يعرفه الجميع صائغاً للذهب، لكن إن ولجت دارته وجدتها تتزين بلوحات تكشف عن قيمة فنان تشكيلي كبير اسمه "محمد الخالد".
موقع eSyria التقى نجله المهندس "فواز محمد الخالد" لنتعرف أكثر عن شخصيته والده الذي رحل عن هذا العالم مخلفاً وراءه العديد من اللوحات التشكيلية، يقول ابنه: «كان الوالد محباً لأولاده، منحنا ثقته الكاملة فكسب محبتنا، كان صديقاً عادلاً حتى في نظرته لقادم الأيام، فعمل على تقسيم تركته وهو في الستينيات من عمره، واكتفى بمحبة الجميع له، يعيش مع لوحاته التي إن نظرت إليها تكتشف كم كان هذا الرجل يملك قلب طفل بريء، لذا لم يكُ ليتخلى عنها مطلقاً».
في عهد الوحدة بين سورية ومصر قام والدي برسم صورة للرئيس "جمال عبد الناصر"، على إثرها طلب منه أن يذهب في بعثة دراسية إلى إيطاليا، لكن ظروف العائلة، والواقع المادي حالا دون قبوله هذه البعثة، بل إنه رفضها
لكن كيف كان هذا الصائغ يجد الوقت الكافي ليرسم نقوشه الذهبية بفرشاة ألوان زيتية، يقول: «رغم ساعات العمل الطويلة خارج المنزل لكنه لم ينس أن لفنه عليه حقاً، وأن مشاعره لابد لها وأن تفيض في لوحة يراها هو آتية عبر إحساسه، فتخرج هذه اللوحات مصورة واقع حاله، وحال المجتمع بأفراحه وأتراحه، مسلطاً الضوء على بيئته الريفية».
ويسهب الابن في الحديث عن الأب، ليتحدث في كلمات مختصرة عن هذا العالم الذي التمسه والده من خلال الرسم، قال: «في مجمل أحاديث الآباء عن ماضيهم قال لنا إن اهتمامه بالرسم بدأ في المدرسة وتحديداً يوم كان في الأول الابتدائي، وقتها طلب المعلم من الطلاب رسم "دودة القز" فأدهش والدي أستاذه للدقة التي رسم بها، فأثنى عليه كثيراً، ويبدو أن هذا الإطراء يفعل فعله عند الطفل فتابع وكأنه خلق لهذا الفن وهو لم يكن يبتعد عنه من خلال صوغه للأساور الذهبية وهذه تحتاج من الدقة والفن ما جعله صائغ ذهب يشار له بالبنان».
ننتقل إلى الجانب الذي اشتهر به وهو صياغة الذهب، يتحدث ابنه عن كيفية تعلم والده هذه الصنعة، قال: «والدي من بيئة فقيرة، هذا الواقع دفعه للعمل أجيراً عند أحد صاغة الذهب من الأرمن الذين سكنوا "سلمية" بدايات القرن العشرين، ولأنه أحب هذه الصنعة فقد انصب اهتمامه وتفكيره في الإبحار في عالم مشغول من ذهب، ومتى اكتشف معلمه سر اهتمامه وإصراره على تعلم هذه الصنعة طرده من العمل، فساعدته والدته فيما بعد ببعض الليرات الذهبية التي هي من مصاغ الزواج ليبدأ "محمد الخالد" رحلته في صياغة الذهب، فأصبح أحد أهم صاغة الذهب في مدينته».
في العودة إلى فنه التشكيلي تحدث ابنه عن بعض المفاصل الهامة في حياة والده، وربما كان لها الأثر الكبير في عدم دراسة هذا الفن أكاديمياً، وتابع يقول: «في عهد الوحدة بين سورية ومصر قام والدي برسم صورة للرئيس "جمال عبد الناصر"، على إثرها طلب منه أن يذهب في بعثة دراسية إلى إيطاليا، لكن ظروف العائلة، والواقع المادي حالا دون قبوله هذه البعثة، بل إنه رفضها».
ويتابع قائلاً: «من المفارقات التي لم يستطع نسيانها أنه وأثناء تقديمه لامتحان الصف السادس في مدينة "حماة" تصادف وجوده هناك مع خروج تظاهرة عام 1940 أثناء الانتداب الفرنسي على سورية، فاعتقل ولكنهم أفرجوا عنه لصغر سنه، وكان نتيجة الامتحان أنه حقق المرتبة الثانية على مستوى المحافظة».
ويضيف: «كانت تربط والدي مع الدكتور "سامي الجندي" - وهو وزير وكاتب ومترجم- صداقة، وفي مرة ذكر الدكتور أنه في زيارته إلى فرنسا زار "متحف اللوفر" وشاهد لوحة "الموناليزا" للرسام العالمي "دافنشي"، فوعده والدي أن يريه "الموناليزا" في "سلمية"، وبعد مدة دعاه، ليدهش الدكتور "سامي" فور رؤيته لها، فقد استطاع والدي أن يقدم نسخة مطابقة لهذه اللوحة الأكثر شهرة في التاريخ، وعمل والدي على إعادة رسم لوحات عالمية كثيرة لا يستطيع أحد أن يلمس الفارق بينها وبين الأصل».
السيد "سمير جمول" وهو فنان تصوير ضوئي يرى في رسومات الراحل عودة إلى الذاكرة البيئية، ويضيف: «عندما أنظر إلى لوحة ترصد حيزاً من ذاكرة فقدناها اليوم أجد أن هذا الرجل وثّق لمرحلة دارسة لم تعد موجودة بيننا، وهذه هي رسالة الفن بالدرجة الأولى، أضف إلى أن ما رسمه من لوحات عالمية أظهرت لديه قوّته في صياغة الذهب وهذا سر إبداعه».
الجدير ذكره أن الفنان "محمد الخالد" من مواليد "سليمة" في العام 1926. حائز شهادة الصف السادس الابتدائي عام 1940 من "حماة". له مشاركة واحدة في معرض الربيع عام 1956 والذي أقيم في العاصمة السورية "دمشق"، توفي في العام 2009.