عندما يتحدّث المرء مع شخصٍ عادي؛ يبقى ذاك الكلام عابراً وينتهي في حينه، ولو تحدّث إلينا أحدهم عن همومه فربما نتأثر به بعض الشيء، لكن الألم والمعاناة تطول وتطول وتبدأ الكلمات بالاصطفاف عندما يكون الحديث مع "رياض ناصر النوري" الشاعر الذي قضى جلّ حياته ولا زال يبحث عن قصيدةٍ تُلملم جراحه العميقة وسط ضجيجٍ يقتحم وحدته في كل حين.
لقاء سيبقى في الذاكرة لذاك الرجل الذي لم يعرف القنوط وكانت تعاسة الحياة وسوداويتها رفيقة دربه الوحيد في مشواره الأدبي، فكان لا مناص لهذا اللقاء من أن يرى النور عبر موقع eSyria حيث أُجري في مدينة "البوكمال" بتاريخ 15/12/2009م.
الشاعر "رياض النوري" شاعرٌ مرهف الحس؛ شديد الحساسية تجاه المُفْردة؛ يبحث عن الجديد دائماً؛ تجربته واسعة وطويلة
بدايةً تحدّث الأستاذ "رياض" قائلاً: «مدينتي ومسقطُ رأسي لم تحتضن موهبتي في الكتابة ولم أجد بجانبي مَنْ أتمسك به لأعبر بر الأمان، كل ما كان بحوزتي عبارة عن مكتبة صغيرة لوالدي ورثتها عنه وتحتوي مجموعةً من الكتب المصفوفة بشكل فوضوي، كنت آنذاك في المرحلة الثانوية حيث بدأت بذور الكتابة تنمو لدي؛ فحاولت تدوين بعض الكلمات المنمّقة التي سرقتها من مخيلتي ويوماً بعد يوم باتت تلك الكلمات أكثر نضجاً من السابق، إلى أن جاءت الفرصة لإثبات ذاتي والافتخار بكلماتي البسيطة وذلك خلال المشاركة في عدة أمسيات شعرية كان يقيمها اتحاد شبيبة الثورة في محافظة "دير الزور" وكنت أنال إعجاب الحضور في كل مرة».
ثم تابع "النوري" حديثه قائلاً: «الشاعر لا يمكنه أن يكون إلا إذا التمس الشعر الحقيقي بغض النظر عن كاتبه، في أيامنا هذه الاسم هو الذي يُسوّق للشعر وليس العكس، بالنسبة لي وبرأيي لا يمكن أن أطلق على نفسي اسم شاعر قياساً إلى أسماء كبيرة في عالم الأدب والشعر، فالأضواء لم تقترب مني يوماً ولم يسمع أحدٌ ما باسم "رياض النوري" إلا على مستوى المحافظة. فأنا مثل الكثيرين من الشعراء في مدينتي ظلمتنا الأيام وبقينا أسرى ولم تسنح لنا الفرصة للاندماج مع مثقفي ومبدعي العاصمة والمحافظات الأخرى والتي تُعتبر مراكز نشيطة للحركة الفكرية والثقافية».
وعن الفرق بين قصيدة النثر في الأدب العربي والشعر المترجم؛ أجاب: «يعتقد الكثيرون أن قصيدة النثر ضد اللغة العربية وتساهم في إفشال الشعر وهذا الكلام معقولٌ نوعاً ما؛ فهناك محاولاتٌ حقيقية من البعض لتأكيد هذا الاعتقاد؛ إذ إنهم فهموا من مصطلح قصيدة النثر على أنه تقليدٌ للشعر المترجم وأيضاً اعتبروه نسفاً للغة العربية والخروج عن الوزن كما اعتبروه شتيمة ومهزلة، لكن الحقيقة ليست كذلك؛ فحداثة الشعر هي أسمى من كل هذه الاعتقادات، ومع ذلك هناك أمورٌ قد تسيء إلى هذا النوع الأدبي والذي يسمى الشعر؛ فالإنسان الذي يكتب قصيدة النثر ولا يعلم شيئاً عن شعر القافية وعن المدارس الشعرية القديمة؛ ووسائل الإعلام المقروءة التي تنشر بدورها قصائد شعرية لا تمتّ للشعر بصلة، كل هذه الأمور تساهم بشكلٍ أو بآخر في انحطاط الشعر. وإذا ما قارنّا النثر في الشعر العربي بالشعر المترجم فإنه لا وجود لأيّ اختلاف؛ بل البعد الإنساني هو الموجود لدى كليهما؛ لكن قضية الترجمة إلى لغاتٍ أخرى هي داعمٌ إضافي لنقل الشاعر إلى عالمٍ خارجي آخر غير عالمه الذي عٌرف فيه، وهناك الكثير من الأسماء الغربية التي ربما اشتهرت في العالم العربي أكثر من موطنها الأصلي مثل "لوركا" و"بودلير" و"ألبيرتي" وغيرهم. فما المانع من ترجمة دواوين شعرية لشعراء عرب إلى لغات أجنبية؟ وبرأيي هذه مسؤولية المترجمين العرب أنفسهم الذين يترجمون الكتب الأجنبية إلى لغتنا وينسون واجبهم الأهم في تعريف المجتمع الغربي بنتاج كتّابنا العرب».
وعن سبب توجه الكثيرين من الشعراء إلى قصيدة النثر والاستغناء عن القافية؛ أجاب قائلاً: «لم يستغن كل الشعراء عن قصيدة القافية؛ بل شكّلوا ونوّعوا في كتاباتهم بين الأنواع الشعرية المختلفة، فبالنسبة لقصيدة النثر فهي تُفسح لإبداع الشاعر امتداداً بلا حدود وتعطي لرؤيته نوعاً من الحرية، أما في قصيدة القافية فهناك قيودٌ تُكبل الشاعر وتمنعه من التحليق بخياله في فضاء الشعر الواسع. فمسألة قصيدة النثر ليست موضة يلتزم بها الشاعر اليوم وبعد عدة أيام يتركها ويتوجه إلى نوعٍ آخر؛ فالشاعر الحقيقي هو الذي يكتب بحرية ويطلق العنان لخياله بعيداً عن كل القيود وعليه أن يختار النوع الذي يناسب إلهامه ووحْيهُ الشعري».
وعن رأيه بتجربة شعراء مدينة "البوكمال" على الرغم من قلتهم؛ أجاب: «هي تجربة نقية دون أية استثناءات؛ لأنهم بكل بساطة لم يتلوّثوا بما هو ملوّثٌ في الوسط المحيط كما لم يدخلوا في الشلليّة وعصابات الأدب والمهادنة ومسح الجوخ، فالكل يتعب على نصّه الشعري؛ لذلك هي تجربة غنية غير أنها تفتقد إلى بصيص نور تُسلّط عليها وتخرجها من ظلمتها بغية إيصالها إلى قُرّاءٍ وناقدين حقيقيين».
وعن الدرب الذي سلكه في كتابته للشعر والشعراء الذين تأثر بهم؛ أجاب: «لا وجود لشاعرٍ بدأ من الفراغ دون أن يتأثر بشاعرٍ ما، أما عن نفسي فقد تأثرت بالكثير من الشعراء واقتفيت أثرهم لكن في كل قصيدة جديدة كنت أحاول خلق شيء جديد من روحي بعيداً عن روح الشاعر الذي أكتب بأسلوبه؛ لكنني لم استطع الخروج من قوقعة التقليد إلا بعد عناءٍ طويل ومع هذا أحاول حتى هذه اللحظة الكتابة بأسلوبٍ مغايرٍ عن الذي سبق أن كتبته، فالتجديد ضروريٌ من أجل الخروج من القوالب الثابتة والرتيبة».
أما عن طموحاته التي حققها؛ فأجاب: «حقّقتُ كتابة الكثير من النصوص الشعرية لكني أريد لها أن ترى النور، فإن كان ذلك يوماً ما فلتبقى للقراء ولا أريد لها أن تحمل المهادنة والتوسل والاستحسان لأي ناشر؛ وإن لم تر النور وبقيت حبيسةً في أدراج الطاولة فلتكن لي وتقاسمني وحدتي».
وقد كان لبعض الشعراء في المدينة آراءٌ في كتابات "النوري" فقد تحدث عنه الشاعر "صهيب سيد ذاكر" قائلاً: «يعتبر الشاعر "رياض النوري" من الشعراء الذين يجيدون كتابة قصيدة النثر بشكلٍ جيد فلهُ نَفَسٌ خاصٌ به وحده؛ كما أن أسلوبه في تركيب الصورة الشعرية يميّزه عن أسلوب الآخرين».
الشاعر "قيس صقر" قال عنه: «الشاعر "رياض النوري" شاعرٌ مرهف الحس؛ شديد الحساسية تجاه المُفْردة؛ يبحث عن الجديد دائماً؛ تجربته واسعة وطويلة».
الشاعر الشعبي "يوسف الخالد" قال: «شاعر حساس يمتلك المفردة والأسلوب الخاص به بعيداً عن التقليد؛ لديه صدق بتدوين الكلمة لذلك يعاني أثناء كتابته للقصيدة لشدة اندماجه بالكلام الذي يكتبه».
لم يبق إلا القول بأن الشاعر "رياض ناصر النوري" هو من مواليد مدينة "البوكمال" عام /1962/م متزوج وله طفلان، يعمل في حقل التعليم في أمانة السر بإعدادية "البعث".
له مجموعة شعرية وحيدة بعنوان "أريد قميصاً لهذا العاري" صادر في عام /1998/م
وله مشروع طباعة مجموعة أخرى بعنوان "هبات الحواس جنون القصيدة".
وأيضاً له مجموعة أخرى لا تزال قيد الكتابة بعنوان "رأيتُ رؤيتي".
وللشاعر الكثير من الكتابات المختلفة بين قصائد ومقالات ودراسات في صحفٍ ومجلاتٍ محلية وعربية.