«الكتاب رياض العلوم الأرحب، وحاضن تاريخ الأمم والشعوب والمرتع الخصب لأفكارهم وأحاسيسهم، وانطلاقاً من أهمية الكتاب حرصت وعلى مدى أربعين عاماً ونيف، على تكوين مخزون معرفي وثقافي في مختلف العلوم.
الأمر الذي أهلني للعمل في مختلف المناشط الثقافية من مدير لمدرسة الإعداد الحزبي لعقد من الزمن إلى مستشار ثقافي في السفارة "السورية" في "برلين" ثم موجه اختصاص للثقافة ومدير للثقافة في "درعا" لمدة أحد عشر عاماً وخلالها شاركت في تأليف بعض الكتب الثقافية، هي أعوام تفوق بالنسبة لي الأربعين عاماً اعتز بأنني عملت في هذا الوسط».
هذا ما ذكره السيد "محمد خير الزعبي" لفريق eDaraa الذي التقاه في منزله في 5/2/2009 حيث يقتني مكتبة تضم كتباً تبحث في مختلف العلوم والجوانب الثقافية وذلك للحديث عن أهمية الكتاب ومفهوم الثقافة وحاجتنا لها، وتابع الحديث في اللقاء التالي:
** أنا من مواليد "درعا" عام /1947/ مجاز في الفلسفة ومؤسس للعديد من المنظمات الشعبية في "درعا" منذ بداية الستينيات وأول أمين لفرع اتحاد شبيبة الثورة "بدرعا" عام/1968/ وقد حصلت على دبلوم العلوم السياسية من ألمانيا بعد إيفادي إليها وأنا الآن عضو في مجلس الشعب.
** أذكر أنني حين كنت في الابتدائية كنت أطالع دائماً ومن باب الفضول كل شيء يقع في يدي من كتاب أو صحيفة، ومن ثم في المرحلة الإعدادية وحيث كان يطلب منا الأساتذة قراءة الكتب وتلخيصها لتحضير مواضيع للتعبير ودعمها بشواهد مدرسية قرأت آنذاك كل كتب مدرسة التجهيز الابتدائية والمعروفة حالياً باسم ابتدائية "نيسان"، ومن ثم انصب اهتمامي في الثانوية وبشكل كبير على القصص والروايات، أذكر حتى ذاك التاريخ أن قراءتي كانت منتظمة.
في عام /1965/ اتجهت لطرق أبواب الثقافة حيث أصبحت عضواً في جمعية أصدقاء المركز الثقافي العربي، لم يفتني حضور محاضرة أو مسرحية إلا وكنت أتابعها الأمر الذي زاد من رصيدي الثقافي، ومع بداية الستينيات بدأت بغرس نواة لمكتبتي الحالية من خلال العمل على شراء كتب من مصروفي الشخصي حيث كنت وكما الجيل السابق آنذاك أتفاخر بنهل الثقافة والعلم واقتناء الكتاب.
وبالعودة إلى مكتباتنا نجد أن كل ما احتضنته كماً ونوعاً من أمهات الكتب والموسوعات هي من تأليف أجدادنا وخير دليل على ذلك مكتبة "نينوى" و"بابل" إذ كانوا يؤمنون بان بائع الكتاب خاسر وان كان بالذهب ونحن نذكر باعتزاز ما قاله "المتنبي": اعز مكان في الدنى سرج سابح/ وخير جليس في الأنام كتاب.
** من المثقف وما الثقافة؟
** المثقف إنسان واسع الاطلاع يحسن التعامل مع الآخرين ومع الحياة بمختلف مجالاتها وآفاقها الفكرية ومن الخطأ أن نقول أن المثقف فقط هو من يكتب ويقرأ وذو مستوى علمي وأدبي عالي فكل سلوك هو ثقافة والثقافة تحمل الجانب المعنوي والروحي للحضارة.
فإذا اعتبرنا أن للحضارة وجهان مادي ومعنوي فالثقافة هي الجانب الأرقى في الحياة، الثقافة هي عملية تذوق راقي والذوق جزء من علم الجمال وهي غذاء للفكر والروح ومنشط للدماغ وهي صقل وتهذيب لسلوك الإنسان باتجاه الأفضل وهي ليست مجرد علم المعرفة بل هي ثقافة أخلاقية وسلوكية واجتماعية. وأود القول إننا امة نقرأ فأول آية وردت في القرآن (اقرأ) إذا نحن أصحاب ثقافة وفكر غني.
** إلى اليوم لم تستطع أي وسيلة ان تلغي دور الكتاب كحاضن ورافد للعلم والثقافة وهذا لا يعني تهميش دورها بل على العكس لها دور فاعل، وعلى جيل اليوم الذي بات اغلبه فارغ الذهن أن يعرف كيف يتعامل معها ويأخذ ما يناسبه وألا ينظر نظرة تعجب لمن يطالع الكتاب فلولا الثقافة ما أكلنا خبزاً فهل يعلم هؤلاء أن الزراعة والثقافة مشتقان من كلمة الثقافة cultur فالمزارع عندما يحرث الأرض تزداد خصوبتها والثقافة من ثقف جعل الرمح حاداً.
** أقول وبلا شك إن البنية التحتية للثقافة موجودة في مراكزنا ومؤسساتنا الثقافية ومكتباتها الزاخرة والغنية بالكتب، واذكر أنني عندما كنت مديراً للثقافة في "درعا" (1997-2007) كنا نشتري خيرة الكتب بمبلغ لا يقل عن المليون ليرة سورية للمراكز المختلفة وحسب حاجة الجيل.
ونحن نشهد إلى الآن خلال شهري (11-4) إقبالا كبيرا من قبل الطلاب على مكتبات المراكز الثقافية إذ يجدون فيها المراجع الملائمة لأبحاثهم المختلفة أثناء إعداد حلقات البحوث، كانت هناك فعاليات أسبوعية ثقافية منظمة.
ودور المركز يجب ألا يقف عند حد إقامة المحاضرات والندوات ومختلف الفعاليات والأنشطة وتكثيفها من حيث العدد بل أن تكون ممنهجة وتأخذ بعين الاعتبار طموحات وحاجة الجمهور وان تكون هادفة ترتقي بهذا الجيل الذي أراه اليوم قد ضيع وفقد قيمنا ومفاهيمنا ومبادئنا لطالما كانت الثقافة احد أهم الوسائل وأكثرها فاعلية في نقلها وحفظها.