"الجابية" مدينة قديمة مندثرة تعاقبت عليها العديد من الحضارات، تقع شمال غرب "نوى"، وتبعد عنها حوالي /3/كم، مياهها وفيرة وموقعها متميز، وصفها الباحث الألماني "نولدكه" بعاصمة الغساسنة وكرسي دولتهم.
يقول السيد "أنور الدبيس" من سكان مدينة "جاسم" المجاورة لموقع "eDaraa": «تعود أهمية الجابية لما كانت عليه قبل الإسلام، فقد كانت العاصمة الإدارية للدولة الغسانية، وكان يقطنها "الحارث بن جبلة" آخر ملوك الغساسنة، وفي عصر الإسلام قدم إليها "عمر بن الخطاب" أثناء معركة "اليرموك"، وخطب فيها خطبته المشهورة، وفيها تم انتقال الخلافة الأموية من بني "سفيان" إلى بني "أمية"، والآن لم يبق من آثارها سوى خربتها، التي شيد فيها مزارع عدة وبساتين لأهالي المنطقة، وترتبط بشبكة طرق معبدة ومشجرة مع كل من "جاسم" و"نوى"، وبعض قرى محافظة "القنيطرة"».
إن مدينة "الجابية" مندثرة اليوم، ولم يبق من الاسم القديم إلا تل "الجابية"، وعليه خربة أثرية تقع بين "جاسم" و"نوى" إلى الغرب من تل "أم حوران" على نبع الجابية الشهير، وأبرز بقاياها جدران في الشرق وبقايا أساسات مبنى وأحجار نحتية مبعثرة، وقرب موقعها مغارة يفتح بابها نحو الشرق
أما السيد "تيسير خلف" الباحث في تاريخ المنطقة الجنوبية فقال: «ورد اسمها في وثيقة رؤساء الأديرة العرب باسم "جابيثا"، أي "المختارة" أو "المجتارة"، وهو مصدر يختلف عن التفسير الذي اعتمده اللغويون والجغرافيون العرب الذين أرجعوا الاسم إلى جباية الماء أو مورد الماء، وفيها عقد مؤتمر الصلح الذي عقده بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية المونوفيسية "السريان والأقباط" في عهد "بطرس ودوميان"، في كنيسة القديس "سرجيس"، وقد ذكرها "ابن خرداذبة" في كتابه "المسالك والمالك"، كما ذكرها "المسعودي" في "مروج الذهب"، عند حديثه عن تدبير "مروان بن الحكم" أثناء بحث الخلافة في البيت الأموي».
وحول تسميتها وتاريخها وسماتها تحدث السيد "نضال شرف" باحث في قضايا التاريخ والتراث بتاريخ 28/12/2010 لموقع "eDaraa" قائلاً: «سميت "الجابية" على اسم الحوض لكثرة مياهها، والجابية جماعة القوم واجتماع الناس بها، وكثرتهم لكون أرضها خصبة وخيرة، وفي معجم البلدان لياقوت الحموي ورد أن "الجابية" تقع بالقرب من "نوى" وهي من أرضها، يقع جانبها تل يسمى باسمها، فيها حيات صغار طولها نحو الشبر، عظيمة النكاية يسمونها أم الصويت "النادوس"، إذا نهشت إنساناً صوت صوتاً صغيراً ثم يموت لوقته، وباب "الجابية" بدمشق منسوب لها، كما سميت "جابية الملوك"، وعندما وجه "أبو بكر الصديق" الجيوش إلى الشام بقيادة "أبي عبيدة الجراح" عرفت "بجابية الجولان"، وقد وصف واديها الشهير "بالرقاد"، وهو فرع يصب في نهر"اليرموك"».
وفيما يتعلق بتاريخها قال "شرف": «أقام ملوك الغساسنة في وسطها، وابتنوا البيوت الفخمة، ودفن فيها المالك الغساني "النعمان"، وكانت كرسياً لدولة "الغساسنة"، وقاعدتهم الحربية المنظمة، ولعبت دوراً كبيراً في تاريخهم، وفي عهد الفتوحات الإسلامية كانت "الجابية" هدفاً للمسلمين أثناء فتوحاتهم في بلاد الشام نظراً لأهميتها من الناحيتين العسكرية والسياسية، وفي العصر الأموي غدت مسكناً ومقراً للقادة الأمويين، فتركوا الكثير من آثارهم شواهد على تقدمهم في المجالات الاقتصادية والتنظيمية والعمرانية كافة، ومن أهم تلك الأوابد؛ قصر "الجابية" الذي بناه الخليفة "مروان بن عبد الملك"، وأقام فترات من حياته فيه، وما تزال بقايا آثار القصر باقية في أعلى قمة بتل "الجابية"، وأمام القصر بركة ماء وحوله الأشجار، وكان يشرف على "الجيدور، ومناطق من "حوران"، يرتفع عن سطح الأرض المحيطة به حوالي /80/م».
وفيما يخص سماتها أضاف "شرف": «تحيط بها القرى والمدن والمروج الخضراء، غلالها وفيرة وثروتها الاقتصادية كبيرة جداً، وصفت بأنها ذات مراعي كثيرة وكبيرة، ومنطقة تلال وأودية ملأى بحقول القمح والشعير وأشجار البلوط والزيتون والجميز وغابات الاس، وتكثر فيها مجاري الأنهار والسيول، وهي أرض العيون والتلال المكسوة بالخضرة، تغرد بها الطيور وآهلة السكان».
وعن تل "الجابية ذكر "شرف": «يقع "تل الجابية" في الزاوية الشمالية الغربية من مدينة "نوى"، وهو عبارة عن مخروط بركاني تظهر على أطرافه الصبات البازلتية، أرضه وعرة، يرتفع عن سطح البحر /710/م، ويلاحظ في أعلى قمته فوهة البركان المنخفضة التي أصبحت بحيرة ماء صغيرة، وقد شهد أحداثاً كثيرة وهامة، ويحوي قمتين شرقية وغربية، تشرفان على سهل "الجيدور" كاملاً، وتشكلت الغابات على كامل التل في العصر المطير، ما زاد في جماليته، واستفاد منه ساكنو "نوى" عبر العصور، وقد أعيدت له بهجته مجدداً بزارعته بالأشجار الحراجية من الصنوبر والكينا».
وحول وضع "الجابية" الحالي يقول الباحث "تيسير خلف": «إن مدينة "الجابية" مندثرة اليوم، ولم يبق من الاسم القديم إلا تل "الجابية"، وعليه خربة أثرية تقع بين "جاسم" و"نوى" إلى الغرب من تل "أم حوران" على نبع الجابية الشهير، وأبرز بقاياها جدران في الشرق وبقايا أساسات مبنى وأحجار نحتية مبعثرة، وقرب موقعها مغارة يفتح بابها نحو الشرق».