«في غرفة بسيطة تستند على الجدار الغربي لمسجد "عبد الله بن سلام" فتحت عيني على الوجود الواسع منتصف الخمسينيات، عام /1953/ في حيّ "باب القبلي" المطل من تلته العالية على نهر "العاصي" في مدينة "حماة". سرعان ما حملني والدي مع الأسرة إلى أمكنة عمله، ينحت الحجر القاسي ويبنيه في جبال "لبنان" ومدنه».
بهذه الكلمات بدأ الأديب الشاعر الدكتور "راتب سكر" حديثه لموقع eSyria يوم الأربعاء 19 آب 2009 بمنزله بحيّ "المدينة" كورنيش "باب النهر" عن نشأته وارتباط ذاكرته بسيرة والده الحافلة والغنية بالأحداث المضمخة بالهم الوطني والحلم القومي، حيث يضيف قائلاً: «كان ذلك الوالد يعود من عمله كل مساء مجللاً بغبار المقالع والحجر، فيلون أمسيات الأسرة بموسيقا الصخور ومرايا الأيام، يتحدث عن سفره جندياًً بسيطاً في جيش الإنقاذ عام /1948/، وقتاله مع أقرانه في التلال القريبة من مدينة "صفد"، ولقائه في تلك التلال الساحرة مع مجاهدين يعرفهم من مدينته "حماة". تلك صور من التراب الأرضي الذي جبلني إنساناً أتنقل من متراس إلى متراس، منقلاً خطاي بين وادي "العاصي" المسكون "بشياطين" "الشعر" و"الأساطير" وشوارع "بيروت" وتلال جبال "لبنان" المكتظة بالأحلام وأشجار الصنوبر والبشر».
عندما درست الفلسفة في جامعة "دمشق"، كنت أدرس في الوقت نفسه الأدب العربي في السنة الثانية في قسم اللغة العربية وآدابها، في الجامعة اللبنانية، وكان عليّ أن أدرس فرعاً ثانياً، لأن متابعة الدراسة خارج سورية في فرع أدبي لا تساعد على تأجيلي من الخدمة العسكرية الإلزامية، لذلك اخترت أن أدرس الفلسفة في جامعة "دمشق" لهذه الغاية، وينسجم مع دراسة الأدب لقرب الفلسفة من الأدب، وكنت أشعر بالأسئلة الفلسفية التي تتردد في نفسي في السبعينيات، وهكذا بدأت رؤيتي للعالم
ويضيف قائلاً: «تركت الدراسة النظامية وعملت في ورش البناء قبل أن أتحول إلى صانع للحقائب الجلدية طوال سنوات رسمت على جبيني أسى الأسواق والمنافسات، إلى أن جاء شاب التقيت به مصادفة في معرض للفنون التشكيلية، اسمه "فوزي الحسيني"، نصحني بمتابعة الدراسة بعد انقطاع، ورسم لي خطواتي إلى مدرسة "الرسالة العربية" المسائية في حي "البسطة" في "بيروت"، ولا أعرف اليوم بعد كل تلك الامتحانات التي تقدمت إليها في قسم الدراسات "الفلسفية" و"الاجتماعية" في جامعة "دمشق"، وفي قسم "اللغة العربية" في الجامعة "اللبنانية"، وفي الدراسات العليا في "موسكو"، لا أعرف إذا كان "فوزي الحسيني" هذا إنساناً حقيقياً عاش معي ذات يوم وارتضيته أخاً وصديقاً، أو أنه مجرد وهم من أوهامي الكثيرة التي تنسج معظم ساعات يومي».
وتابع حديثه عن النشأة والبدايات قائلاً: «عام /1976/ عادت الأسرة للإقامة في مدينة "حماة" بعد الإقامة الطويلة في "لبنان" منذ عام /1960/، حيث بدأت العمل بتدريس اللغة "الفرنسية" لغاية عام /1985/، ونشأت صداقات مع مجموعة من أدباء وشعراء ومسرحيين من مدينة "حماة"، في عام /1979/ تخرجت من قسم اللغة العربية وآدابها من الجامعة "اللبنانية"، وبنفس العام تخرجت من قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، من جامعة "دمشق" /1986- 1991/ تم إيفادي بصفة عميد إلى معهد "الاستشراق"، أكاديمية العلوم "بموسكو"، ونلت الدكتوراه في الآداب بإشراف المستشرقة "سفيتلا براجوغينا"، عام /1972/ تزوجت "غادة عطا الله" التي لعبت دوراً مهماً في توجهي الفكري والثقافي في حياتي، زرقنا بالأولاد ومن ثم بالأحفاد».
وعن تأثره بجماليات منحوتات والده أجاب: «لوالدي دور مؤثر في حياتي وفي تكويني الشخصي، فقد كان الوالد والصديق، وعلى صعيد موقفي الجمالي من الظواهر الأدبية والاجتماعية، يمكن أن يتركز تأثيره في هذا المجال من خلال التربة التي غرس قيمها في نفسي على مستوى صلتي بالوجود والعالم، فمنذ المرحلة الابتدائية كان لي من هذا الرجل الأميّ، البسيط، الذي هو والدي موقف من العالم.. في حديثه البسيط.. يعيد ذكريات بسيطة عن دوره عندما ذهب مع زملائه من "حماه" إلى فلسطين، كما أسلفت سابقاً،هذه الذكريات كانت تتحول في مرآة الطفل الذي كنته ذات يوم إلى درس وأمثولة تتجذر يوماً بعد يوم، فيرتبط الجمالي في وجداني بالموقف الإنساني والاجتماعي والوطني. لذلك تحولت هذه التفاصيل الصغيرة التي يتحدث عنها الوالد، والتي عندما أصبحت طالباً فيما بعد ومنخرطاً في الحياة العامة رحت ألم شتاتها من حديث أساتذتي في الوسط الثقافي والأدبي من الدكتور "إحسان الهندي" ومن أحاديثه استكملت أحاديث وذكريات والدي، كما من أحاديث المرحوم "سهيل عثمان" ومحاضراته وكتاباته.
هكذا شكلت هذه التفاصيل رؤيتي الجمالية. إنها تربط التفاصيل بالجميل، فالجميل عندي هو ما يرتبط بهذه التفاصيل.الجمالية الفلسفية».
وعن تأثره بالجمال والجمالي والفلسفة وإلى أي مدى تعمق ذلك في شعره قال: «عندما درست الفلسفة في جامعة "دمشق"، كنت أدرس في الوقت نفسه الأدب العربي في السنة الثانية في قسم اللغة العربية وآدابها، في الجامعة اللبنانية، وكان عليّ أن أدرس فرعاً ثانياً، لأن متابعة الدراسة خارج سورية في فرع أدبي لا تساعد على تأجيلي من الخدمة العسكرية الإلزامية، لذلك اخترت أن أدرس الفلسفة في جامعة "دمشق" لهذه الغاية، وينسجم مع دراسة الأدب لقرب الفلسفة من الأدب، وكنت أشعر بالأسئلة الفلسفية التي تتردد في نفسي في السبعينيات، وهكذا بدأت رؤيتي للعالم».
وعن اهتمامه بالترجمة من "الفرنسية" و"الروسية" "للعربية" والعكس أجاب: «أترجم عن "الفرنسية" و"الروسية"، من "الفرنسية" أترجم لمجموعة من الشعراء "الفرنسيين"، ومنهم "جاك بريفر" الذي أحب شعره، ومن كتبي المترجمة عن "الروسية" كتاب المستشرقة "سفيتلانا براجوكينا" باسم "حدود العصور حدود الثقافات" وقد قمت بترجمته بالاشتراك مع صديقي الدكتور "ممدوح أبو الوي" هو دراسة في الأدب "المغربي" المكتوب "بالفرنسية"، حيث ترى الباحثة أن كتابنا في "المغرب العربي" الكبير "تونس- الجزائر والمغرب" هؤلاء الكتاب الذين كتبوا بالفرنسية هم أدباء "عرب"، كتبوا أدباً عربياً بالفرنسية، لأن هذا الأدب المكتوب "بالفرنسية" يحمل بذوراً لانتماء العرب في "المغرب"، وفيه هوية الانتماء إلى المجتمع العربي سوى أنه كتب بلغة أجنبية».
عن نشاطاته الفنية والثقافية والأدبية وإنتاجه الشعري قال: «بوصفي عضو بأكثر من جمعية أدبية وفنية واجتماعية، تراني موزعاً ما بين الجميع، إلى جانب إشرافي على العديد من رسائل "الماجستير، والدكتوراه"، وكتاباتي في الصحف والمجلات المحلية والعربية، ومتابعة عملي في جامعة البعث في "حمص" معيداً في قسم اللغة "العربية" في "كلية الآداب" وعضو هيئة التدريس في قسم اللغة "العربية"، استطعت إصدار المجموعات الشعرية التالية (1984 وجهك وضاح ثغرك باسم، 1994 أبي ينحت الحجر، 1996 في حضرة العاصي، 1999 أسماء على ضفاف العاصي، 2000 ملاءة الحرير، 2005 أقرب الأصدقاء أبعد الخصوم. وترجمة كتاب "حدود العصور، حدود الثقافات" للكاتبة الروسية "س.براجوغينا"). وعضو منذ عام /1994/ في اتحاد الكتاب العرب – جمعية الشعر. وقد تم انتخابي مقرراً لجمعية الشعر عن عام/2009/. وعضو اللجنة التنظيمية لمهرجان "أسامة بن منقذ" في "حماة"، وقدمت دراسة في مؤتمر (الخطاب العربي عند منعطف القرن الحادي والعشرين) الذي أقامته كلية الآداب بطنطا خلال الفترة من / 2 إلى 3 مايو 2006/ بعنوان "رؤية الشاعر وجيه البارودي بين الشرق والغرب"».