كتاباته تلامس أحاسيس الناس من خلال النصوص المبدعة التي يخطها على ضفاف "وادي اليرموك" في قريته الحدودية "معرية" المحاذية للحدود الأردنية و"الجولان" السوري المحتل.
أعطى القضية الفلسطينية حقها في نتاجاته الأدبية، يبحث عمن يرعى النصوص التي لا تزال مكدسة بدروج مكتبته الخشبية، التي أثقلتها أوراق القصص والروايات والنصوص المسرحية.
الروائي "محمد الحفري" أحد الروائيين الشباب الذين تواجدوا في الفعاليات الشبيبية المركزية بقوة وبحضور سنوي متواصل، حقق نتائج مهمة للمحافظة في مجال الأدب والثقافة في هذه المسابقات، وكان دائماً ينال المراكز الأولى، اليوم نعتبره مثالاً للأدباء الشباب يحتذى به ويعتبر قدوة ومرجعاً مهماً لهم
"محمد الحفري" الروائي الذي ركز في كتاباته على بيئته المحلية، واستطاع رفع اسم بلده مرات عديدة بجوائز عديدة حصل عليها. يستمر بالكتابة لأنها برأيه فعل ضد النسيان، وقبل أن ينسى ويضيع منه المخزون الهائل من الذكريات والمرارات والخيبات والهزائم.
موقع eDaraa التقى الأديب "محمد الحفري" بتاريخ 11/1/2012 في حوار يحمل في طياته بعداً إنسانياً لأديب رفع اسم البلد في مسابقات الشعر العربية، ليربط بكتاباته بين الواقع والمعاناة والتجربة الأدبية الغنية.
** أركز دائماً على بيئتي المحلية أي محافظتي "درعا والقنيطرة"، فأنا ابن قرية صغيرة يحيط بها وادي الرقاد، ومن خلفه "الجولان" شمالاً وغرباً ويحاذيها "اليرموك"، ومن خلفه الأراضي الأردنية من الجنوب، وأعمالي في النهاية وبشكل عام هي ابنة البيئة السورية.
* هل تحدثنا عن بداياتك؟
** لو يتاح لي المجال لتحدثت كثيراً عنها، ربما تتشابه عليّ البدايات فأحتار من أين أبدأ، من غرفة طينية مسقوفة بالقصب كانت تنحشر فيها عائلتنا على أطراف قرية نائية مسكونة بالرعب والخوف، أم من طريق طويل كنا نسلكه على الأقدام ذهاباً وإياباً لإتمام المرحلة الإعدادية والثانوية، لا أعرف هل أبدأ من صوت طائرات الميراج الإسرائيلية السوداء التي كانت تحلق فوقنا وترعبنا في طفولتنا المبكرة، أم من تلك الدبابات التي اصطفت على شفير الوادي لتهدم بيوت قريتنا القديمة، من صور الشهداء والمبتورين والمكفوفين بسبب المتفجرات والقذائف.
أحياناً أخال نفسي ولداً صغيراً يتشبث بثوب أمه المتجعد والمتسخ بشقاء السنين وتعبها، وهي تحمل أختي الصغرى وتركض مهرولة نحو المغارة، هل أبدأ من المغارة من وجوه الناس الذين يجلسون في داخلها منتظرين انتهاء القصف ليعودوا إلى أعمالهم أو كي يواروا موتاهم، وكي يبقوا فوق هذه الأرض وكأنهم أوتاد مزروعة فيها لا تغادرها إلا إلى الموت. قد أبدأ من نايات الرعيان وهم يسيرون خلف قطعانهم ومن عتابا الفلاحين وهم يصدحون بها أمام زروعهم، من القراءة النهمة التي لا أتوقف عنها حتى يغلبني التعب والنعاس، من وجه شقيقي الشهيد أبدأ، ومن وجه شقيقي الآخر الذي تبعه بعد عام غرقاً في غدران وادي الرقاد.
أبدأ من عيون ثالثهم الذي كان كفيفاً نتيجة المتفجرات أبصر أنا النور، ومن موته الذي كان نتيجة السرطان قبل شهور، سأواجه الموت بالحياة وسأواصل تربيتي لأطفاله الذين تركهم أمانة في رقبتي، هذه ذكريات بسيطة مما هو في داخلي نثرتها في رواياتي السابقة، خاصة في "البوح الأخير" الرواية التي فازت بالمركز الثالث لجائزة "الطيب صالح" العالمية للإبداع الكتابي.
** هذا البوح سيستمر كما قلت في السودان، وأقول الآن بأن هذه الجوائز ستكون حافزاً كي لا أتوقف وأسير نحو الأمام، سأكتب الكثير عن حب وحلم ووطن وعطر، سأكتب لأن الكتابة فعل ضد النسيان، وقبل أن أنسى وأن يضيع مني هذا المخزون الهائل من الذكريات والمرارات والخيبات والهزائم.
** القراءة والكتابة جعلتني أكتشف عوالم جديدة وعميقة ملأى بالكنوز والأسرار، ولذلك هناك شيء في داخلي يتقد يدفعني لكي أنجز عشرات المشاريع دون توقف، وعلى رأي كاتبنا الكبير "ممدوح عدوان"، الحياة مزدحمة وأنا على عجلة من أمري أريد أن أكمل صرختي.
** مشواري مع الجوائز بدأ عام 2003 عندما حصلت على المركز الأول للنص المسرحي في مسابقة شباب سورية، وفي العام التالي حصلت على المركز الأول في مجال المقالة لنفس المسابقة، وفي العام 2006 حصلت على المركز الثالث في مجال النص المسرحي لمسابقة المزرعة للإبداع الأدبي والفني، وفي العام 2007 حصلت على المركز الثاني للرواية العربية في الشارقة، وفي العام 2010حصلت على المركز الثاني في مجال الرواية لمسابقة المزرعة "دورة الشاعر يوسف الخطيب"، وعلى المركز الثالث في مسابقة "بصرى الشام" للقصة، وفي هذا العام حصلت على المركز الثالث في مجال الرواية لجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي.
** كيف رفضني اتحاد الكتاب لا أعرف، قلت سابقاً بأنهم قالوا لي في المرة الأولى هذه طباعة "ريزو" وهي غير مقبولة لدينا، فذهبت وطبعت بشروطهم الفنية فقالوا لي حينها إنني دون المستوى المطلوب. ما أعرفه أنني رفعت رأس سورية خارج القطر مرتين في الشارقة والخرطوم، هل هو مجرد مزاج؟
** أؤكد قبل كل شيء أنني لا أطمع بأي كرسي سوى هذا الكرسي الذي أجلس عليه قبالة جهاز الحاسوب كي أكتب عليه ما يدور في خلدي، وإن سعادتي الحقيقية هي عندما أقف أمام فرقتي المسرحية، وإذا كانت المسألة واسطة، وهي بحاجة معرفة وعلاقات شخصية فأنا لن أتعامل بهذا لأنني أعرف نفسي ومؤمن بما أفعله من جهة، ولأنني واثق بأن الله سبحانه وتعالى لن ينساني وأنا مجرد ذرة أو قشة في ملكوته الخالد من جهة أخرى، وفي نهاية الأمر لن يصح إلا الصحيح وسيأتي يوم يفرز فيه المتسلقون على منابر الثقافة والأدب من الأدباء وأهل الثقافة الحقيقية، وسيحكم الناس الذين يتذوقون الثقافة والأدب بيننا، وما أطمح إليه حقيقة هو إنتاج نص جميل ومختلف ومميز عن غيري، وها أنا أفوز بجائزة الطيب صالح العالمية، وهي ربما تبشر بما أصبو إليه.
** أبالغ وأكذب لو قلت لك بأن الحالة الثقافية في محافظتي جيدة، وهذا ينطبق على حالة محافظات أخرى، وهذا أيضاً أعرفه من بعض الأصدقاء هناك، لا أريد أن أعمم لكن الحالة ليست كما يجب أن تكون عليه، هذا جزء من الفساد الذي يجب أن نشير إليه.
** برأيي أن الأنانية والحسد هي أهم الأسباب لدى بعضهم خاصة من يشرف منهم على بعض الصفحات الثقافية، فهو يعتقد أن الشاب الجديد سينافسه أو ربما سيطفئ نجمه، وسأذكر هنا أحدهم الذي قال لي عندما عدت من تسلم الجائزة الأخيرة "أنت محظوظ في الجوائز"، وذلك بدلاً من أن يشجعني ويقول أنت كاتب جيد وتستحق.
أما كيف ننهض فأنني أعتقد أننا بحاجة ماسة لتطوير مؤسساتنا بجعل دماء جديدة تتدفق فيها، بحاجة لمشاريع ثقافية لا يستثمرها القائمون على الأمر لمصالحهم، هذه المشاريع تتبنى الكتاب وأعمالهم وتنهض من هذا الركود الذي نحن فيه، مشاريع تتبناها وزارة الثقافة والإعلام مع اتحاد الكتاب، وقد تكون هذه المشاريع بالتعاون مع القطاع الخاص كما فعلت الشركة الراعية لجائزة "الطيب صالح" العالمية، أحد مسؤولي الاتحاد قال لي كل السوريين يحصلون على جوائز، عندها قلت كلهم يحتاجون إلى تكريم.
** نعم أراه قد قصر كثيراً بحق المثقف، ويبدو أن الإعلام نسي أن المثقف والمبدع الحقيقي هو نقطة ارتكاز كبيرة لوطنه، هو لحظة التوازن عندما تشتعل النار لأن شأنه شأن أي وطني وأي عاشق مخلص لحبيبته، وهو الذي لا يساوم على مبادئه وما يؤمن به حتى لو مات دون ذلك، عندما تصدر رواية أو مجموعة قصصية في مصر مثلاً يكتب عنها عشرات المقالات، وعندنا لا يكاد يكتب عنها خبر أو مقالة على عجل، وعن طريق الصحافة أظهروا في بلدان أخرى كتابهم وسلطوا عليهم الضوء.
** منذ أرسلت مادتي شعرت بأنني سأحصل على مركز في هذه الجائزة، وهذا ليس غروراً كما قلت سابقاً، لكنني أشعر بأنني مميز ومختلف وهذا من حقي، لست على المقاس ولن أكون، لن أكتب نصاً على المقاس يرضي بعض الذين يعتقدون بأنهم وصلوا الكمال وبأن أعمالهم هي قدوة يجب أن يحتذى بها.
** هواجسي كثيرة جداً، وإلى أين أمضي سؤال كان يصرع رأسي وأنا أصعد الطائرة المغادرة من "دمشق" لم أهدأ حتى وصلتني رسالة من الحبيبة تقول فيها إلى قمم الجبال أيها النسر، هل أنا كذلك وهل أستطيع الوصول إلى القمم سؤال متعب يلح علي ويحثني كي أواصل العمل ليل نهار، سأحاول كلمة جميلة أرددها دائماً.
** أنا أعترف دائماً بأنني أبحث عن الجوائز ومن يعترض فليبحث لنا عن حل كما أردد دائماً.
** لا أعتقد أنه يريد أكثر من أن يعيش ميسور الحال، المبدع ربما يحتاج القليل من المال، لكنه بالمقابل يحتاج الكثير الكثير من الحب والعطف والاهتمام.
* هل من كلمة أخيرة؟
** ليس عندي إلا كلمة محبة ودعوة كي نمزق الدفاتر العتيقة وننساها، لنفتح نوافذنا للريح، لنفتح مزيداً من الأبواب كي يدخل منها كل المحبين والعشاق فقط، ولنغلقها جيداً في وجه الريح العاتية، والغرباء كي لا يجعلوا منا نموذجاً من ديمقراطيتهم في العراق وأفغانستان والصومال، لنجعل صدورنا أكثر سعة ورحابة ففي المكان متسع للجميع، والإبداع والفن عموماً لا يمكن أن يكون حكراً على أحد.
الكاتب والروائي "محمد طلب" تحدث عن الروائي "محمد الحفري" بالقول : «الروائي "محمد" من أبرز الأدباء في المحافظة، شق طريقه الأدبي بصعوبة ودخل إلى القلوب من خلال كتاباته التي استمدها من البيئة الحورانية والواقع الذي نعيشه، أثبت نفسه محلياً لكنه سرعان ما شق طريقه إلى المسابقات العربية، حيث نال العديد من الجوائز المهمة، والتي شهدت مشاركة أدباء مهمين من الدول العربية والإقليمية، وهذا نجاح لم يسبقه له أحد في المحافظة، ما زال في بداياته والمشوار طويل أمامه، وأتوقع أن يكون من أهم رواد الحركة الروائية في القطر».
السيد "محمد غزاوي" عضو قيادة فرع شبيبة الثورة في "درعا" رئيس مكتب الثقافة قال عن الأديب "محمد": «الروائي "محمد الحفري" أحد الروائيين الشباب الذين تواجدوا في الفعاليات الشبيبية المركزية بقوة وبحضور سنوي متواصل، حقق نتائج مهمة للمحافظة في مجال الأدب والثقافة في هذه المسابقات، وكان دائماً ينال المراكز الأولى، اليوم نعتبره مثالاً للأدباء الشباب يحتذى به ويعتبر قدوة ومرجعاً مهماً لهم».
بقي أن نذكر أن الأديب "محمد الحفري" من مواليد "درعا" قرية "معرية" 1968م، مخرج مسرحي وروائي يعمل في دائرة المسرح المدرسي التابعة لمديرية التربية بمحافظة "درعا"، صدر له في المسرح تداعيات الحجارة والراقصون، ومسرحية مازال حياً وهي عن نص القصصي "محمد أحمد طلب"، وفي مجال الرواية لديه روايتان وهما "بين دمعتين" و"العلم"، لديه الكثير من الأعمال المنجزة أو تكاد، ورواية جديدة بعنوان "ذرعان".