تظنه للوهلة الأولى رجلاً عادياً من رجال هذا الوطن، لكنك ما أن تبدأ بالحديث معه، لن تعرف كيف تنسى همومك وخاصة إذا أسمعك أبياتاً من قصيدة تسخر بمعانيها من ظروفك التي سبب لك أحدها الهموم أو ربما كلها، فهو كشاعر يجد السعادة الذي يبحث عنه كل إنسان فقط في مدى تقبل الناس لأبيات قصائده وتأثرهم بها، وطبعاً سيحقق المجد إذا كانت حروفه السبب في التغيير النادر الحدوث».
eSyria كان في زيارة للشاعر "شريف سيفو" في بيته في الحي الغربي من مدينة "سلمية" حيث أضفت رائحة "البن" المتناثرة من فناجيننا الصباحية رونقاً خاصاً على الحوار، والذي بدأنا فيه بتصفح حكايته الطويلة مع الشعر، والتي بدأت من أيام طفولته حيث قال: «كتبت الشعر لأول مرة بشكله الحقيقي وبشكل جدي منذ أن كنت في الصف الأول الإعدادي، حيث كان ذلك بمثابة خطوة في مشوار الألف ميل، فقد خرجت كتاباتي للنور بعد ثلاث سنوات حين نشر بعض منها في ذلك الوقت ليس فقط في سورية، لأنه نشر لي بعض من قصائدي في صحف لبنانية على سبيل المثال، كما أنني كنت أشارك في أغلب الأمسيات التي تقام في مدينتي "سلمية"، وفي الحقيقة فإن وجودي في "سلمية" المعروفة بأنها مدينة الشعر والشعراء ألهمني بعض الشيء، لأنه وكما يقال فالشعر ينتقل بالعدوى بين شاعر وآخر في أزقة هذه المدينة السمراء».
أتمنى من كل كاتب أن يكتب ما يشعر به فقط دون الخوف الرقيب، أو من أي عواقب أخرى حتى لا يخسر نفسه قبل أن يخسر مصداقية كلماته
وحول نشاطه الشعري في تلك الفترة أضاف: «كانت كتاباتي حينها أكثرها يصنف في خانة الغزل البريء، ربما لأن الشاب في هذه المرحلة العمرية يكون قليل الهموم، فيكتب مشاعره التي تراوده فقط، هو بحاجة لأن يكبر أكثر حتى يدرك الأمور بأوجهها الصعبة منها والسهلة ويكتب عن المشاكل التي تواجه الناس في مجتمعه».
لكل شاعر روح خاصة تهيمن على كتاباته، وهو يستوحيها من رسالته التي يهدف لإيصالها من خلال ما يكتب على الأقل، عن هذا الموضوع حدثنا الشاعر "شريف سيفو" قائلاُ: «هموم بني الإنسان تدفع أي أديب كان وليس فقط الشعراء للكتابة عنها وهذا ما حدث معي، فكانت أغلب قصائدي مغمورة بمشاعر الناس ومعاناتهم ومشاكلهم، كل هذا جاء من قناعتي بأن الشاعر الذي لا يتكلم عن آلام غيره لا يقدم أي شيء، فهو عندما يفقد التواصل الشعوري مع الآخرين يكون حينها فاقد للبذرة الأساسية التي جاءت منها كلمة "شعر"، وطبعاً بما أن شر البلية ما يضحك فقد كانت أغلب هذه القصائد ذات روح ساخرة نوعاً ما».
لهذا فيعتبرالشعر هو الوسيلة التي تم ويتم من خلاله التعبير عن مشاعر الناس من المناسبات السعيدة والحزينة التي تمر بهم، هذا ما أوجد على الساحة أسماء عدد لا بأس به من شعراء تميزوا في شعر المناسبات إذا صح التعبير، مضيفنا الشاعر "شريف سيفو" يوضح لنا موقفه من ذلك فيقول: «من جهتي لا أكتب وفورالحدث مباشرة وفور وقوعه، فإما قبله حيث أن الشاعر الحقيقي تودي به مشاعره والأحداث التي تجري من حوله إلى أن يتنبأ في سطوره بكثير مما سيحدث وغالباً ما تتحقق هذه التنبؤات، وإما أن يكتب بعد مضي الحدث بفترة زمنية طويلة تكفي لأن يتخلص من الضجة التي يحدثها قول فلان، وتصريح آخر حين تكثر سماعات المذياع الواحد، وبذلك تتخمر مشاعره بشكل جيد لتصبح هي المنبع الحقيقي لكلماته، لذلك أظن أن الأدباء الذين ينالون الشهرة مقابل أن يكتبوا في مناسبات معينة آراءً ليست بالضرورة متفقة مع قناعاتهم، لا يستحقون أن يسموا أدباءً أو شعراء، لأن من مقومات الأديب أن يكون صاحب الرأي في كتاباته».
أما عن الجدلية المعروفة حول تقييم الشاعر والشعر فقال: «الشاعر الحقيقي هو من ولد شاعراً، وعوامل الثقافة والقراءة هي التي تصقل الموهبة الموجودة أساساً، وهناك الكثير ممن استفاد من قراءاته ليصنع من نفسه شاعراً، وهم بالتالي لن يحققوا ما ارادوا من خلال مزاولة الكتابة، لأن القصيدة لا يكتبها الشاعر بل يجب أن تكتبه هي، فأنا وعندما يأتيني الهاجس لكتابة قصيدة فإنه يوسوس في أذني بشكل مستمر ولا يهدأ حتى تصبح أمواج الأحاسيس سطوراً على تلك الورقة البيضاء».
وبالنسبة لتقييم الشعر قال: «أرى أن تقييم الشعر أمر مزاجي، فهناك شعراء كبار يختلفون على بعض النصوص، فواحد يراها عظيمة، والثاني يراها لا تمت إلى الشعر بصِلة، هذا ما أخبرني به أحد أصدقائي العضو في لجنة قراءة النصوص قبل النشر».
وعندما سألناه عن مدى فعالية الشعر في حياة الناس أجاب: «لا بد أن يكون للشعر تأثير ما وفي كافة المجالات أيضاً، فمثلاً الشعراء الذين يناضلون في وجه الظلم لسنوات بشعرهم فقط يعطى هامش حرية لأحفادهم، وأستشهد هنا بقول "الإمام علي" "ع": «من أعظم الجهاد كلمة حق أمام سلطان ظالم»، وأنا أجد بهذه الجملة رداً ورفضاً لما يقوله بعض الناس بأن "العين لا تقاوم المخرز"، لأننا إذا تبنينا هكذا رأي فسنترك العدو ولا نقاتله، لذلك أنا لا أسكت، وأكتب عن كل الأخطاء التي أراها أمامي».
ثم ذهب بنا الحديث عن علاقته الخاصة بالشعر ومدارسه المتعددة فقال: «أنا مع الشعر الموزون، وشعر التفعيلة، والنثري كذلك، وإذا كان هناك من مدرسة رابعة فأنا معها، لكنني لا أكتب إلا الموزون من الشعر، لم ولن أحاول أن أكتب نوعاً آخر، وأفضل التخصص في أي مجال كان لأن الذي يُكثِرُ الفروع والدروب سيفشل بها جميعها، ومع ذلك رغم أن توجهي الشعري هو ناقد واجتماعي فأيضاً تجدني أكتب الغزل في بعض الأحيان، فالإنسان يحب أن يعبر بطرق مختلفة، وأذكر على ذلك أنني أعتبر خطاطاً من الدرجة الجيدة».
وأضاف الشاعر "سيفو": «يمتاز أفراد آل "سيفو" بالرسم، والنحت، وكلهم يعتبرون أن الفضل بذلك يعود لمعلمهم الأول في ذلك الفنان "إبراهيم سيفو"، من هنا أردت أن أختط طريقاً مختلفاً فكنت أول شاعر، وأول خطاط بين أفراد عائلتي».
وكان ختام اللقاء كلمة احب أن ينهي به فنجان القهوة الثالث، فقال: «أتمنى من كل كاتب أن يكتب ما يشعر به فقط دون الخوف الرقيب، أو من أي عواقب أخرى حتى لا يخسر نفسه قبل أن يخسر مصداقية كلماته».
والجدير بالذكر بعض المعلومات عن مضيفنا الشاعر "شريف سيفو" فهو:
من مواليد "سلمية" عام 1950
درس الحقوق في جامعات القطر
لديه ثلاث مجموعات شعرية منشورة وهي :"عَنود"- "عصفور النار"- "على بوابة الحلم"، وكثير في طريقه إلى النشر.
نشر في بعض الدوريات المحلية والعربية وبعض مواقع الإنترنت.
ومن قصائده قصيدة "عاتبٌ عليكَ يا مُنتظَر" التي اخترنا بعضاً من أبياتها حيث يقول:
الريحُ تعبثُ بالنيرانِ واللهبِ
والماءُ مُعتقلٌ في أعينِ السحُبِ
باتت عصافيرُنا في شدوها ألمٌ
والبومُ ينعقُ في مهجورةِ الخربِ
أطفالُ غزَّة باتوا وقد محرقةٍ
ومُزِّقوا إرباً في سيف مغتصبِ
وشيخ غزَّة قد ديستْ عمامتُهُ
أمام قسٍّ هوى من شدّة التعبِ
داست لحومَهم دبّابةٌ فخرت
بأنها تعرِفُ الحُكّامَ عن كثبِ
فليسَ فيهم همامُ العصر "مُنتظَرٌ"
ولا "سليمان" ذاك الفارس الحلبي.