من بين طيات الكتب المدرسية تسللت موهبته لترى النور مع أول مغامراته القصصية في مجلة الحائط المدرسية، فكتب قصة عجوز خرج في الثلج ثم سقط ومات فلم يحتج لكفن لأن الثلج الأبيض كان كفنه، "رفعت عطفة" القاص والمترجم والروائي، من مواليد مصياف 1947، شهادته ماجستير في الأدب الإسباني وعمل رئيساً للمركز الثقافي السوري بإسبانيا سابقاً، وحالياًَ متفرع للقراءة وبعض الكتابة والكثير من الترجمة.
موقع eHama زار منزل الأستاذ "رفعت عطفة" وأجرى معه حواراً حول مسيرته في مجال الترجمة والكتابة.
يتميز الأدب الإسباني بأنه مكتوب بلغة استطاعت أن تفرض نفسها عالمياً وهي لغة لاتينية بالأصل واسعة الانتشار، وللحقيقة هي ثاني أكبر لغة في العالم، هذا التميز جعلها في متناول الشعوب الأخرى
عن بداياته يقول: «كانت خجولة مع مجموعة من المقطوعات الأدبية التي تلحظ الواقع البسيط في "مصياف" خلال فترة الستينيات، في مجلات الحائط المدرسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية التي كانت زاخرة بالمحاولات والتي أسست لدي قاعدة أدبية صقلتها دراستي الجامعية في اسبانيا من خلال دراسة الأدب الإسباني مدة ست سنوات بموجب منحة دراسية من وزارة التربية والتعليم سابقاً، والتي فتحت لي آفاق الأدب الأسباني ومكنتني من الغوص في أدبية أشهر أدباء العالم مثل "فيدريكو غارثيا لوركا" و"بابلو نيرودا" كما فتحت عيوني على حركة المجتمع الإسباني الزاخر آنذاك ودفعتني نحو المطالعة والترجمة لإغناء المكتبة العربية بأفكار جديدة».
وعن أهمية الأدب الأسباني وترجمته إلى العربية، قال: «يتميز الأدب الإسباني بأنه مكتوب بلغة استطاعت أن تفرض نفسها عالمياً وهي لغة لاتينية بالأصل واسعة الانتشار، وللحقيقة هي ثاني أكبر لغة في العالم، هذا التميز جعلها في متناول الشعوب الأخرى».
ويضيف: «كما أن حركة الترجمة ساهمت في إغناء الثقافة العربية، فلولاها لكانت ثقافة فقيرة، ومع حركة الترجمة التي بدأت في "بغداد" وتواصلت بعدها في اسبانيا وفي "القاهرة" أصبح لدينا ما يمكن أن نسميه الفلسفة العربية، وبفضل الترجمة تم إنقاذ أعمال كثيرة من الضياع كأعمال "أرسطو" اليونانية و"كليلة ودمنة" التي لم يعثر على أصلها، وغيرها من الأعمال، كما أغنت الترجمة من جانب آخر اللغة العربية وفتحت آفاقاً أمام الفكر العربي ما ساعد على ظهور النهضة العربية الحديثة، فضلاً عن أننا في الوقت الحاضر ندرس بفضل الترجمة آخر العلوم، لأن هذه العلوم في الأصل ليست من عملنا بل نحن مستهلكون ومتلقون لها».
وعن أهم إنجازاته في ميدان الترجمة من الإسبانية إلى العربية، أجابنا قائلاً: «أغنيت المكتبة العربية بالكثير من الترجمات الأدبية التي يبلغ عددها حوالي ستين كتاباً، أهمها ثلاثية الكوميديا البربرية "لباليه أنكلان" والتي صدرت عام 1982 إضافة إلى أنني أول من قدمت الأديب "فاريوا بارغث ليوثا" عبر ترجمة روايته الشهيرة "البيت الأخضر"، إضافة إلى مجموعة من قصصه القصيرة عام 1991، كما ترجمت رواية "دونكيشوت" ورواية "ابن لص" للكاتب "مانويل روخث" في عام 1985، كما ترجمت أعمال كتاب اسبانيين من روائيين وشعراء مثل "المخطوط القرمزي" لـ"أنطونيو غاليا" وكذلك "الوله التركي" و"غرناطة بني نصر" في فترة التسعينيات، كذلك ترجمت رواية "علي بابا العباسي" للكاتب "رامون مايراتا" وهي من العناوين التي لاقت انتشاراً كبيراً».
ويتابع: «وفي ميادين العمل البحثي بين الثقافة العربية، والإسبانية نظمت عدة ندوات حول هذه المواضيع كان آخرها في المركز الثقافي العربي السوري في "مدريد" عام 2007 والتي شارك فيها أكثر من خمسة وثلاثين باحثاً من جميع أنحاء اسبانيا والوطن العربي».
وعن المترجمين السوريين، يقول: «تقوم اليوم حركة الترجمة إلى العربية بجهود فردية في سورية، وأسماء المترجمين السوريين تلقى احتراماً واسعاً في الوسط العربي لكونهم يقدمون الترجمة المبنية على قاعدة المعرفة الجديدة، التي هي إغناء للقارئ وللمجتمع الذي ينتمي إليه، وبما أن المجتمع العربي أمر بالقراءة، وعصا هذا الأمر، أصبحنا شعباً قليل القراءة، ومن هنا تبقى الترجمة عاملاً مهماً في خلق التواصل بين القارئ العربي والعوالم الأخرى».
أما في جوابه حول كتاباته الخاصة مثل الرواية، والقصة، فقد اعتبرها روحانية، وأضاف قائلاً: «وهي تأتي بشكل غير متعمد، فأعبر عنها بشكل انسيابي عبر قصص قصيرة، ولكني على الرغم من أن تجربتي اقتصرت على رواية واحدة هي "قربان"، إلا أن جل ما أهواه هو الرواية لكونها تنسج عالماً شبه متكامل، تمدّني بالقدرة على التحكم بأبعاد العالم الذي أصوغه، بينما القصة القصيرة تميل إلى الاختزال، وعلى عيبها هذا ما زلت أهواها وأخوض فيها، لذا نشرت مجموعة قصصية تضم أكثر من/ 40 قصة/ تروي تجاربي في الحياة، سواء من خلال المعيش الشخصي، أو من خلال المعيش المجتمعي بكل أبعاده، بمعنى أن موضوعاتها تعبر عن وجع الناس والإحباط الذي ينتابهم في بعض الأحيان».
"رفعت عطفة" يعمل حالياً على ترجمة رواية "نعيمة" للكاتبة "أيديت شاهين" وهي تشيلية من أصل سوري، وكذلك كتاب بعنوان "موت في بيروت" للدبلوماسي التشيلي "البيرتو أبو عيد" الذي عاصر أحداث حرب تموز في بيروت عام 2006.