تعددت الأساليب لكن الرابح الأكبر هو "الفن"، فالإنسان قطعة فسيفساء صغيرة، في لوحة البشرية المتراكمة عبر ملايين السنين، لكنه بطبعه الذي يسعى إلى التميّز، يحاور نفسه، كيف يكون؟ وبأي شيء يكون؟ وماذا يمكن أن يضيف هذا التميّز؟ للبشرية أولاً، وللمبدع نفسه ثانياً؟.
هذا هو حال شابٍ من أبناء "سلمية" وجد نفسه في خضم البحث عن التميّز، وإن كان لا يقصده، فقد قصده لأنه أول من طرق الباب بفسيفسائه الزيتي الصنع، إنه "عمار علي القصير" الذي دخل الفن متأخراً، ولكن أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً.
موقع eSyria أجرى معه الحوار التالي يوم الأربعاء 24 حزيران 2009 ليتعرف أكثر عن فن الرسم الفسيفسائي الزيتي:
** ربما لم أكن بوارد أن أدخل غمار الفن، أو ممن يخططون لمستقبلهم على بساط من الإبداع، لكنني وفي أحد متابعتي لبرنامج تلفزيوني علمت اكتشاف لوحة مصنوعة من الفسيفساء في مدينة "سلمية" وبقي الخبر خبراً، وقلة من شاهده، أو أسعفه الوقت لذلك، هذا الاكتشاف سعدت به بنفس القدر الذي أحزنني على اختباء هذه اللوحات عن أعين الناس لعدم وجود متحف عندنا، ومثل هذه الأشياء مكانها المتاحف حكماً، فكان الهاجس دافعي لإعادة هيكلة هذه اللوحات ولكن بأسلوب جديد، وحاولت كثيراً الحصول على صور فوتوغرافية لهذه اللوحة سواه، ووفقت بذلك، واتجهت أخطط للأسلوب الأنجع في صياغة هذه اللوحات النادرة ولكن بأقل تكلفة ممكنة، فوجدت أن الألوان الزيتية خير معين لذلك، وهكذا كان.
** ربما لم أكن أملك المعلومات الكافية عن هذا الفن، لأنه بعيد عن تفكيرنا، وربما لا نتذكره إلا متى شاهدنا لوحة من هذا النوع، ولكن ما إن وجدت نفسي داخل لوحةٍ فسيفسائية، حتى وجدت نفسي أبحث عن المعلومات حولها، من هنا أدخل في الإجابة على السؤال لأقول: كان فن الموزاييك "الفسيفساء" وعبر التاريخ يعتمد على مادة "الفخار" ومن ثم انتقل إلى "الحجر" والمكان يلعب دوراً كبيراً في هيكلة اللوحات، ونوعية الحجارة المستخدمة، في مراحل لاحقة باتت مادة الزجاج هي العامل المكون للوحة.
** كان بإمكاني أن أصارع الحجر، أو أن استخدم الزجاج، ولكن هذا عمل تقليدي "كلاسيكي" وهنا أكون كمن لم يقم بفعل شيء سوى نقل عن منقول، فوجدت أن مادة القماش كانت مغيبة عن فن الفسيفساء، فرأيت فيها ضالتي، خاصة وأن الكل يقول وجدت حصيرة من الفسيفساء، هذه الحصيرة قد تكون من الألياف "اللباد" وقد تكون من خيوط النايلون، فلماذا لا تكون من القماش، فقررت أن يكون القماش هو الأرضية التي أستند عليها.
** الألوان الزيتية طرية، مطواعة، تحوي بين جنباتها مئات الألوان، أضف إلى ذلك سرعة الإنجاز، وسهولة تطبيق الشكل المراد رسمه.
** بعد اختيار الشكل الذي أود رسمه، أجد نفسي أمام مرحلتين من العمل، الأولى: هي رسم الشكل على لوح خشبي بعد أن أقوم بتأسيسه كما هو الحال في الفن التشكيلي، ثم أقطع اللوح إلى مربعات صغيرة بحجم 1×1 سم لكل مربع، أو أحياناً حسب طبيعة الشكل، بعد ذلك أنتقل إلى المرحلة الثانية والتي هي إدخال اللون المناسب داخل هذه المربعات، مع المحافظة على إظهار الفراغات ما بين المربعات.
** طبيعة اللوحة الفسيفسائية أنها تعتمد على عمق اللون، إضافة إلى التدرج فيه، قديماً كان الاعتماد على ألوان قوس قزح وتدرجه، وهذا التدرج هو الذي يعطي هذا العمق اللوني، أما بالنسبة لي، فإنني أحاول أن تكون الألوان قريبة من واقع العنصر الذي أرسمه، فمن اللوحات ما يعتمد على الشكل التجريدي بالرسم، والبعض الآخر قريب من الفن الكلاسيكي.
** بالتأكيد، فما من شيء يرسم إلا وله دلالة أو رمز ما، ولعل الحيوان هو الكائن المنافس للإنسان على هذه الأرض من حيث فطرته، وغريزته، وبالتالي كان استخدام الحيوان عبارة عن حالة هروب من مواجهة الواقع الراهن في زمن اللوحة، فاعتمد الفنانون على هذه الكائنات لتعبر عن سخطهم، أو تفاؤلهم، أو حتى حالات فرحهم، فكان لها رموز دينية محكومة بالعقيدة التي تحكم مجتمعاً من المجتمعات، فكان يرمز بـ "السبع" إلى القوة، في حين ترمز الأفعى إلى "الشفاء"، ولهذا السبب كانت شعاراً لنقابة الصيادلة، أما "الحمل" فيرمز إلى الأضحية التي تقدم كنذر للقوة العليا حسب المعتقد الديني لكل شعب، ولكن وجود طفل يحمل "خروفاً" فهو يرمز إلى السيد "المسيح"، وجاء "الديك" ليرمز إلى القديس "بطرس"، و"الطاووس" إلى الخلود، ووجود حمامتين ترمز إلى "الروح القدس".
** بالتأكيد، فكما للحيوان رمز، كذلك النبات، فزهرة "الرمان" ترمز إلى الذرية الصالحة، و"الزنبق" إلى الروح المتصاعدة، أما الزهرة الأشهر "اللوتس" فهي ترمز إلى الروح الطاهرة المتصاعدة، و"الشجر" و"النخيل" يرمزان إلى الحياة، و"العنب" إلى آلهة الخمر، وغيرها كثير.
** خذ مثلاً امرأة تحمل سلة من الفواكه، هذا يعني أن زمن اللوحة هو فصل الربيع، ولو حملت إناء ماء لرمزت إلى فصل الشتاء.
** أكثر اللوحات التي تعتمد على الأشكال الهندسية، هي تلك التي توجد في الأديرة، والكنائس، وربما أشهرها شكل "الصليب" والذي تعددت طرق تشكيله، كذلك شكل "الزوبعة" والذي يرمز إلى الأبدية، أما "المثلث" فله رموز حسب توضعه، فإن كان رأسه إلى أعلى فإنه يرمز إلى الآلهة، أما إذا كان إلى الأسفل، فإنه يرمز إلى الأرض.
** اللوحة وطبيعة ما بداخلها يفرضان الوقت اللازم، ولكن في أغلب الأحيان أنجز اللوحة في غضون ثلاثة أشهر.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان "عمار القصير" هو من مواليد "سلمية" في العام 1971. له أربع مشاركات في معارض مختلفة، آخرها كان في المعرض الذي أقامه فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في "حماة" ضمن فعاليات مهرجان ربيع "حماة" الثاني عشر، وقبلها في معرض أقامته "جمعية أصدقاء سلمية"، وثالث مع المجلس الإسماعيلي المحلي، ورابع كان في مهرجان "سلمية" الثقافي السياحي الأول.