للفن لغات كثيرة، كما إن لرواده أذواقاً متعددة، ومن بينها فن الكاريكاتير، الأكثر سخرية، وتعقيداً، وإن بدا للبعض أنه مجرد خطوط لا تصنع الملامح، ولهذا عرّفه البعض بالفن الساخر، والبعض الآخر بالفن الغاضب.. لماذا؟ لأنه يلتقط أنفاس اللحظة فيخنقها عبر إطار ضيق، فيعرّي كل ما يستحق التعرية، ويسحب البسمة من بين اصطكاك الأسنان، ليرسم على قارعة الطريق أنباءً قد لا تبدو سارة، لكنها ذات وقع يستوجب الوقوف عندها.
موقع eSyria التقى الفنان "فراس نعوف" أحد الذين وجدوا أن عالمهم ينتمي إلى هذا الفن.
أعتبر نفسي من الأشخاص المحظوظين، فالعروض التي تقدم لي كثيرة، ومن البلاد العربية والأجنبية
بداية الأمر تحدث عن استقلالية فن الكاريكاتير في الوطن العربي، فقال: «فيما مضى من القرن العشرين كان فن الكاريكاتير ملحقاً بالصحف، وعلى المستوى العربي برز هذا الفن عند المصريين خاصة، حتى غدا ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها مع مطلع كل صباح، وأصبح القارئ ينتظر هذه اللوحة لتمنحه بعضاً من ابتسامة، وربما شيئاً من التشفي، ومع بدايات السبعينيات من القرن ذاته بدت شخصية هذا الفن تتبلور، وبدأ يبحث لنفسه عن مكان خارج الصحف، ومنذ ذلك الزمن تحول رسامو الكاريكاتير إلى نجوم على المستوى الفني».
لكنه عاد وتحدث عن طفولته، وكيف نشأت العلاقة بينه وبين هذا الفن، فقال: «طفولتي ارتبطت بالمجلات لم أكن ألعب، كنت أقرأ، وفي النهاية كان لا بد من أن أختار، وبدأت بها بنجاح، وكانت انطلاقتي جيدة».
لكن الفنان التشكيلي لا يستطيع أن يكون رساماً كاريكاتورياً، وفي هذا الصدد يقول: «يعتمد فن الكاريكاتور على الرمزية في المضمون عبر خطوط بسيطة وغير معقدة، في الوقت الذي يبحث فيه التشكيلي عن اللون وتمازجها، في الكاريكاتور تبدو هموم الناس جلية، في الفن التشكيلي يبحث الفنان في أغلب الأحيان عن أناه، وقد لا يبحث عن الهم العام».
ويضيف: «فن الكاريكاتور يعتبر فناً تعبيرياً، وطريقة تنفيذه بالطرق الساخرة تجعله فناً شعبياً موجهاً لكل الشرائح على اختلاف ثقافتها».
وعن توجهه للعمل مع مجلات أجنبية، قال: «العامل المادي "السعر" هو الذي يدفعنا للتعاقد مع مجلات أجنبية، وأخرى عربية، ولكن يبدو جلياً أن الممول العربي هو تاجر بامتياز، ويظهر ذلك من خلال طريقة تعامله مع الفنان والتي لا تنم عن منطق ثقافي، أو حتى علاقة بين طرفين ممول ومبدع بطريقة حضارية».
وعن تجربته مع الإعلام العربي يقول: «تعاملت مع عدد من المجلات والمؤسسات الإعلامية العربية وللأسف، وكلها كانت تجارب غير مشجعة، وهذا بكل تأكيد يؤثر سلباً على انتشار المجلات المحلية، فلو رجعت بالذاكرة لا يمكن أن تتذكر اسم مجلة استطاعت أن تستمر في الصدور، وحدها مجلة "أسامة" الباقية، وبالطبع هذا قليل، ومجلة واحدة لا تشكل شيئاً في المشهد الثقافي الموجه للطفل».
لكنه لا ينسى أبداً بعض الأسماء الفنية المهمة التي أحبها، وهنا يقول: «ربما لعبت مجلة "أسامة" دوراً كبيراً في ترسيخ أسماء فنانين في الذاكرة، أمثال الفنانة "لجينة الأصيل"، والفنان "ممتاز البحرة"، فقد تربت ذائقتي الفنية على رسوماتهما، أما الفنان "ممتاز" فإنني لم أتعرف عليه، وكنت قد اتصلت به وقلت له أنه أثر بي أكثر من والدي».
وعن المجلات التي عمل فيها، قال: «بدأت في مجلة "العربي الصغير"، ومن ثم في مجلة "باسم" التي تصدر في المملكة العربية السعودية، وحالياً أعمل عبر الانترنت مع معهد لتدريس اللغة العربية بأمريكا، وهؤلاء لديهم خطة بعيدة الأمد لتشجيع الأطفال في المغترب على القراءة باللغة العربية الأصلية».
وعن أهم المواضيع التي تهم الطفل العربي، قال: «الحقيقة مرّة بعض الشيء، فالطفل العربي لا يقرأ، والآباء هم الذين يشترون الكتب، في حين تجد الطفل الغربي مهتماً بكل شيء، وآفاقه مفتوحة، ومن ركائز حياته الأساسية شيء اسمه القراءة».
وعن المواضيع التي يعمل عليها بما يناسب عمر الطفل الموجه إليه هذا العمل، يقول: «في الحقيقة هناك محرمات، ومحظورات كثيرة نواجهها في تعاملنا مع المنتج العربي، فمنهم من طلب مني عدم رسم الوجوه باعتبارها محرمة، هذا على سبيل المثال، في حين تناولنا قصة عند الغرب تتحدث عن طفلة افترق والداها، وجاء الوالد بأم بديلة، وعاشا حياة هانئة، وهذا ما هو مرفوض عندنا، إذاً العقلية مختلفة، وما نعلمه لأولادنا يشبه في مضمونه ما نعلمه للكبار».
ويكمل: «كل هذا عائد إلى التربية، فمتى كانت المطالعة طقساً أصبح التفاعل معها بطريقة إيجابية والعكس صحيح، وهناك إحصائية تقول إن معدل قراءة الطفل العربي تصل إلى ست دقائق في السنة».
لكنه راضٍ تمام الرضا عما فعله حتى الآن، ويضيف: «أعتبر نفسي من الأشخاص المحظوظين، فالعروض التي تقدم لي كثيرة، ومن البلاد العربية والأجنبية».
وعن الجوائز التي تمنح للبعض لتجعل منهم أسماء براقة في عالم الفن، يقول "فراس": «أنا أجد أن الجوائز ليست مقياساً، أو معياراً لمدى تفوق فنان على آخر، وكثيراً ما يشك بمصداقية هذه الجوائز، والطريقة التي تمنح فيها، وأنا لا أؤمن بها إطلاقاً، كما أنها ليست هاجسي ولا أعمل لأجلها».
لكنه يقبل أن يقدم عملاً ذا قيمة جمالية وبأجر زهيد، والسبب كما يقول: «سأقبل ولكن بشروط إنسانية، وأن أشعر بقيمتي معنوياً، ومع هذا فأنا أفكر جديّاً بالابتعاد عن العمل في كتب الأطفال لأنها محرقة للأعصاب، ولكن أفكر فيما هو أهم بالنسبة لهم، لذا سأتوجه إلى إنتاج برامج الأطفال».
في النهاية ختم يقول: «من المفروض أن يكون هناك حماية فكرية، وهذه مهمة الناشر، كما يجب على رسام الكاريكاتير أن يكون أديباً، وأن يتعامل مع المادة الأدبية بطريقة تفاعلية».
بطاقة تعريف:
"فراس نعوف" من أهالي "سلمية" ولد في "دمشق" في العام 1970
- من الكتب التي صدرت له:
The dream stowaway – C . j PUMPKINS-
The bonus mum – Tami Butcher-