تشكل نظرية "العنوان" مدخلاً مهماً في دراسة النصوص الأدبية من قبل النقاد، وتلاحظ علاقة العنوان بالنص هذه الظاهرة بشكل جلي في القصة القصيرة.
eSyria التقى الناقد "ياسر الظاهر" أحد الذين يعتمدون هذه النظرية في دراساتهم النقدية ليحدثنا عن نموذج تناوله بالتحليل وهو المجموعة القصصية "القلادة" للقاص الديري "صالح عبد القادر" موضحاً دلالات العنوان في قصص هذه المجموعة، فتفضل قائلاً: «لكل مخلوق في هذا الكون اسم يوسم به، والنص الأدبي بكافة أشكاله يوسم باسم أو عنوان، والقارئ للنصوص الأدبية يبدأ قراءته من العنوان، وقد يكون هذا العنوان عميقاً متصلاً بالنص الأدبي اتصالاً دلالياً بحيث لا نستطيع الولوج إلى هذا النص دون الوقوف عند العنوان، وفي رأيي غالباً ما تكون عناوين
لكل مخلوق في هذا الكون اسم يوسم به، والنص الأدبي بكافة أشكاله يوسم باسم أو عنوان، والقارئ للنصوص الأدبية يبدأ قراءته من العنوان، وقد يكون هذا العنوان عميقاً متصلاً بالنص الأدبي اتصالاً دلالياً بحيث لا نستطيع الولوج إلى هذا النص دون الوقوف عند العنوان، وفي رأيي غالباً ما تكون عناوين النصوص الأدبية مفاتيح للكثير منها ولاسيما القصصية والروائية. والأديب البارع هو من يستطيع أن يجعل لكل نص مفتاحاً له صلة بفناء نصه. وهنا نتوقف عند مجموعة قصصية لأديب فراتي زين الفرات بقلادة فريدة تعد الأجمل والأبهى بين قلاداته العديدة فجميع قصص الأستاذ "صالح عبد القادر" كان لها مفتاح واحد يتألف من لفظة واحدة عدا قصة "موت الورد الأذفر"
النصوص الأدبية مفاتيح للكثير منها ولاسيما القصصية والروائية.
والأديب البارع هو من يستطيع أن يجعل لكل نص مفتاحاً له صلة بفناء نصه.
وهنا نتوقف عند مجموعة قصصية لأديب فراتي زين الفرات بقلادة فريدة تعد الأجمل والأبهى بين قلاداته العديدة فجميع قصص الأستاذ "صالح عبد القادر" كان لها مفتاح واحد يتألف من لفظة واحدة عدا قصة "موت الورد الأذفر"».
ويتابع "الظاهر" تحليله بالدخول إلى تفاصيل هذه المجموعة القصصية "القلادة": «فالقارئ لقصص هذه المجموعة يستطيع أن يدخل من خلال العنوان إلى النص القصصي لينتقل في فناء القصة وهو مطمئن أنه فتح النص ودخل فيه ليتعرف بسهولة على ما بين السطور من آراء وأفكار سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو حتى أخلاقية، ففي قصة "المأدبة " يدهش القارئ حين يعرف أن جميع شخصيات القصة كانت قد دعيت إلى مأدبة وحين يذهبون إليها يكتشفون في النهاية أن لا طعام وإنما أحاديث وآراء عن الأطعمة الشرقية والغربية، إلا أن أحدهم وبحدسه قد عرف أن لا طعام سيأكله في هذه الدعوة فاعتمد على نفسه وتزود بطعام كان قد دسه في جيبه قبل ذهابه إلى تلك الدعوة ومن مطبخه، فالكاتب هنا قد وظف هذا العنوان ليطرح رأيه في الثقافات الشرقية، والغربية وكل ذلك من خلال الحوار الذي دار بين الشخصيات المدعوة».
ثم يضيف "الظاهر": «إن العنوان مرتبط بالنص ارتباطاً وثيقاً، ويكاد يشكل العنصر الأول من عناصر قصة الكاتب، فلو استبدل العنوان بآخر لأصبح النص في رأيي يشوبه بعض الغموض الذي قد يودي بالبناء القصصي إلى السقوط، فالقصة تقوم أولا وأخيرا على العنوان "المأدبة" فبه ينفتح النص- يبدأ- وبه ينغلق- يختم- لقد كان القاص موفقاً في اختياره لعنوان هذه القصة، إذ إن المادة الأساسية للمأدبة هي الطعام ولفظة الطعام مفتوحة على جميع الاحتمالات فقد يكون الطعام نوعاً واحداً من مصدر واحد وقد يكون متنوعاً من مصادر كثيرة.
ما أتاح للشخصيات أن تعبر عن آرائها بيسر وسهولة دونما عناء أو تكلف، وكذلك مكّن الكاتب من طرح مجموعة من الأفكار والآراء من خلال لفظة واحدة جامعة هي لفظة العنوان "المأدبة"».
كما يتناول الناقد "ياسر الظاهر" مثالاً آخر من هذه المجموعة وهي قصة "السباق": «كذلك الأمر في قصة "السباق"، فعندما نقرأ العنوان يتبادر إلى ذهننا للوهلة الأولى أن محور هذه القصة سيكون سباقاً بين فريقين من الرياضيين قد يكون سباقاً للجري، أو لكرة القدم، أو للسيارات، أو للهجن، لكننا عندما نتعرف على النص، ونتجول في فنائه يتبين لنا أن لا شيء مما تبادر إلى الذهن قبل الدخول إلى الفناء القصصي للقصة، فالسباق هنا بين ثلاث شخصيات "سمير اللوزي"، "عارف الحديدي"، "أحمد الطيب"، الأولى والثانية تسابقتا ووصلتا سريعاً نحو الثراء/ الغنى.. ولكن بطرق غير شرعية وإنما كانت مساربها ملتوية ملتفة وأساليبها غير صحيحة، فسمير وعارف تغيرا كثيراً وصارا لا يشبهان "أحمد" الذي عرفهما منذ سنوات.
فهما أصبحا من أثرياء البلد ومن أصحاب الكروش الممتلئة، أما هو فبقي على حاله "على طيبته" راضيا بحياته وبعالمه المعيشي ولا يريد أن يلحق بهما فليذهبا وما فعلاه إلى المزبلة.
إذاً نحن أمام عنوان آخر وظفه القاص ببراعة، فالسباق هنا نحو الثراء نحو البدانة نحو المادية نحو الشر.. الخ وليس سباقاً رياضياً تنافسياً.
إن "أحمد الطيب" الشخصية الثالثة في هذه القصة لا يريد الدخول في سباق يتناقض مع مبادئه، فالزمن زمن الوصول، بل الوصولية لكن النهاية "ستكون بعد ذلك إلى القمامة"، هذان مثالان يؤكدان ببساطة وتلقائية فكرة أن العنوان مدخل إلى عالم القصة..».
ولا يلبث الأستاذ "ياسر الظاهر" أن يستكمل تحليله بتطرقه لبقية الجوانب الفنية عند "صالح عبد القادر" في مجموعته "القلادة"، إذ يقول: «إن جميع قصص المجموعة كتبت ما بين عامي 1987 و1993 وهي مطبوعة ومنشورة سنة 2006، وقد ضمت تسع قصص لم يرتبها الكاتب حسب تاريخ كتابتها لذلك نحار حين نريد أن نرصد التطور الفني لقصص الكاتب فقصة "المأدبة" المؤرخة في 1987 كانت ناضجة فنياً إلى حد ما من حيث الأسلوب والوصف وتوظيف المفردات وطريقة السرد، وكذلك في براعة الوصف.
أما قصة "العودة" المكتوبة عام 1993 وهي آخر قصة في الكتاب نلاحظ دقته في الوصف: وصف الأشياء، ووصف الشخصيات- الأمكنة- وصف المشاعر من خلال تصرفات الشخصية، وقد كانت من بين قصصه الناجحة فنياً، ومن أكثرها تفرداً بإبراز العنصر الرومانسي، ولا سيما حين يصف لنا "الأبنية- الطبيعة- اللقاء".
قصص "القلادة" لصالح عبد القادر تستحق أن تكون قلادة لفراتنا الحبيب».