لم يكتف بإشعال شمعة بدل أن يلعن الظلام، بل ساهم في التأسيس لثقافة "إشعال الشموع في وادي الفرات" لأنه الباحث الألمعي والإنسان الكبير "عبد القادر عياش" والذي حول حياته إلى مشروع لخدمة الناس، وأبناء الفرات على وجه الخصوص في الوقت الذي عانى فيه كثيراً لتحقيق ما أراد بدءاً من ثقافة العيب التي كانت دستوراً يسلط على الرقاب في مجتمعه، وانتهاء بالقرارات التعسفية على المستوى الرسمي، كقرار إغلاق المجلات والصحف، والنوادي الثقافية في سورية سنة 1948.
موقع eSyria التقى الأستاذ الأديب "فاضل سفان"، والذي لديه مخطوط عن هذا الباحث الموسوعي "عبد القادر عياش" ينتظر الطباعة، يقول "سفان": «ولد "عبد القادر عياش" في "دير الزور" عام 1911، والده "عياش الحاج حسين" ووالدته "قمر عبود الحسن" من نفس الأسرة، تزوج من ابنة عمه "مديحة بنت محمد العايش" سنة 1936 رزق منها بسبعة أولاد ذكور هم: "فاروق" و"غازي" و"عبد العزيز" وأربع بنات هن "فرات" و"جلاء" و"سناء" و"وفاء"، عين قاضياً عقارياً في حلب سنة 1936، ثم انتقل إلى "معرة النعمان"، ثم إلى "دير الزور"، ثم إلى "دمشق" قاضياً مفسراً، وفي عام 1941 عين مديراً لمنطقة "الباب" في "حلب" قضى فيها سنتين ثم انتقل إلى "سلمية" فاستقال من الوظيفة سنة 1943، وعاد إلى ممارسة المحاماة في "دير الزور" وإلى جانب المحاماة عين محامياً لقضايا الدولة عدة سنوات، كما عين عضواً في المجلس البلدي في "دير الزور" سنة 1944».
عرفت الأستاذ "عياش" منذ نعومة أظفاره مثالاً للحركة الدائمة والعمل المتواصل والبذل بسخاء، وهذا يدل على حب الأستاذ "عياش" لوطنه والذي لا يكاد ينازعه فيه منازع
ولقد لعب "عبد القادر عياش" دوراً أساسياً في الحراك الثقافي في وادي الفراتي، خصوصاً في مدينته "دير الزور" وذلك من خلال تأسيسه للعديد من المشاريع الثقافية، والتي كانت في أغلب الأحيان على نفقته الخاصة، وفي هذا يقول لنا الأديب "فاضل سفان": «حرص "عبد القادر عياش" على نشر الثقافة في بلده، وكان يلقي المحاضرات في النوادي والمنتزهات العامة "الجراديق"، ويطبع نشرات على نفقته يوزعها بالمجان.
أسس نادي "البيت الثقافي" في "دير الزور" سنة 1944. كما أصدر مجلة "صوت الفرات" سنة 1945، واستمر إصداره لها مدة 22عاماً أي لسنة 1967، وهي مجلة كان ينفق عليها من ماله الخاص، ولا يعود عليه شيء من نفقات طباعتها، اقتصرت موضوعاتها على التعريف بحضارة وادي الفرات، وتاريخ مدنه، ووصف اقتصاده، وتدوين تراثه الشعبي، وإبرازه.
وأسس جمعية العاديات في "دير الزور" سنة 1958.
لم يعش المرحوم "عبد القادر عياش" طويلاً فقد مات عن عمر 63 عاماً.
وكان "عبد القادر عياش" يحب منطقته لدرجة العشق، وهو يؤمن بفكرة إيقاع المكان ولم ينحصر ذهنه بمدينته فقط، إنما بكل وادي الفرات، وفي هذا يقول: «أحب منطقتي حباً زائداً، أعيشها وأعيش لها، وقفت جهودي ووقتي ومالي وتفكيري على خدمتها منذ أربعين سنة، وحسبي أنني "مجنون وادي الفرات" كما أطلقه عليّ أحد أصدقائي، وأطلقت زوجتي علي "شهيد وادي الفرات" وأموت وفي نفسي أشياء من وادي الفرات».
كما يقول عنه شاعر الدير الكبير "محمد الفراتي": «عرفت الأستاذ "عياش" منذ نعومة أظفاره مثالاً للحركة الدائمة والعمل المتواصل والبذل بسخاء، وهذا يدل على حب الأستاذ "عياش" لوطنه والذي لا يكاد ينازعه فيه منازع».
كما بين الأستاذ "كامل إسماعيل" مدير التراث الشعبي، في وزارة الثقافة، في تقديمه لكتاب "من التراث الشعبي الفراتي"، مختارات من أعمال الباحث "عبد القادر عياش" الجزء الأول، ما لهذا الرجل من أثر أثرى به المكتبة الوطنية، بل المكتبة العربية بشكل عام بقوله: «كان منزله عبارة عن متحف للتقاليد الشعبية، هذا إلى جانب مكتبة كبيرة غنية بالمراجع.
مقتنيات متحفه المنزلي هذه تبرع بها ورثته الكرام لبلدية "دير الزور" لتكون نواة لمتحف المدينة الحالي. أما مكتبته فتبرع بها الورثة مشكورين إلى مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
ألف ونشر حوالي "140" موضوعاً بين بحث ومقالة وكتاب، حول تراث وادي الفرات وحضارة "دير الزور"، أطلق عليها اسم "الموسوعة الفراتية البكر" ذكرها ونوه عنها عدد كبير من المثقفين العرب وغير العرب من باحثين ومهتمين».
المراجع:
محاضرة عن الباحث "عبد القادر عياش" للأديب "فاضل سفان"، ألقيت في اتحاد الكتاب العرب ، فرع "دير الزور" مساء الأربعاء 9/6/2010.
"أنا والفرات": "عبد القادر عياش"، القسم الأول، "دير الزور"، سورية، تموز 1967، المطبعة السليمية في "دير الزور".
من التراث الشعبي الفراتي، مختارات من أعمال الباحث "عبد القادر عياش" الجزء الأول، الصفحة 6، منشورات وزارة الثقافة في سورية، 2007.
"آثارنا في الإقليم السوري، الجمهورية العربية المتحدة" للباحث "أبو الفرج العش"، الصفحة 233، الطبعة الأولى، دمشق، 1960.