«يفضل "الديريون" تنجيد فرشهم ولحفهم من صوف الماعز أو من القطن، إذ يرون فيه حتى يومنا هذا صحة أفضل، ودفئاً أكثر من الفرش الجاهزة، التي بدأت تلاقي ترحيباً لا بأس به لدى شريحة واسعة من الزبائن، وهو ما أدى إلى تراجع مهنة التنجيد(50)% ». هذا ماقاله المنجد "عبدو العيسى" عندما التقته eDeir-alzor بتاريخ 31/9/2009:
«نحن من قدامى المنجّدين في المحافظة إذ زاولنا المهنة منذ زمن بعيد وورثتها عن والدي منذ أ كثر من ثلاثين عاما، فالتنجيد من الحرف المهنية الفنية في "دير الزور"، وهي تجمع بين حرفية الصنعة، وأسلوب وتجليات المبدع في إضافة شي من الإبداع على المنتج الذي يقوم به، ويرتبط إبداعه بالوضع الاقتصادي لصاحب المنتج، وما زلنا نكافح للحفاظ عليها في ظل موجة الفرش الجاهزة التي اكتسحت السوق وافترشت البيوت، إلا أن البعض من "الديرين" ما زال يفضل أن ينجد فرشه ولحفه من الصوف أو القطن، إلا أنه قبل عشر سنوات كانت لا تزال هذه المهنة في أوجها، وبفضلها تمكنت من تدبير منزلي ومردود مالي لا بأس به، أما اليوم فتراجعت كثيراً».
نعيد نفش الصوف القديم مرة أخرى ليصبح هشاً ونضعه كي تلفحه أشعة الشمس وتتطاير الغبرة العالقة فيها ويصبح معداً للتنجيد
«الصوف نوعان، ناعم وجزّ: وصوف الجز يلزمه ضرب على القضيب حتى ينعم ويتناثر جزئيات صغيرة، أما الصوف الناعم فينتف على مكنة الكهرباء، أما القطن فهو نوعان أيضا: القطن الملكي والشراحي يضرب على القضيب الحديدي، إلا أذا كان قديماً فيستحسن أن ينتف على المكنة».
«وتتألف أدوات العمل المنجد من الإبرة الطويلة، الشمع العسلي لتشميع خيطان التنجيد لتسهيل استعمالها في الحياكة، والكشتبان فهو دائماً في إصبعي فضلاً عن المدقة الخشبية التي توضع في مكان العمل لكي تزيده وزناً ولا يتحرك اللحاف أثناء التقطيب، ومكنات الخياطة لدرز القماش، وترتكز مهنة التنجيد على أدوات حرفية قديمة إلا أنه بعد دخول التكنولوجيا الصناعية على خط عملنا، عزف المنجدون عن استخدام بعض الأدوات المساعدة في مهنتهم مثل قوس الحديد التي كانت تستعمل قديماً لنتف الصوف والقطن، والآن يستخدمون ماكينات تعمل بالكهرباء "مكنة كهربائية" تساعدهم على نتف الصوف ونفشه كي يخرج ناعما ويسهل استخدامه بين طيتي القماش قبل تطريزهما بالطرز».
«نعيد نفش الصوف القديم مرة أخرى ليصبح هشاً ونضعه كي تلفحه أشعة الشمس وتتطاير الغبرة العالقة فيها ويصبح معداً للتنجيد».
ويتابع: «اللحف التي تختلف أحجامها وأوزانها حسب قياسها، ولها عدة نقوش كنقشة البقلاوة، المربعات والمراوح، وللفرش نقشة واحدة تتوسطها المسامير لكي يبقى القطن ثابتاً في مكانه».
ويرى العيسى أن: «تنجيد الفرش واللحف بالقطن والصوف كل 4 سنوات أمر صحي ومفيد أكثر للجسم وخاصة الظهر، وهذا أفضل من شراء الفرش الجاهزة التي غالباً ما تسبب أوجاعاً في الظهر، حيث أن كثيرا ممن تخلوا عن الفرش المنجّدة مفضلين تلك الجاهزة عادوا ونجدوا لأسرّتهم فرشاً ولحفاً من القطن والصوف».
«أحاول أن أحافظ على هذه المهنة التقليدية، وأقوم بتعليمها لأولادي وأخوتي، فهي مهنة آبائهم وأجدادهم ولا نرضى بغيرها بديلا، وأتمنى من أولادي أن يحافظوا عليها من الانقراض».
وتقول السيدة "ريما الفرج":«تخلّصت من جميع الفرش المنجدة كي لا أنجّدها كل أربع أو خمس سنوات، فالتنجيد أمر متعب ومكلف في نفس الوقت، وجهزت أسرة منزلي بالفرش الجاهزة وبلا لبكة التنجيد، غير أني ما زلت أحتفظ باللحف المنجدة بالصوف لأنها أكثر دفئاً في الشتاء فشتاء " الدير" قارس».
أما السيدة"بهية العبد الله": «لا غنى لها عن فرش الصوف التي نجّدتها منذ أكثر من خمسين سنة وطلّعتن معي بالجهاز مع لحف ومخدات كلها من صوف الجز، وكل سنتين أنجّدها وأغيّر القماش كل أربع سنوات، أما في القرى يفضلون تنجيد اللحف والأغطية مرة كل سنة وفي المناسبات مثل الأفراح والأعياد كي يسهل استخدامها فمنها تنبعث رائحة الأجداد ».
يعتبر وجود المنجد سابقا في بيوت أبناء "الدير" مناسبة للمباهاة حيث يطلع المنجد خلال عمله على الوضع الاجتماعي للعائلة من حيث كرم الضيافة، وزينة النسوة ومصاغهن الذهبي، ويعتبر المنجد حامل أسرار بعض الحكايات، وناقل أخبار العائلات وحكايات الأسر، وفي هذا السياق يعتمد على شهادات المنجد ومقدار الثقة به كمقدمات لخطبة الصبايا والإرشاد إلى العرائس الجميلات الكاملات، وربما كان المنجد أكثر مصداقية من الخاطبات في تزكية الصبايا والعرائس لأنه يحافظ على سمعته ورزقه الذي يعتمد العمل داخل البيوت، وتفرض طبيعة مهنة المنجد .
إن هذه الحرفة في "ديرالزور"، ارتبطت بأشخاص احترفوا وتميزوا واكتسبوا شهرتهم من إتقانهم الصنعة وأسرارها، ولاقت تفصيلاتهم تميزا لا يبدعه غيرهم.