للغناء الفراتي خصائص تميزه تعطيه هوية فريدة ومحددة إذا ما قورن بالغناء المنتشر في مناطق جغرافية أخرى، ونظراً لأهمية هذه السمات كان لابد من الوقوف عليها وتفصيلها. eSyria التقى الفنان الفراتي "محمود عبد الكريم" ليسرد لنا أنواع الغناء الفراتي بقوله:
«هناك أنواع كثيرة للغناء في وادي الفراتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الموليا، والنايل، والميمر، والسويحلي، والميجنا، وغناء اليهويدلي، والهلابا، وغناء العتابا».
وبالنسبة للسمة الأخيرة فهي: -النظام: إن قيام هذا النوع من الفن "الغناء" على نظام دقيق يشير بوضوح إلى المستوى الفكري والجمالي الذي وصل إليه أبناء الفرات
كما التقينا أحد الباحثين اللغويين وهو الأستاذ "قاسم القحطاني" المدرس في أقسام اللغة العربية في جامعة الفرات، ليلخص لنا السمات العامة التي تميز الغناء الفراتي برأيه فتفضل قائلاً:
«الفن شكل من أشكال وعي الإنسان للواقع وهو واحد من تجليات إدراكه لما يحيط به والتعبير عنه جمالياً ويأتي الغناء الفراتي بوصفه أحد الفنون المنتشرة في وادي الفرات ويتميز هذا الفن بالتعدد والتنوع والغنى والتوثيق والنظام:
-التعدد يتجلى من خلال العدد الكبير لألوان هذا الغناء فقد بلغ ثمانية وسبعين ضرباً.
-التنوع: هذا الفن لا يقوم على شكل واحد إنما على عدد من الأشكال ولكل شكل منها بناء مستقل وغاية محددة.
-الغنى تتمثل هذه الميزة بغنى الموضوعات، وتمثيلها لأشكال الحياة المتنوعة التي عكست صورة المجتمع الفراتي في حقبة من الزمن.
-التوثيق: قام هذا الفن بتدوين كثير من الأحداث والأخبار المهمة التي وقعت في زمن لم يتوافر فيه غير هذا الفن كوسيلة توثيق».
ويستكمل "القحطاني" كلامه عن سمات الغناء الفراتي بشرحه للنقطة الأخيرة وهي "النظام": «وبالنسبة للسمة الأخيرة فهي:
-النظام: إن قيام هذا النوع من الفن "الغناء" على نظام دقيق يشير بوضوح إلى المستوى الفكري والجمالي الذي وصل إليه أبناء الفرات».
ثم يضيف الباحث "القحطاني" توضيحاً حول الروح الجماعية التي كان يؤدى بها الغناء الفراتي بقوله: «ولعل أبرز ميزة يمكن الوقوف عندها في هذا الغناء هو ما يمكن تسميته النسيج الاجتماعي المتجانس، حيث كان يؤدى عن طريق عدد من المغنين يتناوبون الغناء في السهرة الواحدة في مناخ أسري وجو حميمي يعكس اللحمة الاجتماعية آنذاك لكن ما يؤسف له هو غياب ألوان كثيرة من هذا الفن التي تعبر عن سمة المدنية وغيابها مع غناء الريف من غير إيجاد بدائل حقيقية تسد هذا الفراغ الذي أحدثه غيابها».
ويتكون كل نموذج من نماذج الغناء الفراتي من بنية لغوية خاصة به وتميزه سواء على مستوى الوزن العروضي أو بطريقة سرد الأبيات في كل نوع من أنواع هذا الغناء، إذ يذكر لنا الباحث "عبد القادر عياش" في كتابه "غزليات من الفرات" الموليا" كمثال على خصوصية البنية اللغوية في نماذج الغناء الفراتي بقوله:
«والموليا هي شعر الزجل لدى السكان رجالاً ونساءً يسهل عليهم نظمه لاستعدادهم الفطري لنظم الشعر، ويتراسل الشعراء العاميون من أبناء المنطقة بأبيات الموليا، ويسمون القطعة "مشد" تتألف من عدة أبيات، ولأبيات الموليا لازمة تسمى "ردة" يأتي بها المغني بعد كل بضعة من أبيات، عبارة عن بيت مفرد من الموليا يكرره، وقد يأتي بغيره:
الله على أبو الزلف عيني يا موليا/ عجوز تطرد هوى وتقول أنا بنيه».
كما أن نماذج هذا الغناء تمتد لأبعد من وادي الفرات لتشمل بعض المناطق المجاورة ويفسر لنا الباحث "عباس طبال" ذلك بقوله:
«يعود ذلك إلى تقارب اللهجات بين سكان محافظة "دير الزور" والجزيرة السورية الفراتية، وبين سكان غرب بغداد إلى الحدود مع سورية، وذلك لكون قبائل هاتين المنطقتين تعود إلى أصول واحدة لكن الاستعمار وضع الحدود ففرقها».