«ربما الشعر هو من اكتشفني طفلة حالمة على حوض ياسمينة جدتي رحمها الله أكلم العصافير الصغيرة»، هكذا بدأت الشاعرة "مروة حلاوة" حكايتها مع الشعر. eHama زار الشاعرة "مروة حلاوة" في 21/9/2008 التي ذاع صيتها على مستوى الوطن العربي من خلال مشاركاتها في العديد من برامج المسابقات الشعرية وأجرى معها الحوار التالي:
*كيف كانت البداية, وكيف اكتشفت أن الشعر طريقك؟
سرت على هذا المنوال عدّة سنوات بدأت خلالها التسلل إلى مكتبة والدي واقتناص كتب الأدب القديمة التي كنت أفضل قراءتها على دراسة المنهج التعليميّ, أهمّ سبب في ذلك هو إلحاح أمي على ترك الكتب والالتفات إلى دراستي ومع دراستي العروض في المرحلة الثانويّة بدأت أنظم الشعر على أوزان الخليل بشكلٍ صحيح وخلال هذه الفترة اكتشفت شعر التفعيلة وبدأت أكتبه
**لا أعتقد أنني اكتشفت يوماً أنّ الشعر طريقي, ربما الشعر هو من اكتشفني طفلةً حالمةً على حوض ياسمينة جدتي رحمها الله أكلم العصافير الصغيرة, وأعتقد أنها تغنّي لي.. حقّاً كنت أعتقد ذلك. في مرحلةٍ لاحقة عندما دخلت المدرسة, كانت تأخذني الأناشيد المدرسيّة.. عندما كانت تردّد المعلمة النشيد لم أكن أردّده معها.. فقط كنت مشدودةً إلى إيقاعه متفكّرةً في كلماته, أذكر أنني لم أكن أفهم بعضها بمعناها الصحيح الذي أراده الشاعر, بل كان لي مفهومي الخاصّ عنها وأحيانا أستغرب ما تقوله المعلّمة.
وتتابع: «سرت على هذا المنوال عدّة سنوات بدأت خلالها التسلل إلى مكتبة والدي واقتناص كتب الأدب القديمة التي كنت أفضل قراءتها على دراسة المنهج التعليميّ, أهمّ سبب في ذلك هو إلحاح أمي على ترك الكتب والالتفات إلى دراستي ومع دراستي العروض في المرحلة الثانويّة بدأت أنظم الشعر على أوزان الخليل بشكلٍ صحيح وخلال هذه الفترة اكتشفت شعر التفعيلة وبدأت أكتبه».
*ما هي أول قصيدة كتبتِها وكيف كانت ظروف كتابتها؟
**من الصعب جدا ذكر أول قصيدة لي, ربما كانت أغنية رددتها مع عصفورٍ صغيرٍ جميل. ومن الصعب جداً الحديث عن مراحل التكوين الأولى التي قد تبدو ظاهريّاً مكررة عند الشعراء كلّهم, ولكنها في الواقع تظلُّ سمةً بالغة الخصوصيّة لكلٍّ منّا, إنه عالم البوح بأبجديّته الأولى التي تترافق ومكابدات اكتشاف الذات الشاعرة, حيث تناثرت الأشياء وتشظت من خلال وجهي.. بشرتي.. صوتي.. ولغتي وانفلات روحي في العالم المتناثر في فضاءات الرهبة والغربة وأحاسيس الجمال ومفردات الأنوثة الأولى المنكشفة على عري المشاعر وجمالاتها, المنفلتة كبريّة جذلى بطيورها الشاعرة. من هذا البحر أفرزت لؤلؤتي القصيدة في مرحلةٍ لاحقةٍ عندما أدركت أن الشعر سر روحي وجذوة اتقادها.
وعندما استوت على عنقي عقداً فريداً اكتشفت بياضي للمرة الأولى, وامتشقت قلماً شفيفاً كروحي وبدأت التحليق.
*تكتبين الشعر العمودي والتفعيلة, أين تجدين نفسك بينهما؟
**شعر التفعيلة بالمقارنة مع البحر أمواجٌ على ناتئات الصخور.. أكثر تكسّراً وحركةً ونبضاً وحريّة. لا أعرف لماذا يتكسّر فكري على الصخور!!! بينما يرتمي حبّي في البحر!!!
*من هو عرّاب "مروة حلاوة" الشعري؟
**أعتقد جميع من قرأت من الشعراء منذ نعومة أظافري, لكنّ الأكثر وضوحاً زوجي الشاعر "محمّد منذر لطفي", أستاذي الذي علّمني الكثير, وعندما أردت أن أخرج من العش الجميل الذي بناه لي منحني المفتاح, لأطلق أجنحتي في الهواء.
*كيف تنظرين للواقع الشعري الآن؟ ومن شاعرك المفضل؟
**الواقع الشعري الآن عتمةٌ في العتمة, وفي العتمةِ عتمة فالأمور كلها عاتمة.. هل يوجد أفضل من هذا الوضوح, لكن وعلى هذه العتمة فثمة نجوم لامعة هنا وهناك تضيء الدرب الذي لا يريده الآخرون لنا. ولا شاعر مفضل عندي, هناك قصيدة مفضلة, وهي من كان شاعرها, تحركني من الأعماق, وتكون مذهلة فنيا, باختصار تعيشني وأعيشها. قرأت سابقاً الكثير لنجوم الشعر العربي والغربيّ القدماء والمعاصرين, تشدّني الآن كتابات من يسمّونهم بشعراء التسعينيات ويشملونني معهم.
*هل لأدب الكلمة امتداد وجداني على خارطتي الروح والجسد؟ وهل قصائدك من وحي الواقع أم من نسج الخيال؟
**في البدء كانت الكلمة.. الكلمة هي رسول الجسد إلى الروح. إنها إبداعاً جسدياً يتغذى على اشتعالات الروح أو انطفاءاتها لتتماهى حقيقتها, وتضيع حدودها بينهما.. فإذا كان القالب حسيّاً بالنسبة إلى الكلمة من حيث كونها مسموعة أو مقروءة ومن حيث دلالاتها الأولى فإن لتفاعلها في الروح أصداءٌ وأصداء لا يتّسع لها أحياناً سوى الإبداع شعراً أو لوناً أو موسيقا فهنا للكلمة انزياحاتها وسباحتها المتقنة في المطلق وعياً ولا وعياً ولها تأثيرها على الشعور واللاشعور الفرديِّ منه والجمعيّ.
بالنسبة إلى "مروة" نعم لأدب الكلمة امتداده على خارطة الجسد والروح.. لقد تركت تحت كلّ حرفٍ قلبها ينبض وروحها تهيم. ففي الشعر يتعانق الواقع والخيال ضمن كونفيدرالية سريالية التشكيل, حيث لا حدود فاصلة بينهما.
*ما هي نشاطاتك الشعرية وما المطبوعات الصادرة لك؟
** شاركت بالعديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية ضمن سورية وخارجها, كان آخر نشاط خارجي هو المشاركة في مهرجان أمير الشعراء في "أبو ظبي" بدولة الإمارات العربية المتحدة, وحققت نتيجة شعريّة جيدة, بعيدا عن العصبيات والتدخلات الأخرى.
أما عن المطبوعات فهي: ـ مسرحية [العصفور الصغير] للأطفال صادرة عن جائزة أندية الفتيات بـ"الشـارقة" عام /1998/.ـ مدينة بلا سماء ـ مجموعة شعرية ـ صادرة عن وزارة الثقافة في سورية عام /2002/. ـ أحلُم بعد منتصف الليل ـ مجموعة شعرية ـ مخطوط يصدر قريبا.
*ماذا عن مشاركاتك في برامج الشعر, شاعر العرب وأمير الشعراء مثلا, وما وجه الاختلاف بينها وبين المسابقات الأخرى, وعمّ تبحثين من خلالها, هل اللقب أم شيء آخر؟
**في برنامج شاعر العرب وصلت إلى الدور الثاني حيث نلت ثاني أعلى درجة بفارق (0.8) عن الشاعر الأردنيّ "خالد فوزي", وحسم التصويت الأمر لصالح الشاعر السعودي "فائز الشهري", ونظام المسابقة يقتضي بأن يترشح الأعلى درجة من قبل لجنة التحكيم والذي يحقق أعلى معدل يجمع بين التحكيم والتصويت، وهكذا ترشح الشاعر الأردني بقرار اللجنة والشاعر السعوديّ بتصويت الجمهور حيث نال نسبة حوالي (90)% , بينما نسبتي (9)% والباقي للشعراء الأربعة الباقين. فختمت نتيجة تقييم الشعر بتوقيع القبيلة.
أما عن أمير الشعراء فقد كنت أيضاً هناك.. وصلت إلى دور الستين, فتجاوزت الأكمة واصطدمت بما وراءها.. وإذا أسقطنا من الأمرـ وهو لم يسقط ـ الحساسيات الجغرافيّة.. فإنها تظاهرة أدبيّة كبيرة ورائعة بل أكثر من رائعة. فقد أعادت الشعر إلى جوانب من الشارع العربيّ.. كان قد هجرها من زمنٍ بعيد.
وجه الاختلاف بين مسابقات البرامج والمسابقات التقليدية يكمن في أنني على تماس مباشر مع الجمهور, في المرات السابقة كنت أرسل القصيدة وأنتظر هاتفاً قد يأتي وقد لا يأتي.. هكذا تجري الأمور, أمّا الآن, فالوضع مختلف تماما, وعليّ المواجهة, مواجهة شعراء لا أعرف أغلبيّتهم, وخمسة محكّمين أعرف اتجاهاتهم النقديّة. والأهمّ مواجهة الجمهور الذي ليس في مجمله جمهوراً شعريّاً, وهنا يكمن التحدي والطرف الأكبر فيه الشعر وليس الشعراء. حيث المواجهة بينه وبين ما تملكه القبيلة.
اللقب ليس هو المهمّ.. لا أبحث عن لقبٍ أبداً ولم أفعل يوماً, السبب الحقيقي: لست أدري ماذا تريد "مروة", حقاً لست أدري.. أشعر أنني في سباقٍ مع الزمن..وأجدني دائما في آخر الركب.. حتى عندما أفوز بالدرجة الأولى.. أسأل نفسي: وماذا بعدها ؟.. يصعب إرضائي.. هذا في جيناتي.. ولن أبحث عن السبب.
*إلى أي مدى يلعب الإلقاء الشعريّ دوره في إيصال القصيدة إلى المتلقي؟
**للإلقاء دوره الفاعل في ذلك ويختلف هذا الدور حسب المتلقي نفسه. ففي كل تظاهرة أدبيّة ينقسم الجمهور إلى ثلاثة أقسام، أولا: النخبة من الشعراء والنقاد والمشتغلين في مضمار الأدب, وهي فئة تعرف الغثّ من السمين مهما كان الإلقاء, ولا تتأثر بمؤثرات الشاعر الصوتيّة والحركيّة. وثانيا: المثقفون من اختصاصات أخرى, يتذوّقون الشعر ويذهبون في معانيه ولا باع لهم في فنونه وتقنياته, هذه الفئة تميّز المعاني الجميلة ويسحرها في الوقت نفسه الإلقاء الجميل, ولا تستطيع غالباً تقييم المستوى الفنيّ للقصيدة, مع هذه الفئة يكون دور الإلقاء فاعلاً وفي غاية الأهميّة. وثالثا: الجمهور البعيد عن أجواء الأدب والثقافة والذي يأتي لرؤية الشاعر لسبب ما اجتماعي أو سياسي أو غيره, وهنا للإلقاء دوره المصيريّ, فإن كان حيّاً نابضاً جميلاً سحر الجمهور وحتى إن كان هابطاً فنيّاً, أما إن كان خلافه فلن يشدّ هذه الفئة حتى لو قرأ أجمل وأفضل القصائد.
وعلى كلّ حال للإلقاء دوره الكبير في إيصال القصيدة وإضافة جماليات أخرى عليها, وإن كان الانتصار في النهاية للشعر نفسه, ففي النهاية يموت الشعراء ويبقى الشعر.
*ما هي طموحات الشاعرة "مروة حلاوة" للمستقبل؟
**طموحي لا تحدّه حدود.. قد أقول لك اليوم أمراً أراه غداً وقد تحقّق, ففقد بهجته وسحره. المستقبل في علم الغيب وسأترك أمره إلى حينه وأعيش لحظتي الآن كما ينبغي لي ولها ومع احترامي للحظات الماضي كلها جميلها ومؤلمها وحزينها وخلافها.