الفنان "مصطفى فتحي" عن معرضه عدة شكوك حول تولّي عائلته إقامة المعرض ودعوة الفنانين والنقاد والصحفيين السوريين إليه، إلى أن وصل الأمر إلى حدّ التشكيك بوجوده على قيد الحياة أصلاً».
و يستذكر "جوابرة" أطرف المواقف التي كان يتميز بخلقها بالقول: «سأله مرة أحد الصحفيين عن بيته فأجابه: «أنا ما لي بيت. اليوم هنا، وغداً في "دير الزور"، وبعدها في "باريس"، ضحكته غير المتحفظة، وملابسه التي توحي باسترخاء من يستقبل ضيوفه الأقرب، من غير تكلّف أو حرج، كانت توحي أيضاً بتلك الخفة والانسيابية، التي بدت غريبة على رجل يشارف السبعين من عمره».
الفنان التشكيلي العالمي "سعد شوقي" أحد أصدقاء "فتحي" تحدث عن طبيعة أعمال الراحل فقال: «هي عبارة عن قطع قماشية قطنية يقوم بتشكيلها عبر رموز يبتكرها وينحتها على أختام خشبية، ويقوم أيضاً بصنع ألوان لوحاته وتثبيتها على القماش بواسطة المياه، يرتكز إبداعه على معرفة عميقة لعالمه المحيط من الريف وبساطته».
الراحل "مصطفى فتحي" كانت تعجبه لوحات الرسام "حسن زيدية" فيقف أمامها مسحورا بها مع أنها شديدة البساطة، وقال في حياته: «في فرنسا اكتشفت بلدي سورية، اكتشفت أن في بلدي ثقافة عظيمة، لكن في الغرب لديهم التحليل الصحيح لها، أوروبا حللت هذه الأشياء وساعدتنا على تحليلها، كما حدث حين جاء "شامبليون"، العالم الفرنسي، فرأى حجر "رشيد"، وأخذه إلى باريس ودرسه، واستطاع أن يفك رموز الكتابة "الهيروغليفية"، نحن كسّرنا كثيراً من الآثار.
الأوروبيون ساعدونا في الحفاظ على تراثنا وأعمالنا، في "فرنسا" اكتشفت التجريد وفناني التجريد، فهمت التجريد أكثر، واقتربت من نماذج كثيرة. الأوروبيون أحبوا شغلي كثيراً وقدّروه، في مسابقة لفناني القماش في فرانكفورت جرى اختياري واحداً من خمسة عشر فناناً، يشتغلون على القماش، رجل يأتي من حوران فيختاروه واحداً من خمسة عشر فناناً في أوروبا يشتغلون على القماش، هذا يعني أن لدينا حضارة. نحن كعرب بلاد القماش. في المقابر التدمرية اكتشفوا قماشاً مطبوعاً، ما يعني أن هذا الفن معروف لدينا».
أما أهم المحطات في حياة الفنان الراحل فقد عمل على أن التجوال في البلدات والقرى، وبجهدٍ فردي خالصٍ، على دراجته الهوائية مع زوجته، ليبحث في فنون الفلاحين والفنون الشعبية، وبالطبع كان يعاني من سوء الفهم دائما وهذا لم يقف عائقاً في وجهه، لقد تلقى التقدير اللائق بتجربته، ولكن ليس على المستوى الرسمي، فأغلب أعماله اشتراها فنانون أو دارسون للفن.