مسافرٌ استأثر الشعر بخيالاته على غيره من الأجناس الأدبية، نذر حياته لفضاءاته مبدعاً، وأغنى طلاقته بدراسة عروضه وموسيقاه وقوافيه، ليقف مدافعاً عن مكانة الموسيقا والقافية والبحور في الشعر العربي، في مواجهة من يطلق عليهم اسم "الحداثويين".
إنه الشاعر "علي دمر"، الذي اقترب موقع eSyria من سيرته الحافلة بالأسفار والأشعار والتقى في 26 تموز 2009 الأستاذ "طاهر زينو" مدرس اللغة العربية في أشهر مدارس "حماة" ليحدثنا عن حياة الشاعر الراحل حيث قال:
والشاعر ذو صوت جميل اكتشفه الشيخ "محمود الشقفة" في "المدرسة المحمدية"، فنصحه بأن يشارك في إنشاد المدائح النبوية، ولم يلبث أن غادر المدرسة المحمدية إلى مدرسة "المقاصد الإسلامية" في "بيروت" ثم "الكلية الشرعية الثانوية" في بدمشق ثم إلى كلية اللغة العربية في جامعة "الأزهر" بالقاهرة وتخرج منها في عام (1955) وبدأ رحلة الغربة التي لم يستطع التخلص من مرارتها إلى أن لاقى وجه ربه
«ولد الشاعر "محمد عالي حمراء" المعروف بـ"علي دمر" في نهاية الربع الأول من القرن العشرين (1925) ونشأ في رياض العاصي في مدينة "حماة"، تفتحت عيناه على مجالسها البديعة واكتحلت بجمالها وسمع من ألحان نواعيرها الخالدة، ذاق مرارة اليتم منذ الصغر فعاش حياة صراع بين جمال الموهبة وما يطحنها من حياة البؤس، درس الابتدائية في مدرسة "أبي الفداء" الأهلية التي كان يشرف عليها الشيخ "محمد سعيد النعسان".
وما إن بلغ الصف الخامس الابتدائي حتى بدأ ينظم مقطوعات صغيرة، وكان الامتحان الشفوي يجري أمام لجنة من أعلام المدينة في الأدب والعلم، في أحد هذه الاختبارات زكاه الشيخ "محمود شقفة" للحاضرين وطلب منه أن ينظم على الفور أبياتاً للحاضرين في وصف الامتحان وكان شاعر "حماة" الكبير "بدر الدين الحامد" من بين الحاضرين، فتنحّى دقائق ثم عاد وفي يده أبيات مطلعها:
إن شئت أن ترنو ليوم المحشر/ فادخل فحوص السبت هيا وانظر
حشد من الطلاب صخاب له/ في البهو طول تفاخر وتبختر
فنال إعجاب الحضور بسرعة/ بديهته وسلامة نظمه».
وأضاف: «والشاعر ذو صوت جميل اكتشفه الشيخ "محمود الشقفة" في "المدرسة المحمدية"، فنصحه بأن يشارك في إنشاد المدائح النبوية، ولم يلبث أن غادر المدرسة المحمدية إلى مدرسة "المقاصد الإسلامية" في "بيروت" ثم "الكلية الشرعية الثانوية" في بدمشق ثم إلى كلية اللغة العربية في جامعة "الأزهر" بالقاهرة وتخرج منها في عام (1955) وبدأ رحلة الغربة التي لم يستطع التخلص من مرارتها إلى أن لاقى وجه ربه».
وعن حياة الغربة التي عاناها حدثنا الأستاذ "طاهر" بقوله:
«لم يعمل "علي دمر" إلا في مجال التدريس، حيث أفنى ثلاثين عاماً من حياته يربي الأجيال ويغرس في نفوس أبنائها اللغة العربية، حيث عمل مدرساً في قرية "اورم الجوز" لثلاثة أعوام ثم تعاقد في المملكة العربية السعودية ومكث فيها خمسة عشر عاماً ثم عاد إلى سورية، وبعد عودته عين مدرساً في ثانوية "السقيلبية" في "حماة" لأربعة أعوام ثم اضطر إلى العودة للمملكة وأمضى فيها أحد عشر عاماً انتهت بوفاته في عام (1985)ودفن في قرية "الطرف" في منطقة "الإحساء" في المملكة».
وعن الدواوين التي أصدرها خلال حياته قال:
«أصدر المرحوم "علي دمر" خلال حياته ثمانية دواوين، هي "رعشات" عام (1946) و"عواصف على هضاب فلسطين" عام (1948) و"حنين الليالي" عام (1954)، وديوان "المجهولة" عام (1968)، و"إشراق الغروب" عام(1978)، "رسائل محرجة إلى نزار قباني" عام (1981)، وديوان أغفل الشاعر زمان صدوره وكان بعنوان "شعب الله المختار"، وآخر ديوان شعري صدر له بعد وفاته حيث أصدره النادي الأدبي في "جدة" وكان بعنوان "ديوان علي دمر" هذا في مجال الشعر، وشاعرنا ما أغفل النثر في حياته ومن آثاره النثرية "مصفاة الشعر" وهو موسوعة في علم العروض وموسيقا الشعر وأوزانه وقوافيه، و"ملامح عمري" وهو عبارة عن مقدمة نثرية لديوانه المخطوط، وله أيضاً "مناقشات ودراسات في العروض والشعر الحديث"، كما ألف الدكتور "رجا سمرين" كتاباً عنه بعنوان "علي دمر شاعر الحب والغربة والحنين"».
ومما يذكر أن اتحاد كتاب العرب في "حماة" أقام في 27 تموز 2009 معرض الخط العربي الثالث بـ"حماة" بمناسبة مرور ربع قرن على رحيل "علي دمر"، حيث عرضت أعمال لخطاطين رسموا لوحات من أشعاره ومنها:
كم شهرة قرعت طبول دعاية/ ثم اختفت كالومض في الظلماء
ولكم كنوز تحت أطباق الثرى/ خلدت وشعت عند كشف غطاء
ما ضر أني عشت مجهولا ولم/ اعرف وذاعت شهرتي زملائي
إن ضعت عن زمني فيكفي أنني/ آهات وجد في دم الشعراء