تسمع عنه الكثير لكن عندما تلتقي به ينتابك شيء من الفخر والاعتزاز برجل يحيي عاداتنا وتقاليدنا، بل يحيي حياة آبائنا وأجدادنا بطريقة عملية مدروسة ربما رسخت في ذاكرته منذ الصغر، لكنه أعادها وأتقنها لتكون دائمة حاضرة في أذهاننا.
إنه السيد "وليد ويس إسماعيل" التقاه eDeiralzor في بيته وأثناء عمله الذي يروي أحلى حكايات الأجداد، فقال:
إن مهارتي وحرفتي في صنع الزوراق النهرية و"الغراف" الذي كان يستخدم قديما للسقاية، هي مهنة وإبداع فطري نشأت من الصغر منذ كان عمري أربعة عشر عاما، حيث بدأت بصنع هذه الزوارق النهرية في عام (1955)، وهي بطبيعة الحال موهبة إنسان منطقة "الفرات" واستثماره لمواردها، وربما للانتفاع منها لتلبية مستلزمات حياته اليومية ومصدر رزقه واستقراره
«إن مهارتي وحرفتي في صنع الزوراق النهرية و"الغراف" الذي كان يستخدم قديما للسقاية، هي مهنة وإبداع فطري نشأت من الصغر منذ كان عمري أربعة عشر عاما، حيث بدأت بصنع هذه الزوارق النهرية في عام (1955)، وهي بطبيعة الحال موهبة إنسان منطقة "الفرات" واستثماره لمواردها، وربما للانتفاع منها لتلبية مستلزمات حياته اليومية ومصدر رزقه واستقراره».
وتابع: «إن صناعة "الغراف" هي أكثر من حرفة بالنسبة لي فقد كان "الغراف" قديما ينصب على ضفاف نهر الفرات، وأقسامه هي الشلبج والإناء (السطل) والحوض الذي يذهب من الساقية إلى المزروعات، وجسر الهواء والبكرات و(الدنادينن) أي المسننات، والقطب ويكون من المعدن للمحور وفي الداخل يوجد قطعة هي "الجبة" التي تصل بين البكرة والشلبج، حيث يستعمل لسقاية الزرع فهو الوسيلة الوحيدة آنذاك للسقاية، وأنا استوحيت فكرة صنعه فجأة، فأنا اعمل أصلا بالنجارة وأحببت أن أعيد تراث بلدي بطريقة لا تنساها الأجيال القادمة».
ويتابع إسماعيل حديثه: «أما بالنسبة لصناعة السفن فإن النموذج الأساسي للسفينة القديمة هي المربعة والمصنوعة من الخشب، فقد كانت وسيلة النقل الأساسية للفرات قديما نقل البضائع من السكر والحنطة والحطب، من الحدود التركية إلى سورية، إذ لم يكن هناك وسيلة نقل أخرى سوى (العربانة) والسفينة التي تنقل جميع المواسم الزراعية والمشاريع الزراعية الكبيرة، وعادة ما تصنع لها سفن صغيرة تسمى (طرادة)، ويستخدم خشب "التوت الشامي" في صنعها وفي صنع "الغراف" بسبب قوته وتحمله للماء، ويحيط بها مجدافان يجب أن تكونا مائلتين وذلك في حال فيضان النهر، أما "المردي" فهو عبارة عن عصا طويلة بحدود ستة أمتار تقريبا تغرس في قاع النهر وتدفع السفينة يمينا أو شمالا، وهي تصنع عادة بشكل ثنائي أي تصنع كل سفينتين معاً بقياس واحد وذلك من أجل فيضان النهر ولتتوازن السفينة، وهي مؤلفة من لوحات طولها بين خمسة إلى ستة أمتار بشكل متساو تماما وعرضها متران، وتحشى جوانبها بمادة القار (الزفت) منعا لتسرب الماء إليها ويجب أن تكون ضيقة من الأمام لتفادي تيار النهر الذي كان حاداً قديماً».
وأضاف: «كما تسمى السفينة التي تستعمل لصيد السمك "الطوافة" وهي عادة تكون أقصر من السفينة العادية، وقد استبدلت مادة الخشب بمادة الحديد، والسبب في ذلك أن السفن الخشبية تبقى في النهر ويجب أن تكون دائما رطبة وصيانتها صعبة جدا، فهي تشبه إلى حد ما إعادة صنعها من جديد أما الحديد فنستطيع إخراجها في أي وقت، وهناك أيضا الشبك وهي حزم من الحطب وتستخدم كنماذج صغيرة يوضع في داخلها خيمة سواء في الصيف أو في الشتاء، أما سفن (الكابل) فهي عبارة عن قارب خلفيته قطع بمنتصفه الكبل يعتمد عليه للوصول إلى الضفة الأخرى من النهر حيث يوجد كبلان عند منتصف كل نهر، وكانت لهذه السفن قديما ثلاثة مرافئ المرفأ الأول كان عند بيت "جواد" والمرفأ الثاني عند "الدير العتيق" مقابل نادي "الفرات" عند بيت "عشاوي" أي مقابل مبنى المحافظة حاليا، ومرفأ آخر عند الجسر».
كما التقينا السيد "ياسر شوحان" مدير الآثار "بدير الزور" فقال: «يعتبر نهر "الفرات" من الأنهار الصالحة للملاحة النهرية الصغيرة، حيث كان يشكل طريق مواصلات هامة بالنسبة للمدن النائية مثل مدينة "دير الزور" بسبب صعوبة المواصلات البرية إليها في ذاك الوقت، ولذلك نشطت صناعة السفن النهرية في "دير الزور" كما أن السيد "وليد اسماعيل" من الأشخاص الذين أحيوا هذه الصناعة وعلينا مساندته لتبقى هذه الصناعة قائمة في مدينتنا متوارثة من جيل إلى جيل، حيث عرفت الحضارات القديمة على وادي "الفرات" الأوسط هذا النوع من الملاحة النهرية، ويعود
ذكرها إلى فترة الألف الثالث قبل الميلاد، حيث ذكر "تحوتمس الثاني" في الحوليات التاريخية (عبرت نهر الفرات 18 مرة بمراكب من الجلد واصطدت في طريق عودتي الفيلة من العاصي) وقد كانت تزخرف بأشكال هندسية مختلفة أكثرها انتشارا الزكزاك، وهذه القوارب تشبه إلى حد كبير القوارب المستخدمة في نهر دجلة وتسمى "البلم"».
إن تلك الحرف التقليدية والمهارات التراثية أحيت فينا ذلك الزمن الجميل الذي عاشه أجدادنا وعرفوا استغلاله بطريقة تلبي احتياجاتهم، وأكدت أن "لدير الزور" رجالا قادرين على العطاء والتميز، بطريقة جميلة ربما كان لطبيعة مناخهم دور في إحياء تراثها، الذي لا نتمنى أن ينقرض، وان يلقى الدعم والمساندة من الجهات المعنية بطريقة نحيي فيها عاداتنا وتراثنا "الفراتي" الأصيل.