عندما تدخل بيته لأول مرة قد يستغرق وصولك إلى غرفة الجلوس عدة ساعات، البيت ليس ضخماً لكن لا بدّ لك من الوقوف مطولاً أمام كل لوحة من لوحاته المعلقة على الجدران، محاولاً الحصول على أكبر قسط ممكن من المتعة الفنية، وكذلك لكي تبحث عن نفسك بين حدود الألوان، الحقيقة أن الشعور الفني في بيته يجعل الممر أطول بكثير.
eSyria وبعد ساعات من تأمل لوحاته تحدث مع الفنان التشكيلي "كمال الجندية" في بيته في مدينة "سلمية" عن حكاية "كمال والفن" منذ بدايتها، حيث قال: «منذ نعومة أظافري وتحديداً في المرحلة المدرسية الابتدائية كان من السهولة ملاحظة اهتمامي الكبير بمادة الرسم، وأيضاً رسوماتي التي كان أساتذتي يأخذونها مني كذكرى في نهاية كل عام، أما في المرحلة الإعدادية فقد بدأت تُصقل موهبتي شيئاً فشيئاً، وخاصة بعد تحولي إلى الرسم بالألوان الزيتية، حيث كنت أقوم بنقل لوحات عالمية معروفة الشيء الذي أدى إلى اكتشاف أساتذتي أن العجيب إتقاني لدرجة اللون، لأن نقل اللوحات ليس عملاً بسيطاً فهو بمثابة التصوير وهذا يعد صعباً، ومن حينها بدأت حكايتي مع الفن».
تتجلى أهمية العمل الفني بالأثر لدى المتلقي، فلكي تقدر نجاح فنان ما، ما عليك إلا أن ترى ما يرتسم على وجه المتلقي أياً كان صنفه، وهذا هو السبيل الوحيد للتقييم
لكل فنان علاقة خاصة ينسجها مع فنه، وهناك علاقة إضافية بين الفن والهندسة التي درسها، في هذا الصدد تحدث قائلاً: «أعتقد أني عندما أرسم أشعر بمتعة من نوع خاص، يرافقها معاناة في نفس الوقت، فالفن يجب أن يرصد حالات الفرح والحزن والبؤس، لأنه من الضروري تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية في لوحات الفنان، وهذا برأيي أحد وظائف الفن، أما الهندسة فأرى أنها علم جميل، لاعتمادها على الدقة والتخطيط والتفكير والتركيز، وعلم الاحتمالات التي تقوم بتوجيهها بشكل إيجابي لخدمة البشرية، والفن له علاقة بكل شيء جميل، لذلك أقول إنه لا وجود لحياتي أو لأي متعة دون الفن».
وعن النتائج التي وصل إليها من خلال علاقته مع الفن قال: «الفن هو تعبير عن صيرورة الروح، هو رسالة إنسانية لا يدركها إلا الفنانون، وببساطة هو الذي يترك الأثر الجميل، لأنه يحرك المشاعر الإنسانية، وينقلك إلى عوالم بعيدة ليعطيك فسحة أمل وينتشلك من همومك، فهو دواء بالنتيجة، وبشكل أوضح هو معلم من معالم وجودية الإنسان، لأن الفنان بحاجة لأن يرسم في أي ظرف أكان حرباً أو زلزالاً أو بركاناً، فمهمة فنه هو أن يخلق ويبدع ويغير في جوانب عديدة ومتنوعة ضمن مجتمعه».
وأضاف بخصوص كيفية تقييم الفنان قائلاً: «تتجلى أهمية العمل الفني بالأثر لدى المتلقي، فلكي تقدر نجاح فنان ما، ما عليك إلا أن ترى ما يرتسم على وجه المتلقي أياً كان صنفه، وهذا هو السبيل الوحيد للتقييم».
وانطلاقاً من إعجابنا بإحدى لوحاته المعروضة أمامنا، قام الفنان "كمال الجندية" باطلاعنا على شيء مما تتضمنه، فقال: «هذه اللوحة أسميتها "الأرض والإنسان" وهي تعتمد الأسلوب التجريدي، وأعتبرها من أهم اللوحات في حياتي لأنها أعطتني نقلة نوعية، كما أن فيها منحى جديداً، وهو فكرة إعطائها مضموناً من خلال الألوان وتناغماتها ودراستها ضمن فضاء اللوحة، وهي تتحدث عن ثنائية الأرض والإنسان وعلاقة إحداهما بالأخرى، فالأرض هي معاد الإنسان والإنسان يجمل هذه الأرض من خلال الحضارة، والتي هي شيء جميل يعطينا هوية حضارية ورثناها من الأجداد، فعلى جميع الفنانين أن يجسدوا حضارتهم في فنهم ولحسن حظنا نحن نملك تاريخاً حضارياً مشرفاً في سورية».
من خلال هذه اللوحة بعض اللوحات الأخرى التي تجسد مظاهر طبيعية لاحظنا اهتمام الفنان "كمال الجندية" بالطبيعة في لوحاته، فوضح لنا ذلك متحدثاً عن منهجه قائلاً: «أنا بشكل عام أقف ضد التعامل المدرسي في الفن أي كما يقال "التمدرس"، علماً أني أرسم بالأسلوبين التعبيري والتجريبي، وأنا ملم بهما بشكل جيد، وأعتبر الطبيعة مدرستي الأولى، ومنها أستمد أفكاري وألوان لوحاتي، فمثلاً عندما أتأمل غروب الشمس أستمد منه حالة إنسانية ما أجسدها في لوحة، وحتى أثناء خطبتي كنا أنا وزوجتي الحالية السيدة "سحر فطوم" نتأمل الغروب كثيراً ونصوره، فالطبيعة كما قلت هي مدرسة بما تحويه من أفكار ألوان وحالات هادئة أحياناً، وهائجة في أحيان أخرى، كما في العواصف التي طالما كنت أستوحي منها».
وفي أواخر الحديث تكلمنا عن واقع الفن بشكله الحالي وعدم قدرته من الوصول إلى الناس، فقال: «في هذا اليوم نلاحظ تراجعاً كبيراً بالنسبة للإقبال على اللوحة والكتاب، ربما بسبب الوضع المعيشي الصعب، حيث يتجه الناس لتأمين لقمة العيش، فاللوحة والكتاب موجودان لكن الناس هم الذين لا يأتون إليهما، والحقيقة أنا أعتقد أنه يجب أن يكون هناك منابر جديدة لوصول الفن إلى متلقيه، ومن الممكن أن تكون موقعاً إلكترونياً، أو محطة تلفزيونية، تتبنى الفن وهذا يعد اليوم شيئاً نادراً».
وفي كلمة أخيرة قال: «سأخبركم بأن أفكاري لا تنتهي وحتى أفكر بالوصول إلى العالمية، كما أتمنى من eSyria ألا يكتفي باللقاءات مع الفنانين، فربما يمكنه أن يخصص موقعاً للفن التشكيلي ينتسب إليه فنانو الوطن، وتدرج لوحاتهم ضمنه في معارض دائمة، وقد يكون هناك فرصة لإقامة حوارات فنية عالية المستوى ضمنه، ليكون بذلك مرجعاً فنياً لكل الموهوبين، وذلك خير لثقافة هذا البلد كما أعتقد».
والجدير بالذكر أن الفنان التشكيلي "كمال الجندية" من مواليد مدينة "سلمية" عام 1975، درس هندسة الميكانيك في جامعة "حلب" وتخرج عام 2001، أول معرض له كان في "جامعة حلب" عام 1999، ساهم في عدة معارض جماعية منها ما كان في "حماة" و"سلمية" و"حلب"، وكان له عدة معارض فردية آخرها:
عدة معارض في "سلمية" آخرها عام 2007
معرض في مدينة "الثورة" عام 2007
معرض في "كفرسوسة" في "دمشق" عام 2007.