حين تتحدث في "دير الزور" عن الفن التشكيلي وتحديداً عن الجهات التي أخذت على عاتقها تبني المواهب الشابة وتدريبها سوف تذكر مركزين فقط مركز "اسماعيل حسني" للفنون التشكيلية ومرسم "عبد الجبار ناصيف"، الثاني منهما يعود لشخص واحد يديره ويدرب فيه إلا أنه قام خلال العقود الماضية بجهد مؤسسة حيث درب عدداً كبيراً من الفنانات والفنانين في المحافظة.
ومن يتتبع الحركة التشكيلية في "دير الزور" يجد أن عدد الذكور فيها أكبر بكثير من عدد الإناث ولكن اللافت أن أغلبية الفنانات على الساحة يفتخرن بأنهن خرجن فنياً إن صح التعبير من عباءة "ناصيف".
أهم شرط هو الإخلاص للفن فلا تستمر أي فنانة في مرسمي إلا إذا كانت تحقق هذا الشرط، لأنني أعتقد أن الفن يفهم أيضاً صاحبه ويخلص لمن يخلص له أليست هي مشاعر وأحاسيس من ذاتنا وتحاورنا؟
eSyria زار هذا المرسم وعن الفنانات اللواتي تدربن فيه حدثنا الفنان "عبد الجبار ناصيف" قائلاً: «لقد كان من أهم أهدافي كفنان هو أداء رسالة الفن، وكان هذا الهاجس أهم أسباب نشوء وتبلور فكرة أن يكون لي مرسمي الخاص الذي يتردد عليه الكثير من الموهوبين والموهوبات من مختلف الأعمار وبالطبع لا أهتم إلا بالموهبة الحقيقية وإن وجدتها عند أحد ينال كل ما يلزمه من أجل تنميتها، وبالمقابل أنا لا أتقاضى أي أجور أو هدايا من أي متدرب أو متدربة، وبالطبع أيضاً من بين الموهوبين لدي إناث وذكور حيث توجد فنانات مارسن موهبتهن في مرسمي وأصبح لهن مكانا خاصا في الحركة التشكيلية وأصبحت لهن مشاركات كثيرة في مختلف النشاطات داخل البلد وخارجه وعلى سبيل المثال في مهرجان المرأة "الفراتية" أقيم معرض فن تشكيلي للمرأة، كان عدد المشاركات 11 فنانة خمسة منهن كنَّ من الفنانات المتدربات في مرسمي، وقسم منهن قد غادرن البلد وتابعن مشوارهن الفني».
وعن شرطه الأساسي لتدريب أي فنانة حدثنا قائلاً: «أهم شرط هو الإخلاص للفن فلا تستمر أي فنانة في مرسمي إلا إذا كانت تحقق هذا الشرط، لأنني أعتقد أن الفن يفهم أيضاً صاحبه ويخلص لمن يخلص له أليست هي مشاعر وأحاسيس من ذاتنا وتحاورنا؟».
وحول أهم ما تحصل عليه الفنانة المتدربة أجابنا: «الفنانة التي تمارس فنها في الرسم تحاط دائماً باحترام كبير واهتمام فيه نوع من القدسية في العلاقات مع المرسم ومن يتردد عليه أما على صعيد التدريب فأول اهتماماتي بأي موهوب أو موهوبة مهما كان العمر هو الأحاسيس وتفتح العالم الداخلي ونبدأ من العين التي يجب أن تكون رؤيتها مختلفة عن رؤية أي عين أخرى مروراً باليد والخيال الإبداعي والرؤية الثقافية العميقة لأنني لا أقنع ولا أؤمن بفنان لا يمتلك الرؤية العميقة ولا يفهم ثقافة القلب».
ومن الفنانات الشابات اللواتي تدربن في المرسم التقينا الفنانة "ماري روز مراد" مهندسة عمارة، عضو نقابة الفنانين، مقيمة في "حلب" شاركت بعدة معارض منها معارض إفرادية ومعرض ثنائي وعدة معارض جماعية وتحدثت عن تجربتها في المرسم وعلاقتها الاجتماعية بصاحبه قائلة: «دخلت المرسم بعد فترة من تدريبي في مركز الفنون الجميلة ولكن بحكم العدد الكبير في المركز وجدت فائدة أكبر في التعامل مع الأستاذ "عبد الجبار ناصيف" كان عمري 16 عاماً واستمر تدريبي عنده أكثر من 10 سنوات، ولشدة ما كان إنسانا خلوقاً تشجعت كل عائلتي للتعرف عليه وكوَن صداقة لطيفة مع كل أفراد العائلة، لم يبخل علي بأي توجيه أو نصيحة وأنفق من وقته وأحاسيسه الكثير الكثير من أجل تعليمي قواعد الفن التشكيلي كل هذا دون أي مقابل مادي، أنا الآن أقيم في حلب لكني أصرٌ على دعوته إلى كل معرض أشارك فيه وأتصل به للحصول على الدعم المعنوي دائماً».
ومن المواقف الاجتماعية التي لا تنساها أبداً للفنان "عبد الجبار ناصيف" أضافت: «أثناء فترة تدريبي تعرضت لحادث وكسرت ساقي على إثره فظلَ الأستاذ "عبد الجبار" يزورني في المنزل يتابع ما أرسمه حتى لا أنقطع عن الرسم بإشرافه، لقد كان أباً روحياً بالنسبة لي لأنه كان دائماً فناناً بريشته وفناناً بأخلاقه».
الفنانة "أريج أحمد" تحدثت عن دور الفنان "ناصيف" في تعميق تجربتها الفنية وتطويرها فعبرت عن ذلك بقولها: «الموهبة ضرورية وهامة لكنها تحتاج إلى من يشرف عليها ويوجهها، بشكل شخصي تعلمت في المرسم ونمت موهبتي بسرعة كبيرة لأنني درست الفن التشكيلي بطريقة أكاديمية ووفق مناهج محددة.
بالإضافة إلى أن الأستاذ كان يصرّ على ضرورة الإلمام بثقافة فنية والإطلاع على التاريخ عموماً والتراث الشعبي بصورة خاصة المتعلق بحضارة "وادي الرافدين" كما كان يعمل على إثارة الطموح لدينا وذلك من خلال وضعنا أمام تحديات كبيرة واتباع أسلوب التعلم عن طريق الاكتشاف وتحريضنا على خوض التجارب بغض النظر عن النتائج ما أكسبنا الكثير من الشجاعة، وأنا أعتبر نفسي محظوظة لأنني تلقيت تعليمي على يديه».
وعن الدور الذي لعبه الأستاذ "ناصيف" في كسر حاجز الخوف من خوض التجربة الفنية لدى الكثيرات التقينا الفنانة الشابة "نور ناصيف" التي تحدثت عن هذه النقطة بقولها: «منذ صغري كان الرسم هو الهواية الأميز بالنسبة لي ولكني كنت أتهيب الدخول في هذا المجال أو التصريح بأنني أنوي احتراف الفن ولكن وجود الأستاذ "عبد الجبار" أمدني بالكثير من القوة قبل وبعد التدريب لديه، حتى وجدت نفسي أرسم وأنمي موهبتي، وأشارك في كل المعارض الفنية التي تقام في المدينة».