"المزملة" أو "الحِبْ" تلك الآنية التي كانت تحتجز مكاناً مميزاً لها في البيت "الديري" من أجل تبريد الماء أولاً، ولكي يتعارك الأطفال حول الماء المقطر النازل منها إلى آنية صغيرة حول من يشربه ثانياًً، ولا تزال بعض قطع "المزملة" محفوظة في عدد من المنازل "الديرية" سواء كانت مستخدمة أو متروكة للذكرى.
تحدث عنها الباحث "عبد القادر عياش" في كتابه "من التراث الشعبي الفراتي" واصفاً إياها وذاكراً سبب التسمية: «"المزملة خابية-من الفخار- لحفظ الماء تكون وسط كرسي من الحجر الرخامي أو الكلسي أو من الخشب، سميت "مزملة" لأنهم يزملونها "بخيش" لتبريد الماء في الصيف ولحفظها من التشقق في الشتاء ويوضع تحتها وعاء من الفخار يسمى "قحف" وتغطى بغطاء من الخشب».
كانت "المزملة" تصنع في الغالب في مصنع "البصيرة" للفخار والذي توقف عن العمل منذ سنوات عديدة بسبب تراجع الاستهلاك لانتشار البرادات الحديثة
وللتعرف على صناعتها التقينا السيد "عبد القادر سلامة" الذي عمل في مهنة صناعة الفخار لسنوات طويلة فحدثنا قائلاً: «لا تختلف صناعة "المزملة" عن صناعة بقية قطع الفخار في خطواتها الأساسية، حيث يؤخذ ما يتركه فيضان النهر من طين بعد جفافه ويوضع في أحواض خاصة تخلط بالماء والرمل والملح، إلا أن نسبة الرمل تكون أكبر في "المزملة" وذلك من أجل تشكيل مسامات تسمح بترشيح الماء، كما تزاد نسبة الملح من أجل الصلابة والقدرة على مقاومة عوامل التجوية، بعد الخلط تصفى هذه المواد من خلال مناخل خاصة ثم تترك في أحواض للتجفيف وتغطى بالخشب أو النايلون للحفاظ على ليونتها، ثم تخلط مرة ثانية وتداس بالأرجل حتى تتجانس الحبيبات، ثم تقسم إلى قطع متساوية للبدء بالعمل.
وفيما يخص "المزملة" فالعمل يبدأ من القاعدة التي توضع بعد صناعتها في مكان غير معرض للشمس حتى تصبح صلبة بحيث يمكن البناء عليها، ثم تعود القاعدة للمرحلة الثانية وهي إضافة البناء وعادة لا يتجاوز عشرين سنتيمتراً ثم ترجع للمكان نفسه للتجفيف أيضاً والوصول لحالة القساوة التي يمكن البناء عليها مرة أخرى، ومراحل العمل هي التي تحدد حجم "المزملة" التي تبدأ من سعة عشرين لتراً إلى سعة 200 لتر بعدها يقوم الفخار بوضع بعض النقوش والكتابات التزيينية وفقاً لموهبته».
أما المرحلة الأخيرة في صنع "المزملة" فحدثنا عنها قائلاً: «بعد تجفيف قطع "المزملة" تصف بشكل هندسي ثم تدخل إلى الفرن بحيث تكون كل منها داخلة في الأخرى حسب الحجم ويستمر الشيّ عشر ساعات يبدأ بنار هادئة ثم يتدرج بالارتفاع حفاظاً على الفخار من التشقق».
أما عن اللون المثالي فقد سألنا السيد "عبد الحكيم سلامة" الذي عمل في صناعة الفخار قرابة عشرين عاماً فأفادنا: «اللون المثالي هو الأبيض المائل إلى الإصفرار وهذا هو اللون المطلوب للترشيح، أما الألوان الأخرى كالأحمر مثلاً فهو يدل على أن الترشيح ضعيف وصلابة الفخار كذلك أما الأخضر فيدل على أن ذرات الرمل قد احترقت وانعدمت المسامات، وقد تضاف إلى طين المزملة في البداية مادة تسمى "البردي" وهي تلك الخيوط الشعرية المحيطة بنبات الذرة فهو يساعد على تشكل المسامات في الفخار».
وفيما يتعلق بانتشارها الحالي فقد بين لنا: «كانت "المزملة" تصنع في الغالب في مصنع "البصيرة" للفخار والذي توقف عن العمل منذ سنوات عديدة بسبب تراجع الاستهلاك لانتشار البرادات الحديثة».
أما عن القطع الملحقة "بالمزملة" فقد التقينا السيدة "سعاد الصالح" ربة منزل، فأجابتنا قائلةً: «كان يأتي مع "المزملة" "القحف" وهو آنية من الفخار أيضاً توضع تحت "المزملة" ويأتي "المحمل" الذي يرفعها والذي كان من الخشب ثم انتقل الناس إلى استخدام المعدن، كما تلحق "بالمزملة" "طاسة" من النحاس لشرب الماء وأيضاً ما يسمى "المنشل" وهو مصنوع من خوص النخيل و"للمزملة" عموماً ولكل متعلقاتها مكانة بارزة عند كل الأسر "الديرية" خاصة الماء النازل منها فقد كان يتشاجر الصغار حول من يشربه، حتى إن الكثير من الناس مازالوا يحافظون عليها على الرغم من عدم استخدامهم لها والبعض يستخدمها ويفضلها على الآلات الحديثة في تصفية الماء وذلك لخصوصية طعم الماء فيها».