البعد الذي تحتويه لوحاته يأخذك إلى الأفق البعيد والحلم والضوء رغم مناخ السواد الذي يميز خلفية اللوحات التي تناولها في تجربته الطويلة مع التشكيل، إنه الفنان "أسامة الصغير" الذي التقاه موقع eSyria في منزله بمدينة "حماة" ليتحدث عن بداياته في الفن قائلاً:
«البداية كانت في سن مبكرة ربما كنت في العاشرة من العمر، التحقت بعدها بمركز "سهيل الأحدب" ودرست على يد الفنانة "سهام منصور" والفنان "عمر هبره" والفنان "نشأت الزعبي"، وشاركت عام /1977/ بمسابقة لشبيبة الثورة وحازت لوحتي الجائزة الأولى على مستوى سورية، وعام /1979/ التحقت بكلية الفنون الجميلة في دمشق قسم الحفر "الغرافيك" وأنهيت مشروع التخرج عام /1987/ وكان مشروعي كنائسي حول الأيقونات حيث أقمت في كنيسة حنانيا في "باب توما" بدمشق أكثر من شهرين ونصف».
توزيع الألوان والتناغم بين الدرجات اللونية في أعمال "أسامة" يعطي اللوحة تشكيل متكامل وجمالية خاصة، وتشاهد في لوحاته الكثير من النور رغم عمله على الألوان الغامقة
وأما عن أسلوبه الخاص في التشكيل فيقول:
«أعمالي هي نتاج تجربة طويلة من البحث ومحاولة إنضاج العلاقة الحساسة جداً بين اللون الأسود والرمادي والألوان الزيتية حيث أعمل على توليفة خاصة للحالة التصويرية، ومحاولة تكثيف الفكرة أو الحالة على مساحة ضيقة من اللوحة وهنا تدخل المعادلة الصعبة بين اللون والفراغ».
وعن سبب اختزال المساحة اللونية والتصويرية في لوحاته يقول: «دراستي للحفر "الغرافيك" في كلية الفنون الجميلة لم تأتِ مصادفة، ومحاولتي البعد عن رسم المناظر الطبيعية كانت لإيجاد حلول أخرى والبحث في اختزال المساحة وتكثيفها كمساحة مشعة وإبراز أهمية القاعدة الغرافيكية للمساحة بحكم علاقة القاعدة بالبعد الزمني الذي يضمن القيمة الوجدانية، فعندما أتحدث عن الذاكرة أو الزمن وهنا لا أبحث عن البناء الواقعي والمنطقي للفكرة، فتتكون له قاعدة مختلفة، ومفهوم العمل الواقعي مختلف فتصبح العلاقة متوازنة ومرتكزة على الحس المكثف جداً للأبيض والأسود ويدخل اللون وكأنه مكمل».
تبرز المرأة في معظم لوحات "الصغير" يحدثنا موضحاً:
«المرأة هي النافذة التي يطل عليها المتلقي في معظم أعمالي فهي بالنسبة إلي الحلم والانتظار، وأحاول رصد تفاصيلها وأحلامها لأنها أكثر تعبيراً عن انفعالاتها من الرجل، ووجها يشكل لوحة صادقة في حالات الحزن أو الفرح، والطمأنينة في وجه أمي علمني الكثير من الهدوء والسلام في داخلي رغم معاناتها وتعبها في الحياة، وفي لوحاتي حول حرب غزة كانت المرأة هي الموضوع الأوحد في كل اللوحات فهي الأم التي فقدت زوجها وابنها وأحفادها وبيتها، ورغم كل الدم والمأساة والصدمات المتلاحقة والخسارة تراها تعطي وتتمسك بالأمل والحياة وتستطيع الوقوف من جديد بصلابة أكثر، وهي التي علمتنا فن الاستمرار وتشاهد ذلك في هذه اللوحات التي رسمتها وكيف كانت المرأة هي بقعة الضوء في كل الظلام المحيط».
وابتعاد الفنان" أسامة الصغير" عن رسم النواعير والطبيعة خلافاً لفناني مدينة حماة يشكل علامة استفهام للكثيرين من متابعي الحركة التشكيلية في سورية، يوضح "أسامة" قائلاً: «الفوارق التقنية بين التصوير والغرافيك وانتمائي إلى المدرسة الانطباعية الواقعية جعلتني بعيداً عن رسم الطبيعة والنواعير والحجر، وفي كل لوحاتي أحاول أن أروي حكاية مختلفة عن أشخاص أو حالات إنسانية موجودة في حياتنا الاجتماعية وأحاول التعبير عنها بأسلوب مغاير فأرسم الوجوه بكل انفعالاتها، وادعو زملائي الفنانين في حماة للبحث في صيغ جديدة ومحاولة كسر التقليد للأشكال الفنية القديمة».
يقول الفنان "راغب حواضري"حول فن "الصغير": « للفنان "أسامة" تجربة مختلفة فأسلوبه خاص وتستطيع تلمس مادة الغرافيك الممزوجة بالألوان الزيتية ضمن اللوحة ليشكل اقتراحاً جديداً وإضافة للتجارب الفنية التشكيلية في حماة».
الفنان" مصطفى نجيبة" يقول: «توزيع الألوان والتناغم بين الدرجات اللونية في أعمال "أسامة" يعطي اللوحة تشكيل متكامل وجمالية خاصة، وتشاهد في لوحاته الكثير من النور رغم عمله على الألوان الغامقة».
الجدير ذكره أن الفنان "أسامة الصغير" مواليد حماة /1961/ بكالوريوس فنون جميلة "قسم الحفر" من جامعة دمشق. له ستة معارض فردية ضمن سورية، وأحد عشر معرضاً مشتركاً، وستة معارض في كندا ورومانيا وألمانيا ومولدافيا، ومعرض مشترك لليونيسيف متنقل في أوربا عام /1989/، أقام في أوربا بين عام /1991/ وعام /2005/ ،أعماله مقتناة في أكثر من بلد أوروبي.