«الأديب الذي لا يمتلك أدوات حقيقية فاعلة في الأدب، لا يستطيع أن ينتج نصاً أدبياً حقيقياً، ناهيك عن تفاعل هذا أديب مع الذات والآخر، واكتشاف الأبعاد الحقيقية للأعمـاق الإنسـانية فالأدب بلا أدوات كالصياد الذي يطرد صيده بيديه، فقد يعود خائباً من رحلته غير ممسك بريشة عصفور والشعر في الحقيقة بعدٌ إنساني حمل النفس الإنسانية مبدعة ًومتلقية إلى آفاق الخيال، عندمـا كانت الذاكرة هي الرصيد المتبقي للإنسان في حمل تفاعلات الزمـان».
بهذه الكلمات عبّر لنا الأديب والناقد والشاعر "حسين الهنداوي" مدى أهمية امتلاك الأديب أدوات حقيقية فاعلة في الأدب والتي تقوده إلى الإبداع بالنص الأدبي والشعر ورصيده عند الإنسان حين التقاه موقع eDaraa بتاريخ 7/1/2009.
** لا شك أن الشاعر يعمهُ الفرح حين يرى إنتاجه يقرأ على صفحات المجلات والكتب، ولكن اللافت للانتباه أن الكثير من مجلاتنا العربية تنشر الكثير من القصائد بغثها وسمينها دون أن يكون لدى محرري الصفحات الأدبية حد أدنى من المعرفة بمقاييس الشعر المقبول لدى الجمهور أو أنهم يمرون على هذه القصائد مرور الكرام، وكأنهم يريدون أن يملؤوا صفحات المجلات بكلام أي كلام، لا أريد أن أشكك بأحد بقدر ما أريد أن أرفع رسالة مفتوحة إلى محرري الصحف الأدبية أدعوهم فيها لأن يرفعوا الحيف عن الشعر العربي، ولا يظلموا هذا الشاعر بتغريرهم له من خلال نشر ما لا يستحق النشر.
*برأيك من يحمي القصيدة من طوفان شعر غير الآبهين بحدود الشعر؟
**إن طريق القصيدة العربية الحديثة ليس مفروشاً بالورد، وليس مسدوداً ولكن الواقع الثقافي المعاش وتداخل الثقافات وانتشار المعرفة وتوسع دائرة الأدب جعل الكثيرين يحاولون أن يلقوا بوجدانهم على شكل قصائد غير آبهين بحدود الشعر، ذلك أن للشعر طبيعة متميزة عن الكثير من الفنون الأخرى وقد ساعد انتشار الصحافة ودعوى الحداثة والحداثية وأزمة الغرور لدى الكثير من أصحاب التجريب إلى استباحة القصيدة على الشكل الذي يريدون وكأنهم في زحمة هذا العصر المتغير، في كل لحظة يريدون أن يكونوا السباقين إلى طرح جديد وشكل جديد.
*نعود للنقد اليوم بين الأدباء والنقاد صراعات فما موقف النقد من الأدب؟
** النقد بمفهومه الدقيق والصحيح هو كشف وتحليل للأبعاد الإنسانية التي يحياها الفرد والمجتـمع نفساً واقعة من خلال النصوص المقروءة ولا يمكن لأي نص مهما علت مكانته أن يخـتم بجــواز مرور النقد فالنقد هو الذي يفـتق روائع النص ويفتح له الأشرعة ليطير إلى عالم كوني ترتسم من خلاله أبعاد إنسانية ضمن آفاق فنية، وإذا كان هناك من الأدباء من يفترض حساسـية بين النقـد والأدب فذلك إنما يكون بسبب هشاشة تكمن في النص الأدبـي "أي عند صاحبه"، هـذا إذا كان الأدب المطروح أدباً حقيقياً يمتلك عناصر البقاء الفنية والإنسانية، والنقد بعدٌ إنساني وبعـد فني توحـدا فشكلا لنا لوحة فنية جديدة، إن التكاملية بين الأديـب والناقـد إذا كانا مـتوازيين في البحث عن الحقيقة النقدية والحقيقة الأدبية هي التي تجعل العلاقة جدلية بين الفنين.
** لا يمكن لأي نص أدبي أن يرتسم بمعالم الخلود والبقاء على مر الزمان، إلا إذا كان يلامس جذور الواقع الحقيقي للمعطيات الإنسانية المتكررة على مر العصور، فالإنسان كما يقول "إليوت" ليس ولادة وزواجاً وموتاً، إنه لوحة ترسم آفاقها على واقع الحياة والنص الأدبي الحقيقي بدوره ينمنم هـذه الصورة ويخرجها إلى الوجود صعقة إنسانية، وأي صاحب نص إذا أراد لنصه البقاء والخلود فعليه أن يرصد القضايا الكونية والنفسية الممتدة في أعماق الإنسان، والتي تقض مضجعه لأنها الآفــاق الحقيقية للبعد الوجودي للإنسان.
*الشعر الفن المدلل الذي ربا عمره على سنوات طوال؟ هل يمكن إقصاؤه عن مكانته الريادية في الأدب؟
** الشعر في الحقيقة بعدٌ إنساني حمل النفس الإنسانية مبدعة ومتلقية إلى آفاق الخيال عندمـا كانت الذاكرة هي الرصيد المتبقي للإنسان في حمل تفاعلات الزمـان، ورسـمها عـلى خريطـة الموقـع الإنسـانـي ولكن مواقع الأدب في هذا الزمان الذي فتـح نوافـذ عـدة على الحياة جعـل الرواية والقصة القصيرة والمقالة والمسرح تزاحم الشعر على مكانته، وتحاول إقصاءه عن مكانة الريادة وتجد سبلاً جديدة إلى النفوس الإنسانية التي بدأت تستجيب بسبب طبيعة الحيـاة إلى تزاحـمات الصراعات الإنسانية التي قد تجعل الرواية الفن الأكثر اختلاساً لخبايا النفوس لما تحمله الرواية مـن توهجات إنسانية تسبر مغاور النفس وتستخرج خبايا ما يختبئ من تفكير في لاوعي وشعور الإنسان.
*هل تكونت لدى العرب نظرية في الشعر والنقد على مر العصور ومن برأيك من النقاد يستحـق رفع القبعة له؟
** للشعر العربي على خريطة الألفي عام السابقتين نظرية أسس لها الكثير من الشعراء، وأســهم في برمجة صياغتها النقاد العرب وكانت نظرية الشعر العربي ابتداءً من "ابن سلام" وانتهـاء ً بـ"الآمدي" ومروراً بابن "طباطبا"، وهؤلاء استطاعوا أن يؤسسوا نظرية شعرية عربية تجعل النص الـشـعري بعداً إنسانياً – فنياً يستطيع الثبات لمدة طويلة، ولكن اختلاطـات الترجمـات الحديـثـة وما استورده المتنورون ممن خرجوا إلى البلاد الأوروبية من نظريات حديثة أفرزتها طبيعة تفكير اجتماعي نتج عن واقع يختلف مع الواقع العربي في بعض جوانبه ويلامسه في البعض الآخر حولت الـشعر من نظرية ثابتة إلى تجارب جديدة يحاول منها المتمرسون والمبتدئون بالسوية نفـسـها في إبداع نصوص تجريبية قد تصمد وقد لا تصمد والغالب أنها لن تصمد على مرالعصور فهي زوبعـة في فنجان.
** لا شك أن الواقع النقدي والأدبي يحتاج إلى إعادة فرز جديدة لاكتشاف الأدباء الفعالين من وجهة النظر الفنية ومن وجهة النظر الرؤيوية وإلى إعادة فرز جديدة لاكتشاف نصوص جديدة مبدعـة، تكون منارات مضيئة في واقع الأمة وهذه مهمة صعبة تحتاج إلى نقاد كبار معبئين بثقافة موسوعية يقرؤون الأدب والنقد ويعيدون إنتاج نقد حقيقي غير محابٍ ولا مجامـل يسهم في وضع النقـاط على الحروف.
والجدير بالذكر بأن الأديب "حسين الهنداوي" مواليد مدينة "درعا" عام /1955/ تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدينة "درعا"، انتقل إلى جامعة "دمشق" كلية الآداب (قسم اللغة العربية) وتخرج فيها عام /1983/، حائز على إجازة في اللغة العربية، عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين قسم اللغة العربية في مدينة "درعا"، ويعمل حالياً مدرساً في جامعة "دمشق" فرع "درعا" قسم معلم صف.
صدر له حتى الآن العديد من المؤلفات الشعرية منها: "هنا كان صوتي" و"عيناك يلتقيان"، "هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير"، "أغنيات على أطلال الزمن المقهور"، "سأغسل روحي بنفط الخليج"، "المنشّى يسلم مفاتيح ايلياء"، "هذه الشام لا تقولي كفانا"، وغيرها أكثر من (15) كتاباً يتنوع بين القصة القصيرة والمسرح والنقد الأدبي.