عانقت الألحان والكلمات التي نبعت على ضفاف الفرات لون الحزن فيها وصادقته حتى تبعثرت مخصبة أرض "دير الزور" التي فاضت بسيول لحنية فلكلورية أجاد روادها تطويعها ليخلق التراث الفلكلوري السوري.
حاول "يحيى عبد الجبار" من مواليد "دير الزور"1960 أن يعبىء جرته الفنية من نهر الفرات، فاهتم بالكلمة التراثية واللحن الفلكلوري الفراتي منذ صغره، إلى جانب كتابته الشعر وخاصة الغنائي: «عندي اهتمام بالتراث والعزف منذ الطفولة وخصوصاً على آلة الناي التي أصبحت أعزف عليها بشكل إفرادي بسن السابعة عشر حيث لجأت للأستاذ "يوسف الجاسم"، كما أني تعلمت العزف على العود والأكورديون وأعمل الآن مدرب على الآلات النحاسية، إضافة لكتابة العديد من الكلمات والألحان الفراتية من خلال متابعتي الدراسة في المعاهد الموسيقية في "حلب" و"دمشق"».
كما أن كل جار يتأثر بجاره فكما "حمص" تأثرت بالأغاني اللبنانية، و"درعا" تأثرت بالأغاني الأردنية، تأثرنا نحن بالأغاني العراقية
أعاد تأسيس فرقة "الفرات" في "دير الزور" عام 2004 بمساعدة مديرية الثقافة ومحافظ "دير الزور"، وأخذ على عاتقه بمساعدة زملائه في الفرقة مهمة الحفاظ وتطوير الأغنية الفراتية: «يعتبر تراث فراتنا السوري غير ظاهر للعيان بعد، ومازال كثير من الأشخاص يخلطون بينه وبين التراث العراقي، فصحيح أن الفلكلور العربي يكون مشتركاً بالعادات والقيم لكن تبقى الخصوصية، ونحن في فرقتنا نبحث عن هذه الخصوصية».
لحن وكتب العديد من الأغاني منها "مدلل والله مدلل" من كلماته وألحانه وهي الأغنية التي اشتهرت بصوت الفنان العراقي "علي محمود العيساوي"، إضافة لأغنية "عاش مين شافك حبيبي" والتي غناها المطرب العراقي الكبير "فؤاد سالم"، كما لحن لمطربين عرب وسوريين: «قمت بتلحين العديد من الأغاني غناها كثير من المطربين العرب، كما كتبت ولحنت الملحمة الموسيقية لدورة الوفاء الكروية بحضور السيد الرئيس بشار الأسد، ورغم ذلك مازلت أعتبر نفسي للآن هاوياً ولا أرغب في الاحتراف».
كما حدثنا "يحيى عبد الجبار"عن الأبعاد الجغرافية والتاريخة لـ"دير الزور" وعلاقتها باللحن والكلمة الفراتية حيث قال: «يمتاز اللون الفراتي بالحزن وهذا يعود لطبيعة المنطقة الصعبة مناخياً وجغرافياً فهي بعيدة عن العاصمة، كما تتعرض لموجات العواصف الرملية والعجاج وتختلط باديتها بنهرها، كل ذلك خلق معاناة حقيقية كانت سبباً للون الحزن».
وأضاف: «كما أن كل جار يتأثر بجاره فكما "حمص" تأثرت بالأغاني اللبنانية، و"درعا" تأثرت بالأغاني الأردنية، تأثرنا نحن بالأغاني العراقية».
يحمل "عبد الجبار" مهمة توثيق التراث من خلال معاصرته للجيل القديم من عازفين ومغنيين كما أوضح، حيث أنه يعود لبعض المراجع والكتب وكبار السن محاولة منه لتوثيق هذا التراث وحمايته من الإندثار، فتعاضد مع فرقته محاولين تنويطه وغناءه في كل المناسبات والمهرجانات لتكون بمثابة دعوة مفتوحة للتمسك بالتراث.