حينما تجاوزني الصّمتُ ..أعلنتُ وجه الشرود .. أدفعُ الماءَ نحو الزهور الرقيقات .. أنا مُدمِنُ الحبّ أقتاتُ عطرَ الورود... هذه الأسطرِ هي من قصيدة (إرادة) في المجموعة الشعرية (هامسٌ هذا الصراخ) للشاعر "صُهيب السيد ذاكر" صاحب الخيال المُجنّح الذي لا يسمح لجناحيهِ الاستراحة في مخبأ واحد؛ والذي أبحرَ طويلاً في أعماق مُحيطات الحب باحثاً عن حُبٍّ عُذري يرتشف من خلاله بعضاً من آمالهُ التائهة، حيث كان لمراسل eٍٍSyria وقفةٌ مع هذا الشاعر في مدينة "البوكمال" فكان الحوار التالي...
**متى اكتشفتَ موهبتك الشعرية؟
إذا كان ما يقولهُ هؤلاء صحيح فليأتوا ببيت شعر يُثبتوا من خلاله هذه النهاية التي يزعمونها؛ فالشعر لم يمت ولن يموت إلا بنهاية العالم
*«ربما حبّي وعشقي للشعر لم يأتِ وليد المصادفة؛ إذ أن والدي كان شاعراً أيضاً وكنتُ شديد التعلّق بتلك الكلمات التي كان يكتبها ذات يوم، فبداياتي مع الشعر كانت منذ المرحلة الإعدادية إلا أنني لا أستطيع تسمية تلك الكلمات المصفوفة شعراً بالمعنى الصحيح، ومع مرور الزمن وبفضل الاطلاع والقراءة المستمرة استطعتُ كتابة عدة قصائد خلال المرحلة الثانوية فأستطيع القول أنني في تلك المرحلة بالتحديد كتبتُ شعراً حقيقياً وبأسلوبي الخاص؛ فبرأيي الشاعر الحقيقي هو من يتجرد من تقمص أسلوب الآخرين ويجد لنفسهُ أسلوباً يتميّزُ به، أما عدا ذلك فكلّهُ يدخل في إطار التقليد».
**برأيك هل هناك نصٌّ متكامل يكتبهُ الشاعر؟
*«أعتقد أنه ليس هناك شاعرٌ كتب نصّاً متكاملاً ولن يكون، فالإنسان لا يمكنهُ أن يأتي بنصٍّ خالٍ من النواقص كالقرآن الكريم؛ فمهما نضجت تجارب وخبرة الشعراء والكتّاب فليس بإمكانهم تقديم نتاج كامل المواصفات؛ فطالما هناك نقدٌ موضوعي فستبقى القصيدة ناقصة؛ ومع ذلك توجد مستويات متفاوتة فهناك الممتاز وهناك الأفضل منه والأقل منه أيضاً».
**ما المدارس الشعرية التي تأثرت بها هل هي الواقعية، الرومانسية، الرمزية، أم الكلاسيكية؟
*«حاولتُ الكتابة وفق جميع هذه المدارس؛ لكني في النهاية اخترتُ لنفسي أسلوباً خاصاً ووجدتُ نفسي فيه؛ وهذا الأسلوب هو مزيج بين الرومانسية وبين الرمزية ونستطيع أن نسميه "الصوفية" مع عدم الابتعاد عن الواقع والبعد عن التجريد، فالشاعر مهما حلّق بأحلامهِ في الفضاء يجب أن يدرك في لحظةٍ ما أنهُ ما زال جاثماً فوق الأرض، فبالنهاية لا مجال أبداً للابتعاد عن الواقع».
**ما المعايير التي تعتمد عليها في بناء القصيدة؟
*«النص الشعري بالنسبةِ لي عبارة عن مزيج من الحالة العاطفية والنفسية، فشكلانية النص التي تُقيّدُ الشاعر ربما يصبح هذا الشاعر نفسه عبداً لمعيارٍ محدد من المعايير المُعتمدة، لكن دائماً يجب أن يكون هناك تجديد ومزج والبحث عن أشياء جديدة؛ فالذي يأتي بقالبٍ معين ويضعهُ أمامهُ قبل كتابة القصيدة سيكون أسير هذا القالب وبالتأكيد سيكونُ النصُّ ركيكاً بعيداً عن ذات الشاعر وأحاسيسهُ؛ وبالتالي يكون قد كتب نصّاً أدبياً لكن لا يحمل روح الشعر، فالشاعر الحقيقي هو من يأتي بالقلم ويكتب في حالة الإلهام فالنص الشعري هنا هو الذي سيفرض نفسهُ على الكاتب وليس العكس».
**ما رأيك بتقسيمات الحداثة الشعرية ما بين الشعر النثري والشعر الحر وقصيدة التفعيلة؟
*«كلُّها عبارة عن تجارب، فبالنسبةِ لقصيدة النثر لا أقتنعُ بما هو موجود حالياً بسبب استسهال الكثيرين في كتابة هذا النوع من النصوص؛ فمثلُ هؤلاء لا يملكون المقدرة على التخيّل الحقيقي ولا معرفة لهم بالأوزان كما لا يملكون روح الشعر؛ فكل ما هنالك يأتي أحدهم بإحدى المجموعات الشعرية لشاعرٍ معروف ويبدأ بكتابة وتصفيف بعض العبارات على نمط وأسلوب تلك المجموعة الشعرية التي قرأها؛ وهذا بالتأكيد كارثة حقيقية ويصبُّ في إطار التقليد والأمثلة كثيرة في الساحة الأدبية».
**أين وصلت القصيدة العربية في رحلتها الطويلة ابتداءً من الجاهلية ومروراً بالكلاسيكية وانتهاءً بالقصيدة الحديثة؟
*«بعد الخمسينيات لم يبق شيءٌ اسمه القصيدة العربية؛ بل أصبح الشعر العربي، فقد دخل شعر التفعيلة بدلاً من الشعر العمودي الذي كان الخط الشائع في القديم؛ وعند خروجهُ من هذا الشكل إلى شعر التفعيلة خُلِقَ نوعٌ آخر مُخالفٌ للشكل العمودي لكنهُ متآلفٌ معه، بعدها ظهرت قصيدة النثر والتي خالفت الشعر العمودي والتفعيلة معاً واعتُبِرت نصا شعريا. فالقصيدة العصماء التي كانت مُعتمدة على أسلوبٍ معيّن لم تعد موجودة؛ فالتطور في كتابة الشعر أمرٌ لا مناص منهُ لكن يبقى تقييمه هو الذي يحدد هويّته إن كان تقليداً أم ابتكاراً وإبداعاً بعيداً كل البعد عن تكرار التجارب التي سبقته، فالشعر النثري ساعد في ظهور أشياء وأمور جديدة وحتى أسماء جديدة لكن هذه الأسماء قليلة جداً ولا يمكن أن يصل مستواها إلى مستوى أسماءٍ خُلّدت في ذاكرة القراء أمثال "محمد الماغوط" الذي مرّ بتجارب شعرية عديدة كالشعر العمودي وقصيدة التفعيلة ومن ثم النثر؛ فهذه المراحل التي اجتازها جعلته يبدع في كتابة النثر بعكس الذين يبدؤون بكتابة النثر مباشرةً».
**يُسمع أن بعضهم ينادي بنهاية الشعر؛ ما رأيك بهذا الكلام؟
*«إذا كان ما يقولهُ هؤلاء صحيح فليأتوا ببيت شعر يُثبتوا من خلاله هذه النهاية التي يزعمونها؛ فالشعر لم يمت ولن يموت إلا بنهاية العالم».
**ما هي مشاريعك الأدبية في المستقبل القريب؟
*«هناك ثلاث مجموعات شعرية في مرحلة المراجعة النهائية؛ أيضاً هناك مجموعةٌ أخرى جاهزة للطباعة والنشر بعد الحصول على موافقة وزارة الإعلام واتحاد الكتّاب وستصدر قريباً».
معلوماتٌ عن الشاعر لا بد من ذكرها:
الشاعر "صُهيب السيد ذاكر" من مواليد مدينة "البوكمال" عام /1964/م
صدر للشاعر ثلاث مجموعات شعرية في أعوامٍ مختلفة وهي:
(هامسٌ هذا الصراخ) صُدِرت عام /1997/م
(بين يدي قلب) صُدِرت عام /2006/م
(انكسارات المُغنّي) صُدِرت عام /2008/م
شارك بمجموعة مهرجانات ضمن المحافظة وخارجها، حصل على المرتبة الثانية على مستوى القطر في مسابقة نقابة المعلّمين المركزية للشعر.