حين كان النسيج المجتمعي في وادي الفرات يتألف من مجموعة من العشائر المتعاونة أحياناً والمتنافرة أحياناً أخرى، كان الفخر بالعشيرة والعصبية القبلية وثقافة الغزو على أشدها، في ذاك المناخ العشائري نشأ ما سمي شعر "الهوسة" وهو شعر أوجدته بالدرجة الأولى حاجة المحارب إلى جو من الحماسة.
و"للهوسة" معنيان: اللغوي منه كما ذكر في معاجم اللغة من الهوس وهو خفة العقل هاس يهوس هوساً: طاف بالليل بجرأة، أسد هوّاس، ورجل هوّاس أي شجاع ومجرب وهَوِس الناس هوساً: وقعوا في اختلاط وافساد.
في بداية نشوء "الهوسة" كانت تستخدم في الغزو ولإثارة حماسة الرجال المحاربين ودفعهم إلى النصر من خلال ترديدها بحماسة وعفوية، وكذلك في الخصومات بين العشائر، وبعد ذلك صارت تستخدم في المناسبات الاجتماعية كالخطبة والعرس وفوز مرشح في الانتخابات للبرلمان والاحتفال بالأعياد واستقبال الشخصيات الهامة وفي المظاهرات الوطنية
أما من حيث المعنى الاصطلاحي فقد التقى eSyria بالناقد والباحث الأدبي "ياسر الظاهر" الذي بينه لنا بالقول:
«يمكن تعريف "الهوسة" على أنها لون من ألوان الشعر الشعبي الحماسي ولا يأتي إلا على ألسنة أبناء المنطقة الذين فرضته عليهم الحاجة الملحة إليه، وكان يتألف في الأصل من شطر أو شطرين ثم صار يتألف من أربعة أشطر ثلاثة منها على قافية واحدة والشطر الرابع بقافية أخرى، ويتميز شعر الحماسة عموماً بخفة الوزن بحيث يمكن ترديده وإنشاده بعفوية، وله بحر قائم بذاته هو بحر "الخبب" على وزن "فعلن فعلن فعلن فعلن" ويكون الكلام فيه بسيطاً وسهلاً، ويوجد في كل قبيلة من يقول شعر "الهوسة" وقد يختص به مضمناً إياه الفخر بالعشيرة وأفرادها ومعاني الحكمة ووصف الخيل وربما وصف الغزوات والفخر بالانتصارات، وهذا النوع من الشعر هو في الغالب من شأن الرجال وحدهم وقد تتصدى المرأة لشعر "الهوسة" ولكن في مناسبات خاصة، ولشعر "الهوسة" طقوس خاصة حيث يصنع الرجال حلقة على صوت قرع الطبول يتم فيها إنشاد أبيات "الهوسة" أو أن الرجال يسيرون في موكب ويحملون البنادق ويطلقون العيارات النارية وأحياناً يحملون السيوف والعصي، وعموماً كان أبناء الفرات مولعون بهذا الفن البلاغي».
وحول تاريخ "الهوسة" في المنطقة ومناسباتها ووظيفتها فقد تحدث الأستاذ "عبد القادر عياش" عنها بالقول:
«"الهوسة" قديمة في الفرات ويعود تاريخها إلى عدة قرون، والفراتيون في الغالب هم مبتدعو هذا الفن والبيئة الفراتية بظروفها وسكانها من العشائر العربية هي بيئته، وكل مقطوعة مرتبطة بحدث معين في الغالب، ولذلك فإن "الهوسات" جزء من تاريخ سكان وادي الفرات، تقتضي من يتصدى لتاريخ الفرات أن يعنى بها وبمناسباتها وأحداثها، بلغ ذروته إبان ثورة 1920 في "دير الزور" والعراق ولقد أخذ بعض الكتاب العراقيين يعنون به ويسجلون أحداثه، ولشعر "الهوسة" وظيفة اجتماعية ككل أشكال الفنون الشعبية الشكلية والأدبية فليس الشعر عند العامة ترفاً فكرياً يمارس في خلوة وانقطاع عن الناس».
وفيما يتعلق بالمناسبات التي استخدم فيها هذا النوع من الشعر حدثنا السيد "عواد المحمد" بالقول: «في بداية نشوء "الهوسة" كانت تستخدم في الغزو ولإثارة حماسة الرجال المحاربين ودفعهم إلى النصر من خلال ترديدها بحماسة وعفوية، وكذلك في الخصومات بين العشائر، وبعد ذلك صارت تستخدم في المناسبات الاجتماعية كالخطبة والعرس وفوز مرشح في الانتخابات للبرلمان والاحتفال بالأعياد واستقبال الشخصيات الهامة وفي المظاهرات الوطنية».
وحول ما إذا كان لشعر "الهوسة" تسميات أخرى وعن انتشاره في المنطقة وفي مناطق مجاورة حدثنا الباحث "علي الجاسم" بالقول: «سمي شعر "الهوسة " في "دير الزور" "الحندة" وهذه التسمية ما تزال مستخدمة، حتى اليوم بشكل منفصل عن "الهوسة" للدلالة على حالة الصخب الناتجة عن حالة من الغناء مثلاً، كما وجد أيضاً "العقيلية" وهذه لا تنتمي إلى المنطقة بل إلى مجموعات "العقيل" النجديين الذين يعملون على حمل البضائع ويمرون بالمنطقة وهي لا تشبه "الهوسة الفراتية" فلها طابع مختلف، وتوجد "الهوسة" في دول الخليج مثلاً كجزء من تراثهم وتسمى "العرضة" ويشكل الرجال فيها صفين متقابلين ويتم ترديد الأبيات الحماسية على وقع الدفوف والطبول».
المراجع: "عبد القادر عياش" "من التراث الشعبي الفراتي" ص 255.