انطلقت صرخته الأولى في الحياة على وقع الموسيقا الفلكلورية الحورانية، ليخوض معها تجربة عشقية مكثّفة أنتجت لنا هدوءاً موسيقياً ووقاراً تراثياً استطاع أن يحيطه بظروف صحيّة من خلال عمليات البحث والاستقصاء عن أصول الكلام واللحن في محيطه.
فأضاف "أحمد زطيمة" نفسه على تداعيات الوزن والمقام، وعلى إشكاليات الكلمة والتطويع، مدفوعاً بقصة كانت لا تزال حاضرة في ذاكرته يستحضر من خلالها أهازيج وألحان تدخله إلى طقسية تراثية بنكهة "حوران": «ولدت في السهل أيام موسم الحصيدة، ونشأت في جو الغناء الخاص بأعمال الحراثة في الأرض وعشت تفاصيل الدراس والبذار حيث بدأت أميل للموسيقا الشعبية الحورانية بالتزامن مع استماعي لأغاني "عبد الحليم" و"أم كلثوم"».
إن كل ما أدخل على النغم الحوراني جميل وعميق، فلا ضير من عملية الإضافة على مستوى الجملة الموسيقيّة، مع الحفاظ على اللحن الأساسي والكلمات الأصلية للأغنية
فعاش "زطيمه" صراعاً نفسيّاً بين جو أغاني الحصاد الشعبية التي تمتاز بالبساطة والعفوية وأغاني "عبد الحليم" المتطوّرة موسيقيّاً، لتبدأ لديه مرحلة البحث محاولاً الإلمام بكافة الملامح الموسيقية التي يسمعها حيث تابع: «دفعني حب الأغنية الحورانية الشعبية للبحث في أصولها، فهي تمتاز بمدلول كلماتها ومفرداتها التي تكون صحيحة لغويّاً وهذا يعبّر عن هوية الأغنية التراثية الحورانية التي تكون في معظمها اجتهادية».
كما يرى "زطيمه" أن الألحان الحورانية تمتلك مجموعة كبيرة من النغمات التي تميّزها عن ألحان الجوار القريبة وحتى البعيدة: «إن كل ما أدخل على النغم الحوراني جميل وعميق، فلا ضير من عملية الإضافة على مستوى الجملة الموسيقيّة، مع الحفاظ على اللحن الأساسي والكلمات الأصلية للأغنية».
إن البحث في أصول الأغنية الحورانية يتطلب جهداً كبيراً وإلماماً واسعاً بكل معطيات هذه المنطقة جغرافياً من ناحية اتساعها وترابطها مع المناطق المحيطة، وتاريخياً من ناحية تواجد حضارات قديمة مسكونة في "حوران" فيتابع "زطيمة" حديثه: «إن مرحلة البحث تتطلب التوثيق، لذلك قمت باقتناء كل ما يتعلق بموسيقا المنطقة ومحيطها القريب وحتى البعيد وأرشفته، حتى يتسنى لي سماعه ودراسته وتحليل مضمونه على المستوى اللغوي والموسيقي، لأتمكن من الولوج في أبعاده وأحاسيسه».
حاول "زطيمه" إدخال البعد الموسيقي للأغنية الفلكلورية من خلال تدوين (تنويط) بعضها، ليصل إلى مرحلة تطويرها وتطويعها موسيقياً، مدركاً أهمية عامل الانتشار وإعادة الإحياء في حفظ وتوثيق الفلكلور ولاسيما في ذائقة الأجيال القادمة: «حاولت إضافة بعض الألحان المساعدة، وذلك بالتزامن مع دراسة وتأمل لأصول هذه الأغنية، فآخذ جملة الفلكلور كما هي لأعود بعدها إلى لحنها الأصلي بغية إيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة».
وكان للفنان "زطيمه" مشاركاته الكثيرة في نشاطات المركز الثقافي في "درعا"، كما كان رئيساً للفرقة الموسيقية والمغنّي الأساسي في مهرجان "بصرى" لسبع دورات، كتب ولحن العديد من الأغاني محاولاً توريثها لأولاده من بعده، فالتوثيق من وجهة نظره ضرورة لابد منها لحماية هذا الفلكلور.