شغله الأدب وبحور الشعر عقوداً من الزمن، حتى أصبحا جزءاً من شخصيته، فكل من يحتك به أو يقرأ له يلتمس عبقرية "المتنبي" وثورة "نزار" وصولاً إلى حنين "درويش"، كل تلك السمات تجسدت في الشاعر "محمد عياش".
الشاعر "هاجم عيازرة" يقول: «"محمد عيّاش" شاعر متمكن في اللغة والعروض، ويمتلك كمّاً هائلاً من الثقافة والمعرفة، والدليل على ذلك أنه امتلك ناصية الشعر العمودي، وكذلك ناصية شعر التفعيلة وأبدع في كليهما، وأنا أعتبر أن لديه موهبة ظهرت مبكرة، وترافقت مع تجربة اجتماعية زاخرة انعكست جليّاً في كتاباته، كما أنه متابع للحركة الشعرية في "حوران وسورية والوطن العربي"».
ذلك لأنه ينتقي الألفاظ والجمل والصور الشعرية بدقة متناهية، فتجد شعره جميلا وغير منفلت وله زواياه الخاصة الأقرب إلى الواقع منه إلى الخيال، أي إنه عقلاني أكثر منه عاطفي، وخاصة في شعره العمودي
ويتابع الشاعر "عيازرة": «إن "عيّاش" يمتلك ميّزة مهمّة وهي سرعة التأثر بما يحدث وإسقاط ذلك شعراً جميلاً ومعبراً، وهو بذلك ينتمي إلى مدرسة أدبية أصيلة، وإن أفضل كتاباته برأيي هو ما جاء في ديوانه الأخير "سندباد في بحر الهوى" حيث جاء متميزاً عما سبقه من ناحية انتقاء الصور الشعرية الجديدة بما تحويه من صدق مشاعر، وشاعرية مرهفة».
يمتاز شعر "محمد عيّاش" بأنه شعر هندسي، هذا ما يؤكده الشاعر "عبد الكريم الحمصي" ويضيف: «ذلك لأنه ينتقي الألفاظ والجمل والصور الشعرية بدقة متناهية، فتجد شعره جميلا وغير منفلت وله زواياه الخاصة الأقرب إلى الواقع منه إلى الخيال، أي إنه عقلاني أكثر منه عاطفي، وخاصة في شعره العمودي».
ويتابع الشاعر "الحمصي": «لقد خدم "عيّاش" الشعر والشعراء في "حوران"، فحسب معرفتي أنه فضل التفرغ للأدب والشعر خصوصاً على حساب أية مهنة أخرى قد تكون أكثر جدوى من الناحية المادية، وهو شاعر مثابر لم ينقطع عن الكتابة، كما أنّه صديق للكثير من الشعراء، ونشط في حضور المناسبات والأمسيات الشعرية».
للاقتراب أكثر من شخصية الشاعر "محمد عيّاش" التقاه موقع "eDaraa" بتاريخ "13/2/2011" حيث قال: «بدأت تستهويني كتابة الشعر منذ فترة الشباب الأولى، حيث كنت أجتمع مع رفاقي في مكان ما، ثمّ نبدأ بقراءة الشعر الذي كنا نكتبه لبعضنا بعضاً، حيث تجري مبارزات جميلة في ذلك، كما كان يرافق ذلك توجيه انتقادات معينة وتصحيح لبعض الأخطاء، وأذكر أن أول قصيدة شعرية مكتملة العناصر كتبتها كانت في سنة /1963/ واسمها "لا ترض الوعود" وهي تتكلم عن "فلسطين"».
ويضيف الشاعر "محمد": «أنا الآن أكتب الشعر الموزون بنوعيه "العمودي والتفعيلة" وقليل من الشعر "النّبطي"، وأتناول في شعري ألوان متعددة يغلب عليها الجانب الوطني والقومي وأيضاً الغزلي- الذي كانت بداياتي به- وكذلك الشعر الإنساني والاجتماعي بكل أنواعه.
كما أني أفخر بأني أقرأ كثيراً وأكتب قليلاً، فمتوسط قراءتي حوالي أربع ساعات يومياً، وكثيراً ما قرأت كتاب كامل بجلسة واحدة، وأفضل أوقات القراءة عندي هي في النصف الأخير من الليل، وأكثر قراءتي هي أدبية وسياسية، ثمّ إنسانية.
كما أركز كثيراً على ما كتبه الشعراء القدامى والحديثين، وأطلع أيضاً على أعمال الشعراء العالميين من أمثال الأمريكي "وايت مان" والفرنسي "فاليري"، ويمكنني القول إن القراءة تشكل محفزا دائما لي للكتابة، وكثيراً ما جاءني إلهام كتابة الشعر إثر قراءةٍ ما، فباشرت بذلك فورا، وأنا كشاعر أفرح كثيراً وأرتاح في نفسي عندما تأتي الحالة الإبداعية لكتابة قصيدة ما».
ويضيف الشاعر "عيّاش": «يمكن القول إنّي تأثرت كثيراً بالعديد من الشعراء، من أمثال "امرؤ القيس، الشنفرى، المتنبي" وكذلك الحديثين منهم، مثل "نزار قباني، محمود درويش"، لكنّي أحرص دوماً أن يكون لي أسلوبي الخاص الذي أتميز به، حتى لا أكون مقلداً أو لابساً ثوب غيري، لأن الشعر لابد أن يكون لصاحبه، لكي تتميز شخصيته الشعرية، وأنا أحاول أن أكون كذلك».
وعن طريقته في الكتابة، يقول الشاعر "عيّاش": «تأتي القصيدة عندي مثل حالة الولادة الطبيعية التي لا تحتاج إلى تصنع أو تكلف، لكن لابدّ من وجود دافع للكتابة، غالباً ما يكون حدثاً ما – كثورة مصر الأخيرة – إذ تنبثق على أثره قريحتي الشعرية، لتشكيل قصيدة مكتملة العناصر، فالدافع عندي هو مفتاح القصيدة، وهو أصعب شيء فيها.
وأنا أجسد أحياناً دور البطولة في شعري، لذلك أستخدم هنا ضمير المتكلّم، لكن غالباً ما أتحدث بصيغة الآخر، فأسهب في استخدام ضمير الغائب».
يكتب للجميع وليس للنخبة فقط، هذا ما يؤكده الشاعر ويضيف بالقول: «عند كتابتي للقصيدة أحاول أن أرضي القراء بمختلف أطيافهم، كما أحرص أن تكون هذه القصيدة متفاعلة مع الحدث الذي تكتب له، وأهتم أيضاً بالسوية الفنية العالية لشعري، حتى أضمن التميّز، وأنا أترك للقراء والزمن مهمة الحكم على أفكاري التي أحاول إسقاطها شعراً، فأنا لا أستطيع أن أفرض صوابية ذلك على أحد».
وعن المؤثرات في نفس الشاعر "عيّاش" يقول: «لكل من حالات الفرح والحزن وقع مؤثر على نفسي، وحالات الحزن أكثر لأنها تشمل الحوادث الشخصية، والمعاناة وهموم المجتمع والآخرين من بني جنسي، والهم الوطني والقومي، بينما الفرح يقتصر غالباً على حالات أقل، كالزواج والنجاح وما شابه».
ويضيف "عياش": «يمكنني القول إن شخصيتي الشعرية تأثرت كثيراً بالمرأة والوطن، فالمرأة بكل ما تحتويه من معانٍ جميلة، وسكن للروح والنفس، وتكوين البيت الذي هو غاية الإنسانية، شكلت مفصلاً هاماً في حياتي، فأنا أحب المرأة وأكتب فيها لأنها نواة المجتمع، وكذلك الوطن بما فيه من مسرات وأحزان يبقى وطني، واهتمامي به يأتي من خلال التفاعل الداخلي بين جميع فئاته، وأولها الطبقة الفقيرة التي تتكون منها حالات الأدب عموماً وحالات الشعر خصوصاً.
كما أعتبر نفسي ابن بيئتي "حوران"، حيث أثرت هذه الأخيرة بشكل واضح في شعري، وكثيراً ما أحاول أن أعكس تجاربي الشخصية من خلاله».
وعن كيفية التواصل مع قرائه، يقول الشاعر "عيّاش": «أحرص دوماً على علاقة وتواصل دائم مع القراء، من خلال عدة أمور، فأنا أحاول أن أقدم كل ما هو جديد عندي لمن أعرف من قرائي المهتمين، كما أتواصل معهم كثيراً عن طريق الانترنت من خلال المنتديات الأدبية وتبادل الإيميلات، وأنا مشارك نشط في المهرجانات والأمسيات الأدبية التي تقام في درعا والمحافظات الأخرى، كما أني أنشر كتاباتي في عدّة دوريات مثل "الأسبوع الأدبي والموقف الأدبي" وكذلك الصحف الرسمية في "سورية"».
أمّا عن الحراك الثقافي في المحافظة، فيقول الشاعر "عياش": «استطاعت "درعا" أن تشق طريقها الأدبي المميز، وخاصةً بعد افتتاح فرع "اتحاد الكتاب العرب" فيها عام /1990/، حيث هرب قبل ذلك الكثير من أقلام "حوران" المبدعة إلى "دمشق"، لقربها الجغرافي ولاتساع الأفق الثقافي والتواصلي هناك، بينما نجد اليوم أن "درعا" أصبحت تتمتع بشبه استقلالية أدبية تميزها من غيرها».
أخيراً نذكر أن الشاعر "محمد عياش" من مواليد "درعا" عام /1947/، وانتسب إلى "اتحاد الكتاب العرب" عام /1994/، وله ثمانية دواوين شعرية مطبوعة هي "وتريات فوق الرمال، بين أمواج العذاب، قطار الأحلام، شراع وعاصفة، رحلة إلى شواطئ الجسد، تغريبة العمر، سفينة لا تحمل السلام، سندباد في بحر الهوى".
له أيضاً عشرة مخطوطات في طريقها إلى الطباعة، إضافة إلى دراسات متفرقة عن الشعراء والأدباء في "سورية والوطن العربي".