حين تكون روح الشاعر هي تلك الأرض الشاسعة الخصبة، فإنها تُنبِت ما تختاره بيادر العقل من البذور التي تنثرها في تلك الأرض مرويةً بما يدفقه فرات الخيال، فتنتشي ورود الثقافة وتنضج ثمرات الإبداع...
ومن هنا كان لقاء موقع eSyria مع الشاعر "قحطان بيرقدار" الذي أضاء لنا مجموعة من رؤاه حول بعض القضايا المحورية في الثقافة، حيث استهل حديثه حول "المعرفة"، قائلاً: «من أهم الشروط الواجب توافرها في مادة علمية ما لتصبح معرفة مؤثرة هو "الصدق"، ولا أقصد به خلاف الكذب، ولكنه الصدق النابع من جدية هذه المادة وطرافتها وعفويتها وتأثيرها، كذلك يجب أن تؤدي هذه المادة العلمية إلى نتائج عملية ناجحة بشكل أو بآخر، أي يجب ألا تكون من دون جدوى، وألا تكون نابعة من الفراغ ومتجهة إليه، إضافة إلى أنني أعتقد أنه لا يمكننا أن نحصل على معرفة صحيحة بشكل مطلق مهما بذلنا من جهود ومهما وضعنا من معايير ومقاييس منهجية».
إن الشعر يمثل عنفاً منظماً يُرتكب في حق الكلام الاعتيادي، إنه استخدام اللغة بشكل غير مألوف، فهو ينبع من ثقافة الشاعر وتجاربه، ويقوم على حساسية عالية تجاه اللغة وأبعادها في روح الشاعر، وفي علاقته بالمحيط، وهو بشكل أو بآخر سبر لأغوار النفس البشرية يتجاوز الأشياء إلى ما وراء الأشياء، وهو.. وهو
ويضيف حول المعرفة الحقيقية، فيقول: «باعتقادي لا يمكن الوصول إلى معرفة حقيقية، لذلك أحبذ أن أستعمل عبارة "معرفة جادة" بدلاً من "معرفة حقيقية"، أما المصادر التي أرى أنها تشكل بوابات مشرعة على معرفة جادة فهي كثيرة ومتنوعة، فالأديان بكل تصنيفاتها وما أفرزته من كتب مقدسة ومن تراث ضخم ينطوي على أبعادها ومدلولاتها، والفلسفات القديمة والحديثة على اختلاف مذاهبها ونظرياتها، والتاريخ، والإعلام الوثائقي، والعلوم والآداب، والثقافات البشرية على تنوعها واختلافها، إضافة إلى أن العقل والحدس والتجربة من أهم الوسائل التي توصلنا إلى المعرفة، حتى أنها توشك أن تكون مصادر للمعرفة بشكل أو بآخر».
أما فيما يتعلق بمسألة "الإبداع" فقد أوضح الأستاذ "قحطان" قائلاً: «الأصالة والتميز والقدرة على النفاذ إلى ما وراء الأشياء، والطلاقة في إنتاج أفكار جديدة، والمرونة والحساسية تجاه المشكلات، والخبرة والتجربة، كلها مفاهيم تؤطر مفهوم الإبداع وتحدده في مجموعها، والإبداع كما أراه تجربة مطلقة لا تحد لأنه مرتبط بالوجود الإنساني، والوجود الإنساني لا يقبل الاختزال في حقب تاريخية محددة، أما "الأيديولوجيا" فهي ركن أساسي من أركان الإبداع، فكل عمل فني لا يحمل رسالة هو عمل ناقص، وأي فكرة أو أي وجهة نظر يعبر عنها مبدع ما، هي بشكل أو بآخر نوع من أنواع "الأيديولوجيا"».
وهنا يتحدث حول مفهوم "الأيديولوجيا" الذي يقصده، فيقول: «إنها حركة الأفكار، وآلية تحققها على أرض الواقع، أما الإبداع الذي يشكل ترسانة دفاع أيديولوجية عن اتجاه معين في الحياة وفي الفكر فأنا لا أستطيع فهمه بالمطلق، ولا أستطيع فهم كيف يكون المبدع مبدعاً وهو مقيد، وأسير خلف قضبان مجموعة من الأفكار أو المعتقدات التي تقبل الصواب وتقبل الخطأ، على المبدع من وجهة نظري أن يكون شمولياً لا ينضوي تحت مظلة تيار فكري أو عقائدي ما، أما القيمة الجمالية لما يسمى الإبداع الأيديولوجي فهي أقل سطوعاً بما لا يقاس من القيمة الجمالية للإبداع الحر».
والشعر بمفهومه ونظرته هو: «كل المفاهيم التي ذُكِرَتْ وتُذْكَرُ من أن الشعر لغة، أو رؤيا، أو رؤيا وكشف، أو التزام، إلخ.. كلها تدخل تحت مفهوم الشعر أو في تعريفه الذي أرى من الصعب تحديده، الشعر بشكل أو بآخر هو ما نجهل من اللغة، لا ما نعرفه منها، فالشعر ليس ترفاً، أو شيئاً فائضاً عن الحاجة، إنه ركن أساسي من أركان الثقافة البشرية، ولا أرى أن عصراً من العصور سيستغني مطلقاً عن الشعر، إلا إذا فقد هويته وأصبح خارج التاريخ».
ويتابع: «إن الشعر يمثل عنفاً منظماً يُرتكب في حق الكلام الاعتيادي، إنه استخدام اللغة بشكل غير مألوف، فهو ينبع من ثقافة الشاعر وتجاربه، ويقوم على حساسية عالية تجاه اللغة وأبعادها في روح الشاعر، وفي علاقته بالمحيط، وهو بشكل أو بآخر سبر لأغوار النفس البشرية يتجاوز الأشياء إلى ما وراء الأشياء، وهو.. وهو».
وما زال الحديث لا يجد طريقاً للنهاية، لكننا نقف قليلاً على أكتاف الشعر، نمسد الشَعر، نستمع لإحدى قصائد الشاعر "قحطان بيرقدار" والتي يقول فيها:
مَأوايَ في الشَّامِ ليْ فيها ابْنَةٌ شَرِبَت
حنانَ رُوحِيَ مُذْ سَمَّيْتُهُ بَردى
حتى غَدَتْ حينَ ضاعَ النهرُ ليْ رِئَةً
وكَوثَراً في جِنَانِ الرَّوْحِ ما وُرِدا
والشامُ ما الشامُ إلاَّ قَلْبُ عاشِقِها
واللهُ ما اللهُ إلاَّ قلبُ مَنْ عَبَدا
الشاعر "قحطان بيرقدار" في سطور:
شاعر عربي سوري من مواليد "دمشق" 1/9/1977
متزوج، ولديه طفلتان، ويقيم في "دمشق".
درس اللغة العربية في جامعة دمشق، وعمل منذ عام 2000م في الإعداد والرقابة والتدقيق اللغوي والضبط للكتب والصحف والمجلات ونصوص السيناريو من مسلسلات وأفلام درامية وأفلام وثائقية للكبار والأطفال، إضافة إلى عمله في تأليف أغانٍ وأناشيد ومسرحيات للأطفال والكبار في عدد من دور النشر وشركات الإنتاج الفني في سورية وخارجها.
عضو اتحاد الكتاب العرب في سورية، وعضو جمعية الشِّعْر فيه منذ عام 2003م.
عضو جمعية الشعر في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين فرع سورية منذ عام 2001م، وشغل منصب أمين سر الجمعية خلال عام 2004م.
بدأ بكتابة الشعر في سن مبكرة، وقد أسس تجربته الشعرية على قصيدة البيت لينتقل إلى كتابة قصيدة التفعيلة في شتى أساليبها واتجاهاتها، كما يكتب شعراً للأطفال لمختلف المراحل العمرية لاسيما مرحلة الطفولة المتأخرة.
صدر له من المجموعات الشعرية:
1 ـ لو تَعُودِينَ قبلَ أيلُول ـ إصدار خاص ـ دمشق 2002م.
2 ـ في آخِرِ الأعلَى المُضِيء ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 2002م.
3 ـ هِجْرَةٌ في تَفاصِيلِ الحَنِين ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 2005م.
4ـ "لِدِمَشْقَ نُغَنِّي": "مجموعة شعرية مشتركة مع شعراء سوريين وفلسطينيين من أجيال مختلفة، صدرت عن اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين /فرع سورية/ في مناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008م".
5ـ مجموعة شعرية للأطفال بعنوان: "من نغم إلى نغم"، صدرت عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة "الشارقة" في دولة الإمارات العربية المتحدة لحصولها على المركز الأول في "مسابقة الشارقة للإبداع العربي" الدورة الحادية عشرة 2007 ـ 2008م.