«أكلة» لها طقوسها الخاصة، وربما كانت «المشحمية» من أشهر المأكولات في دير الزور، وربما لا تختلف نساء دير الزور في طريقة إعدادها، ولكن من أصول إعدادها المتعددة أن تكون مشوية في التنور.
هذه الطريقة تحدثت عنها السيدة «أم مرعي» لـ edair-alzo حيث التقيناها داخل بيتها، وبقرب «تنورها» الذي يروي حكايات الجدة، لنشهد تاريخ الزمن الجميل.
تقول «أم مرعي»: «المشحمية» الديرية الحقيقية يجب أن تكون دسمة، حيث تعجن اللحمة مع البصل والبهارات الخاصة والعصفر، والعنصر الأخير مكون أساسي من مكوناتها، وهي تقدم في جميع المناسبات، وقد كانت الجارات سابقاً يتسارعن ويتسابقن إلى صنعها، وإذا كانت أغلب الأفران الحديثة الآن تقوم بصنع «المشحمية» إلا أن «مشحمية التنور» يبقى لها الطعم المميز، حيث أن سعر الكيلوغرام الواحد منها مرتفع، ويصل أحياناً إلى 500 ل.س، فهناك إذاً إقبال على شرائها، فهي «أكلة غير شكل» كما يقول الديريون.
وتضيف «أم مرعي»: «مشحمية التنور» اشتهرت منذ القدم، حيث كان الناس في الماضي قليلي الاعتماد على «مشحمية» الأفران الحديثة، فقد كانت النساء يصنعنها ويتنافسن في مهاراتهن بصنعها، فلا يكاد بيت ديري يخلو من وجود «تنور الطين» لصنع الخبز المنزلي و«المشحمية» وغيرها من المأكولات الديرية اللذيذة، حيث يأخذ «التنور» مكانه في أحد زوايا البيت، وبالقرب منه كميات من الحطب.
عن علاقة أهل الدير بـ«المشحمية» ترسم «أم مرعي» لنا التفاصيل بالكلمات فتقول: هي انعكاس للحياة البسيطة، وتجسد كرم الضيافة العربية في «طحين وماء ولحم» لتبقى مصداقاً على أن الإنسان العربي يكرم ضيفه بأهم مقومات حياته اليومية، و«المشحمية» تعتبر من أهم مظاهر إكرام الضيف وإنزاله منزلته الكبيرة المستحقة في المناسبات، كما تمثل طريقة مميزة للاحتفال بقدومه، وهي متوارثة عبر الأجيال منذ القدم، وتتصدر موائدنا إلى الآن.
«أم مرعي» «خبّازة محترفة» منذ سنوات، وهي تعتبر أن «المشحمية» بواسطة «تنور الطين» تحتاج لخبرة في كيفية التعامل، ولتهيئة «التنور» وفق درجة حرارة معتدلة، وهي تحتاج كذلك إلى «نفس طيبة» كما أن طعمها وشكلها يختلفان من «خبَّازة» لأخرى، وتضيف: أنا أهتم بطريقة العجن وتجانسه مع كمية الماء والملح والخميرة، ولكن المعاناة هي في نوع الطحين، فقبل سنوات كان الطحين يميل إلى السمرة أكثر منه إلى البياض، وكنت أعاني في تثبيته داخل «التنور» أما الآن فقد تحسنت نوعية الطحين.
إلا أنه من اللافت للانتباه، أن «أم مرعي» جعلت من صنع «المشحمية» وخبز «التنور» رأسمالها الرئيسي، انطلاقاً من واجبها الأسري، كي تعيل أسرتها وتساعد أولادها على تلبية متطلبات الحياة الصعبة، فعيناها تكتنزان بالأمل وهي تحمل رغيف «المشحمية» بطريقة مبتكرة، طريقة تحيي فيها عاداتنا وتقاليدنا «الفراتية الديرية» لتكون على موعد مع الأصالة والحنين.
«أم مرعي» التي تتخذ من «الخبازة» مصدر رزق لإعالة عائلتها تقول: هذه المهنة ليست سهلة هذه الأيام، فأنا أخبز بـ«تنور الطين» الذي يحتاج كميات كبيرة من الحطب، مع ملاحظة صعوبة الحصول على الحطب من بقايا الأشجار ومن مخلفات النجارين من الخشب.