إن كنت من "حماة" المدينة، فحكماً سمعت بهذا الاسم، أما إن كنت مدرساً لمادة التربية الفنية في مدارس المحافظة، فيجب أن تعرفه جيداً، هو فنان تشكيلي، وموسيقي، يعيش الحياة كما هي، مدرس في مركز "سهيل الأحدب" للفنون، أب لخمس صبايا وولد وحيد اسمه "سعيد" ولأن "أبو سعيد" فنان يشار له بالبنان، فلا يمكن أن تمر في تاريخ الفن التشكيلي في هذه المحافظة دون أن تذكر اسم "بديع العوّير" الفنان والمربي، والموجه، والباحث عن رحلة كونية تضعه عند حدود كل قلب محب للفن، للبساطة، لعنين الناعورة.
موقع eSyria التقى الفنان "بديع العويّر" يوم السبت 10 تشرين الأول 2009. وكان الحوار التالي:
** أخشى عليها من الهرم، وهي قد وصلت سني الشيخوخة، ولهذا عدد من الأسباب يبدو من أهمها ضعف الدعم الإعلامي، واقتصار المعارض على ما تقيمه الوزارة من معارض سنوية، ولكن الأهم من ذلك كله أننا نتميز عن باقي الدول بتصنيف الفنانين، ولكن بشكل سلبي، فهل يعقل أن يكون لدينا معرضان سنويان الأول للشباب ولمن لم يتجاوز الأربعين سنة، ومعرض للشيوخ لمن اجتاز الأربعين من العمر، ولكن المفارقة الأكبر توقيت المعرضين، فللشيوخ يقام معرضهم في الخريف، في حين يقام معرض الشباب في الربيع.
** ليس هذا بالضبط، ولكن لا يوجد تصنيف بهذا الشكل، ولا أعرف ما الغاية من ذلك، ولكن هناك شروط تكبلنا ويجب من خلالها أن نعمل، قياس اللوحة، والمضمون، على ألا تتضمن أي رمز سياسي أو ديني، بصراحة لقد أخذوا من الفنان الفكرة، وتركوا له تكنيك اللوحة.
** لماذا هذه الإجراءات، لا أعرف، ولكن أين دور الاتحاد فيمكن أن أقول أنه ومنذ تحولت النقابة لتصبح اتحاداً، وقعت مهمة التطوير على عاتق الفنان نفسه، وغابت المؤتمرات، واللقاءات التي يجب أن تنعقد بين الفنانين، بصراحة اتحاد الفنانين التشكيليين لم يلعب ذات الدور الذي كانت تقوم به النقابة.
** التقاسيم الموسيقية عبارة عن حصى ملونة رميت عبثياً، فأتت بعفويتها وتوزيعها الجميل لتقدم مقطوعة تسحر المستمع، وهذا هو حال اللوحة التشكيلية، ألوان ترمى على قطعة قماش، بتوزيع يراه الفنان مناسباً، فربما تلقى على عفويتها، لكنها في مجملها تأتي لتصنع لوحة جميلة. لهذا الشيء قلت أن اللوحة ما هي إلاّ تقاسيم موسيقية، وربما يعود ذلك لكوني موسيقي أيضاً.
** اللوحة عبارة عن رغبة داخلية روحية، وعقلية، أضف إليه حالة الاندفاع التي ينبغي لها أن تتجلى لدى الفنان.
* متى تلجأ إليها؟
** في الظلمة، حيث ينطلق الإنسان إلى داخله، وتحديداً في فصل الشتاء، حيث أشعر بشوق إلى الرسم، على عكس فصل الصيف حيث ينطلق الإنسان إلى الخارج، وما يشغله من واقع، أعتقد أن من أسباب تفوق الفن التشكيلي الأوروبي هو عامل المناخ الأميل إلى فصل الشتاء.
** عندما يقوم الفنان أياً كان الفن الذي يعمل عليه، عندما يقوم بتنفيذ عمل فني، لا بد له أن ينقطع عن العالم، والمحيط، كما عليه أن ينسى، أو أن يركن همومه إن وجدت في زوايا مظلمة لا يراها، فالصلة التي تربطني باللوحة كأنها عملية خلق، لذا يمكن أن أنتظر الوحي، لأن الوقت الذي أمضيه مع لوحة ما.. هو أشبه بالصلاة، من هنا قيل كان فلان في محراب فنه.
** هناك عبارة أقولها لكل دفعة جديدة من طلاب معهد التربية الفنية، وهي: (نلاحظ أن الطفل يرسم بالفحم على الجدران، والأبواب دون أن يدفعه إلى ذلك أحد، إنها موجودة في التكوين البشري، كما أن إنسان الكهوف رسم على الجدران قبل أن يتعلم الحرف، وبالتالي الكلام)، لهذا فأنا سعيد جداً لأني فنان تشكيلي، ولست نادماً على ذلك.
* أي الألوان أحب إليك؟
** اللون الزرق بكل درجاته اللونية.
* والناعورة؟
** هي المعلم، كذلك طبيعة "حماة" بشكل عام، كل مفردات مدينة "حماة" تشكل الشخصية المميزة لفناني هذه المدينة.
* من هو الفنان العالمي؟
** كل ما يرسم هو عالمي، لأنني بنظر الآخر أنا من عالم مختلف عنه، كما هو بالنسبة لي تماماً، لهذا عالميتي تكمن في تفاصيل لوحاتي.
** في الواقع لم يعد من وجود لأي مدرسة، هناك أسلوب، والشائع حالياً هو الأسلوب الانطباعي، والذي انطلق من التعبيرية، والتكعيبية، والوحشية. وهذه الأخيرة عبارة عن مدرسة بدأها "غوغان" وقد استخدم فيها الألوان الصارخة، ولكن تأتي معالجة الأشكال الموجودة في اللوحة بشكل مضخم ولكنه جميل، وأخيراً ظهر أسلوب جديد أطلق عليه الأسلوب التنقيطي.
** إنسان كالبقية، وأرجو أن تكون هذه الصفة حاضرة بقوة عندي، وكذلك عند الآخر، لأن الإنسان الحقيقي، هو الإنسان الفاعل بحب، بشغف، النابذ للحقد والكراهية.
** هناك طائر دبَّ فيه الرعب، عينه جاحظة من شدة الخوف، لونه أبيض، يرقد في عش وتحته بيض، بعض من البيض يتساقط على منطقة خربة بالقرب من فتحة لكهف، تستطيع أن ترى حجم الدمار من خلال هذه الفتحة، لكن لو أخذك نظرك إلى يسار اللوحة لوجدت تمثالاً لـ "بوذا" وهو صامت لا يتكلم، غابت عنه ملامح الوجه، في نفس الوقت يحيط به عدد لا متناه من الجماهير التي تسير باتجاه المجهول. هي لوحة تعكس حال جيل كامل لا يعي إلى أين يسير، لذا أطلقت عليها اسم "رياح العولمة" وما الأبيض الذي يتساقط إلا تلك الأجيال التي شدها، ويشدها البريق الكاذب، فتحولوا لمتلقفي التكنولوجيا، وليسوا مستقبلين، وهذا مؤسف للغاية.
والجدير ذكره أن الفنان "بديع العوّير" هو من مواليد مدينة "حماة" في العام 1942، وقد أقام العديد من المعارض المشتركة، وله معرض فردي أقامه في موريتانيا حيث كان يدرس هناك بين عامي 1977 حتى 1985.