شعاعٌ مضيء يخترق عتمة اللون يدون من خلاله التشكيلي "حمود شنتوت" تاريخ حزنه وسعادته، ليصوغ أثناء تشرب مسامات قماش لوحته ألواناً تناثرت بإيقاعات حسية تنطوي على ما ورائيات مادية تفاصيل الأشكال والزمن.
موقع eSyria بتاريخ 5/8/2010 على هامش فعاليات مهرجان "السنديان الثقافي" الرابع عشر بـ"الملاجة" التقى الفنان التشكيلي "حمود شنتوت" في حوار تباين ضمن درجات ألوانه وإحساسه وصولاً إلى ذاكرته وفلسفته الفنية فيقول بداية: «الفن لحظة إبداعٍ وخلق، وحالة الخلق الإبداعية للفن زئبقية التكوين لا يمكن إحكام السيطرة المطلقة عليها في قبضة يد».
الفن لحظة إبداعٍ وخلق، وحالة الخلق الإبداعية للفن زئبقية التكوين لا يمكن إحكام السيطرة المطلقة عليها في قبضة يد
خلال مسيرته الفنية التي تزيد على ثلاثة عقود لم يقم "شنتوت" معرضاً عن موضوع واحد، ليقدم ضمن إطار كل عمل جديد رؤيته الراهنة لمفردات الزمن: «حاولت مراراً الاشتغال على موضوع واحد في أكثر من عمل والسيطرة عليه، لكني لم أفلح في تكرار العمل ذاته مجدداً، لأني أشعر بأن ذاتي هي الموضوع ولوحتي هي ذاتي، فالعمل الإبداعي لحظة مرتبطة بوجودنا الحالي ولا تمس الماضي بصلة، والحاضر الموجود هو المولد للحالة، اللون والتعبير، كما لكل لحظة إبداعاتها، مزاجها، تاريخها، حزنها وأملها، ما يخلق علاقة تشابه عميقة بين الفن ومذكرات الفنان، لذا أرى لوحاتي القديمة والحديثة تجسد فترات معينة عبّرت من خلالها عن حضوري في هذا العالم وعن شخصيتي».
من معطيات غرفته الدراسية الصغيرة في "باريس" عمل على مشروع تخرجه في كلية الفنون الجميلة "البوزار"، فكانت عودته إلى "دمشق" دون أعمال تخص "باريس" بمكتنزاتها الفنية الكثيرة، إنما تخرج بدرجة امتياز.
يقول "شنتوت": «خلال فترة إقامتي في "فرنسا" عملت على الغرفة التي سكنتها وقد يكون الإحساس بجو الغربة الروحاني الذي عشته في تلك الفترة انعكس على الألوان فانخفضت نضارتها وإشعاعاتها، كما قلّت كثافتها، وقد سيطرت على أعمالي في تلك الفترة هواجس متعلقة بالجو العام في "باريس" لم أتمكن من تفسيرها حتى الآن دعتني إلى البحث في معطيات الغرفة بتأثير الضوء على الأشياء الموجودة فتوجهت إلى دراسة الظل من تسليط ضوء الشمعة وتأثير المصابيح والإضاءات القوية على التكوينات، دون التآلف مع ما هو خارج جدران الغرفة الصغيرة التي احتوتني، ما كان سبباً لاستغراب أصدقائي الفنانين، وأعتقد أني كنت بحاجة لفترة زمنية أطول كي أتخلص من شعوري بالغربة عن "باريس"».
قال عنه الفنان الكبير د."فاتح المدرّس" عام 1985: «إن الواقعية التي تجاوزت ذاتها في أعمال "حمود شنتوت" من عمل فنان متمكن جند مواهبه للوقوف إلى جانب الخير، إنه في أعماله يتهم قوى الشر بصمت وأينما وجد، إنه يرسم اليوم لون الدم المحترق، ففي زوايا غرفته في باريس، كما في دمشق- في لوحته المغسلة "مثلا"- نرى كيف أن الواقعية تجاوزت ذاتها وأصبحت فناً صافياً وشاهداً على التحولات من القيم الإستاطيقية في عصرنا».
أما هو فيقول: «منذ السبعينيات أستقي مواضعي من معطيات أعيشها وأعاصرها دون البحث عن مواضيع غريبة أو من الخيال، ومازلت حتى اليوم استقي مواضيعي من الطبيعة التي أتواجد فيها كالبيوت العربية والطبيعة الصامتة والوجوه القريبة مني، وعلى الرغم من أني في السنوات الأخيرة تمكنت من السيطرة على الطبيعة بشكل قوي، وبدأت أعتمد التكوينات الثلاثة، "الطبيعة الصامتة، الأشخاص، المناظر الطبيعية"، إلا أنني لا أستطيع الابتعاد عن الواقع فأعود باستمرار إلى الطبيعة الصامتة».
طالما عمل "شنتوت" على صياغة الأنثى في أعماله لتحول روحاً أو رمزاً متجرداً من مادية الرؤية، ويقول: «في عصور ما قبل التاريخ صُوّرت المرأة كثيراً كآلهة تعبيراً عن وجودها الذي يفوق الضرورة في الحياة، وأنا أعمل على الأنثى بوجودها في الطبيعة لكونها رمز العطاء والأمومة، كما عملت مطولاً على موضوع المرأة الملاك "الخيال الشفافة" فصورتها كروح وعملت عليها بداية كأيقونة من ثم اشتغلت مواضيع لها علاقة بعمل "العشاء الأخير" ومن ثم قدمت لوحة "عشاء الملائكة" حتى تمكنت من العمل بماورائيات الأنثى ضمن أجواء افتراضية لها علاقة بالفردوس، وأفضل العمل على جمال الوجه الأنثوي الروحاني النقي، فالقيمة الأهم التي أعمل لتجسيدها من خلال جسد المرأة هو الجمال الباطني أكثر من كونه جمالاً مادياً أو واقعياً، وهنا تكون القراءة المعمقة لما وراء العمل هي المعلن عن كشف أسرار اللوحة».
يضيف "شنتوت": «الفن ضرورة لتهذيب الروح وتوازنها الطبيعي، فالثقافة البصرية هنا موضوع هام جداً لتطور الثقافة والذائقة الفنية، حيث أعتقد أن معظم الأشخاص يتلقون موضوع العمل كسطح، وليس لكونه عملاً فنياً، فالعمل الفني أعمق من أن يكون مقصوراً على المشاهدات الصريحة والمباشرة للطبيعة والموضوع المعالج، وبالتأكيد هذه الثقافة بحاجة لزمن حتى تتبلور لدى الشخص وتبدأ من زيارة الأطفال للمتاحف الفنية وتلقي المعلومات حول العمل التشكيلي وتفاصيله».
عن تكوينه للوحاته يقول "شنتوت": «كل فنان يبحث عن بصمته ليحاول أن يؤسس من خلالها هويته الخاصة ويعبّر عمّا يملكه في داخله، فاللوحة نهاية هي انعكاس لحياته، وما يوجه الفنان هو تكوينه، تاريخه، ثقافته وثقافة مجتمعه، والموهبة تساعد الفنان كي يرسم حسب شخصيته ووجهة نظره للحياة، فتركيبة الفنان النفسية تفرض عليه العمل وفق أسس معينة».
بنهاية لقائنا مع التشكيلي "حمود شنتوت" يقول: «العمل دون فكر لا يعطي فنا والعكس صحيح، فاللوحة عبارة عن عملية بناء وهدم، وامتلاك الفنان عين الناقد يساعده على تحديد زمن البدء باللوحة والانتهاء منها، فالفن يبدأ بعد انتهاء الفنان من كل التفاصيل».
وخلال لقائنا الفنان التشكيلي "الياس زيات" يقول عنه: «حمود شنتوت مصور يتمتع بحس لوني مرهف، كما انه فنان نشيط ومتطور باستمرار يجدد تجربته دائماً، وكان متميزاً منذ دراسته في كلية الفنون بدمشق، كما تميز في "فرنسا" أثناء دراسته، إضافة إلى أن تمكنه الفني يلقى إعجاب المشاهد فهو قريب من إحساسهم، والمشاهد يشعر بفنه ويعجب به وهو شيء مهم جداً».
يذكر أن الفنان التشكيلي "حمود شنتوت" مواليد محافظة "حماة" 1956، تخرج في مركز الفنون التشكيلية في "حماة" مركز "سهيل الأحدب"، حائز الجائزة الأولى لمعرض مراكز الفنون التشكيلية بدمشق، ويشترك في المعرض السنوي لفناني سورية من عام 1975 حتى الآن.
تخرج عام 1980 في كلية "الفنون الجميلة" بدمشق بدرجة امتياز، سافر إلى "باريس" وحاز المرتبة الأولى لمسابقة الدخول لكلية الفنون الجميلة " البوزار" بباريس، 1985 تخرج في "البوزار"، بدرجة امتياز.
اشترك عام 1982 في معرض "كومباريزون"، "كراند باليه، باريس"، وحصل عام 1999 على الجائزة الأولى "الميدالية الذهبية" في بينالي اللاذقية- سورية، وشارك في ورش عمل مع "ايكوم" في "الإسكندرية" 1999، "تونس" 2001، و"عمّان" 2003، وأقام عام 2000 معرضاً مع أربعة فنانين سوريين في "واشنطن"، كما أقام عام 2005 معرضاً شخصياً في "مونتريال– كندا" بصالة "آني فورم"، كما أقام 28 معرضاً فردياً، وشارك في عدة معارض في "عمان، دمشق، واشنطن، تونس، مصر، الكويت، لبنان، ألمانيا وباريس".