ليس من قبيل المصادفة أن تلتقي رجلاً يعرف ماذا يريد أكثر من غيره، وأن يكون واضحاً وضوح الشمس، له قناعته الخاصة التي لا يمكن لك إلا أن تحترمها، والد عطوف لكنه في نفس الوقت فنان يحب جدته حتى آخر الحب، فكانت بطلة للعديد من لوحاته. إنه الفنان التشكيلي "فايز عبد المولى" في حوار مع موقع eSyria والذي أضاء فيه النقاط التي يعاني منها الفنان التشكيلي في سورية والوطن العربي عموماً.
** إن كانت الإجابة جد مختصرة فإنني أقول أنني لست براضٍ عنها.
** يمكن أن أقول أن واقع الفن التشكيلي قبل 15 سنة أفضل منه الآن، فالساحة الفنية نادراً ما خلت من أسماء لامعة، رغم أن الحركة بطيئة، بل وبطيئة جداً، ويعود هذا لأسباب عدة أهمها: انتشار صالات العرض الخاصة واهتمامها ببعض الأسماء دون غيرها، الأمر الآخر هو قلة المعارض التي تقيمها الدولة، ولا يوجد سوى معرض واحد في السنة، كذلك هناك شيئان تلازما فأنتجا خمولاً فنياً، وهما الحالة الاقتصادية للفنان، والحركة الثقافية المتعثرة، لا شك أن هناك فعاليات لكنها لا تلبي الطموح، وهذه الأمور يمكن سحبها على كافة أنواع الفنون باستثناء الدراما التي أنقذت نفسها.
** بقي منه لوحتان فقط، واحدة يرسمها ليثبت أنه فنان ويجب أن يلقى احتراماً على ذلك، احتراماً فقط، والثانية يرسمها بأسلوب تجاري وهذه كي يعيش، في اللوحة الأولى يكون الإنتاج قليل، بينما في الثانية غزارة الإنتاج عامل ضروري لكسب المال.
** بكل تأكيد، وبكثرة، ولكن التزمت ألا أوقّع عليها، فكنت أستخدم أسماء أصدقائي لأكتبها على اللوحات.
** الفارق يمكن بالإحساس والمعرفة، في اللوحة التي تخصني يعمل العقل أكثر مما تعمل الريشة، بينما في التجارية لا مكان للعقل إلاّ قليلاً.
** اللون هو فيزياء بصرية، ونعتمد باستخدامه على التوازنات، أو الذبذبات اللونية المتجاورة، والمتباعدة. وأنا في هذه الفترة أعمل على التزاوج بين الألوان الحارة والباردة، على أن يكون هذا التزاوج أليفاً، واللون المتمم هو الذي يخلق التناغم بصيغة بصرية جميلة ومحببة إلى القلب، كما وأنها تخدم المشروع الذي أفكر به.
** سنأخذ مثالاً لوحة "الشير" والشير هو المنطقة الصخرية المرتفعة والمطلة على التجمع السكاني، نجد فيها توازنات ومنمنمات كثيرة، بالمقابل هناك مساحات حديثة، واسعة، وبسيطة، هذه اللغة، أي التضاد بينهما هو هدف العمل، عندما أعطي الضد حقه أظهر حسن العمل، وفي اللوحة يوجد زوجان والتجريد خلفهما، وهناك أشياء موجودة في الظلال، كما ويوجد أشياء في العتمة.
** الإنسان هو الأساس، وصيرورة الحياة تبدأ ساعة الاستيقاظ حتى الولوج إلى الفراش في ساعة متأخرة من الليل، وما بينهما حياة ملأى بالفراغ، الفراغ الذي يوحي بملء الوقت، والانشغال، كل هذا يحركه شيء واحد "الجنس".
** لا أستطيع أن أترك بلدي، لو فعلت كأنني أُقلع من جذوري، أنا فرد من شعب يستحق أن يكون من أوائل الأمم.
** يمكنني أن أعتبر أن إقلاعي عن التدخين هو الخطوة الأولى في دخولي إلى الحضارة، وأنا أخجل من نفسي أنني كنت في يوم ما من المدخنين، هذا ما أعتبره حدثاً تاريخياً قمت به، وإن كان بإمكان الجميع أن يقلعوا عن التدخين، وأنا أدعو المدخنين جميعاً أن ندخل الحضارة معاً في لحظة تاريخية، لحظة نقلع عن التدخين.
** بصراحة، لا يوجد إعلامي تشكيلي متخصص، كما لا يوجد ناقد تشكيلي دارس، وساحتنا الفنية تخلو من هذين. فالنقد هو الذي يجعلنا كباراً، وأين يمكن أن يكون مكاننا في العالم، هناك فنانون يركضون وراء الصحافة، وآخرون يتوارون عن الأنظار، وأنا منهم... ولكن هذه المرة وقعت في شباكها.
** هي المرأة التي استفزتني كثيراً فكانت سيدة جميلة برغم كبر سنها، وضيفة عزيزة على لوحاتي، أعتقد لا يوجد فنان في العالم رسم جدته كما فعلت أنا، لم أبحث عن التميز في هذا الخصوص، ولكن جدتي تستحق مني ذلك، بل وأكثر.
** الفن الحديث هو شامل لكل المدارس، وأميل أكثر إلى المدرسة الانطباعية، هؤلاء الذين يعملون تحت أشعة الشمس.
** كغيري من باقي الفنانين ممن آمن بعدم بيع أو إهداء أو التخلي عن أول لوحة، ولكن بعد مضي زمن طويل اكتشفت كم من الغباء أن يحتفظ الفنان بأول لوحة، أو حتى أية لوحة تعجبه، لأنه سيتوقف عندها، سيبقى رهناً لها، يبحث في عيوبها كلما نظر إليها، ووصلت إلى قناعة مفادها: (إن أردت أن تبدع لوحة جديدة.. تخلى عن باقي لوحاتك) ولكن هذه المقولة، أو القناعة كما أسميتها لا يمكن لها أن تتحقق في ظل الكساد الذي تعيشه اللوحة ذاتها في مرسم مبدعها، لذلك تبقى اللوحة الأولى، وربما اللوحة ذات الرقم /100/ أمام ناظرنا، ومع هذا نحاول أن نخترق خطوطها لنبدع من جديد.
* أمنيتك الفنية؟
** كثيرة هي الدول التي خلدها فنانوها، وأنا ممن يرجو أولاً، ويتمنى ثانياً أن يكون هناك متحف فني له أفرع في كل المحافظات، لنستطيع مواكبة الحركة الفنية المعاصرة.
والجدير ذكره أن الفنان التشكيلي "فايز عبد المولى" من مواليد مدينة "حماة" في العام 1957 وهو خريج من معهد الميكانيك، ثم درس في معهد الفنون، له مشاركات عديدة في معارض فردية ومشتركة داخل القطر وخارجه، ويشغل حالياً منصب أمين سر مركز "سهيل الأحدب" للفنون التشكيلية.