«كما أن الموسيقا تعتبر لغة عالمية، فإن الفن التشكيلي يعتبر أيضاً لغة عالمية، فالفنان التشكيلي بلوحاته يخاطب الإنسان مهما كان عرقه وكانت لغته، أو يحاكي إنسانيته وأحاسيسه، وباستطاعة كل إنسان أن يقرأ اللوحة التي أمامه وأن يشعر بالدوافع والأحاسيس والظروف التي جعلت الفنان يقدم على رسمها».
هذا ما تحدث به الفنان التشكيلي "شادي عيسى" لموقع eSyria يوم الثلاثاء 14 تموز 2009عندما زاره في استوديو التصوير الضوئي الذي يملكه في قرية "بري الشرقي" التابعة لمدينة "سلمية" وأجرى معه اللقاء التالي:
** أعتقد أن الفترة الزمنية التي عشتها مع أسرتي بليبيا بحكم عمل أبي، كان لها التأثير الأكبر على نمو الخيال لدي، فكنت أحب رسم كل مكونات الطبيعة الصحراوية الليبية، كالجمل وشجر النخيل، وأحب أن أنقل كل شيء أرسمه بشكل متقن، وبعد عودتي لسورية بدأت في المرحلة الإعدادية الرسم بالفحم، وشاركت في المعارض التي كانت تقيمها المدرسة، حتى أنني شاركت بمسابقة "رابطة شبيبة سلمية"، وحللت في المركز الأول وقتها، ولم أتبع أي دورات والظروف التي منعتني من متابعة الدراسة الثانوية قطعت الطريق نحو الدراسة الأكاديمية.
** لا توجد أي غاية أو هدف مادي إن كنت تقصد ذلك، ولا أشعر بنفسي إلا متجهاً إلى اللوحة، يمكن أن يكون حبي للرسم وللألوان ورائحتها، أو شيء يدفعني من الداخل لمزج الألوان ووضعها على القماش، ولكن باعتقادي إن كل إنسان خلق من أجل رسالة يجب أن يؤديها في الحياة، والفنان مصور لواقعه وبيئته، قد تكون هناك حالة أعيشها لا أستطيع التعبير عنها إلا بالرسم أو هناك فكرة طرأت من خلال مشهد معين.
** عندما تقول كلمة فنان فهذا يعني توافر صفات كثيرة يتمتع بها ذلك الشخص جعلته مختلفاً، ومن هذه الأشياء النظرة المختلفة للأشياء وللعالم، فعادة ما تكون أكثر حساسية وأكثر رهافة، ولعله يصل إلى مرحلة رؤية الأشياء التي لا يراها سواه، لأنه يهتم بالتفاصيل وبالعلاقات المكونة لتلك التفاصيل. ولكن برأيي هذا لا يبرر أن يتجه الفن بهذه الطريقة إلى عالم غير مفهوم، صحيح أن مهمة الفن هو الارتقاء بالذائقة الإنسانية الجمعية، ولكن بشرط أن تكون هنالك صلة بينه وبين الناس، أي يرتقي بهم وهو نابع من واقعهم، لا أن يأتي إليهم من عالم لا يدركون ماهيته.
** كانت البداية عند نجاحي إلى الصف الثالث الإعدادي عندما جاءت علبة الألوان كهدية بمناسبة نجاحي، وبطبيعتي أستخدام الألوان الأساسية الثلاثة: الأحمر الأصفر والأزرق بالإضافة للون الأبيض في مزج اللون الذي أريده، وليس اللون وحده يجعل اللوحة معبرة، هنا تبرز قدرة كل فنان بطريقة استخدامه للون والحركة باللوحة، والتكوين اللوني للوحة كوحدة متكاملة منسجمة لربط عناصرها تساعد أيضاً في ذلك.
** أعتمد أحياناً على الرسم بالسكين، فأمازجه مع ضربات الفرشاة أو الريشة على أن يكون العمل في إطار روح واحدة، هناك لوحة توثق للزي في "سلمية"، والوجه لشخصية في القرية يدعى "أبو صباح" قمت برسمه بهذه الطريقة.
** لا أستطيع أن أحدد متى أبدأ ومتى أنتهي من الرسم، وليس هناك فترة زمنية محددة لإنجاز اللوحة، وبرأيي إن أي لوحة هي عمل غير منتهٍ وقابل للإضافة في أي وقت كان، حتى بداية اللوحة لا أستطيع تحديده لأن الرسم ليس لحظة وضع أول لون على القماش، بل هو لحظة ولادة الفكرة والتي غالباً تأتي من خلال تداعيات فكرية ونفسية من الصعب تحديد زمنها بدقة.
** ما زالت النظرة محدودة في مجتمعاتنا الريفية للفن بشكل عام والتشكيل بشكل خاص، فنحن لم نتجاوز بعد لوحة المنظر الطبيعي الذي يعرفه كل الناس، هناك من يهتم.. ولكن الطموح أوسع مما هو موجود على أرض الواقع.
أما عن المواضيع التي أرسمها، فهي متنوعة، ولكنني مهتم بتوثيق الفلكلور الشعبي والحياة البسيطة في منطقتنا في لوحاتي، وهناك فكرة معرض سأقدم من خلاله لوحات تتضمن لباس أهل المنطقة (الزَّي السلموني) وذلك في المركز الثقافي بـ"سلمية" الشتاء القادم.
** المرأة هي الوقود، هي الملهم في مجالات إبداع الرجل، وأنا مع مقولة (علموا نساءكم العظمة، فوراء كل رجل عظيم امرأة)، هي تعطي الشحنات والطاقة، ولا أستطيع أن أعيش من دون حب كما يقول مطربنا الشعبي "أبو صادق": (واللي ما براسو هوى ع العمر ما لو كار، موتو وحياتو سوى متل الحجر بالدار)، ولا أخفيك بأن حبي لفتاة هو الذي جعل مني فناناً، فهي كل لوحاتي وفني، ولا تخلو لوحاتي من المرأة واللوحات المعبرة عن الحب.
** جميعها غالية وأعتبرها جزءاً من روحي، ولكن هناك أول لوحة قماش قمت برسمها وهي صورة امرأة ريفية، ووقتها لم أكن أعلم كيف يتم شد لوحة القماش على إطار الخشب.