مع أفول شمس عام /2008/ صدرت نتائج مسابقة "سعاد الصباح" العلمية والأدبية، لتحمل البشرى التي تكررت على مدار سنين مضت، ألا وهو التفوق السوري على كافة مستويات الفن والأدب والفكر، وهذه الدورة أعلنت سورية كمتفوقة ووحيدة في مجال الشعر، فحصدت المراكز الثلاث الأولى.
ومن "سلمية" مدينة الشعر وعاصمته برز اسم الشاعر الشاب "هانيبال عزوز" ليكون أحد أعمدة الثالوث السوري المبدع، فكان ترتيبه الثالث، وبفوزه مع "حكمت حسن جمعة" و"عصام عبد السلام كنج الحلبي" يثبت أنه علامة فارقة تضاف للشعر العربي عامة ومن منبت سوري. موقع eHama زار الشاعر "هانيبال" في منزله يوم السبت 3/1/2009 مهنئاً إياه بفوزه، ومطلعاً على ما يدور في ذهنه من أفكار وطموحات.
والشاعر من مواليد "سلمية" عام /1979/ متزوج ورزق بطفلين "جوليا" و"مهيار".
*كيف وجدت أنك بحاجة لقلم تسطر به على ورقة بيضاء كلمات هي أشبه بالخيال؟
** الكتابة بالنسبة للشاعر ما زالت أشبه بالحاجة للخلاص، فحين يقتحمه الواقع بفظاظته، لا يبقى لديه سوى الخلاص بالكلمات، لا أتذكر كيف بدأت الكتابة بالضبط أو متى، أتذكر أني كنت مولعاً بقراءة الشعر، وحين بدأت أبث لبعض الأصدقاء ما أكتب، كنت أفاجأ بإعجابهم المفرط، وأحيل ذلك إلى علاقتي الطيبة بهم، ومع ذلك كنت قلقاً دائماً في بحث لا ينتهي، وسرعان ما أتراجع في آخر الليل عند آخر القصيدة، عن كل ما قصدته...
** لا أستطيع أن أقول ما يمكنني إضافته، ربما لأني ما زلت أبحث في مكامن اللغة عن ناصية أرفع فوقها رؤاي، تلك التي تؤرقني لأنكشف دونها.. إن في كل قصيدة ناجحة إضافة حقيققية إلى التراث الشعري - على حد تعبير شيخنا يوسف الخال-، وليست الجوائز التي تمنح للشاعر مقياساً لهذه الإضافة مهما ثمنت قيمتها وسمت مكانتها...
**أرى أن الشعر منجز يحاول تفكيك الواقع النفسي لإعادة تشكيله على نحو جديد مختلف، محوّلاً إياه برؤيا خاصة إلى قيمة جمالية جديدة، ومن هذه القيمة تنتج ما لا نهاية من الدلالات والعوالم الجديدة التي تحمل في تنفّسها قلق الفكر وشواظ العاطفة الحارقة، هذه العملية عملية توليديةـ إن جاز التعبيرـ تأتي بمخلوق سوي إن تحقق عاملان أساسيان (العامل الفكري ـ الثقافي، والعامل التقني ـ الفني..) ومن هنا يمكننا القول أنه لا يفاجئنا مجيء بعض الأعمال ممسوخة أو مشوهة إذ إن التشكل الجنيني الناقص ضمن رحم الفكر لا يأتي بـ"مخلوق" سوي، حتى ولو تمت الولادة بتقنية عالية.
والعكس صحيح حيث إن التشكل الجنيني تشوهه الولادة بتقنية وأدوات رديئة، ومن هنا نفهم قول "راندل جاريل": (إن أعظم خيانة يرتكبها الكاتب هي حين يصوغ الحقيقة الصعبة في عبارة رخيصة)، العملية بمجملها تحدث في وعي الشاعر ولا وعيه، ويمكنني القول إن ما يحدث في لا وعي الشاعر يحاكي لا وعي المتلقي وما يحدث في وعي الشاعر يؤثر في وعي المتلقي، ولعلّ الإيقاع، مثلاً، يأتي ضمن نطاق الوعي المؤثر، ولكن قبل كل هذا ألا يجب أن يكون الشاعر مستعداً لتحمّل آلام المخاض، ونتائج العقوق الآتية.
** لا أرى أن على الشعر أن يكون جماهيرياً، تلك مهام غيره، ربما كان كذلك في فترات سياسية، اجتماعية معينة تحول فيها على يد بعض المتطفلين إلى شعر منابر ومناسبات وشتائم. ولكن الأمر لم يستمر طويلاً لأن طبيعة الشعر تأبى ذلك. إن كنت تقصد تراجع قراء الشعر فهذا يمكن سحبه على جميع أشكال الآداب، ومرده إلى الاستسلام لاجتياح الثقافة البصرية، ونهب المتعة بسرعة دون التلذذ بعناء قطافها.
** مجموعتي بعنوان (كافٍ قليلك) هي أول مجموعة شعرية لي.. وتضم 25 قصيدة كتبت بين عامي 2005 /2006، القصائد التزمت نظام التفعيلة شكلاً..
**أعتقد أن جائزة "سعاد الصباح" هي من أعرق الجوائز الممنوحة للمبدعين الشباب، إذ أنها أثبتت الكثير من المهنية، إن كان في آلية التحكيم المتَّبعة، أو في الأسماء المحكِّمة، مع يقيني المُسبق بأن عملية التفضيل بين قصيدتين، مثلا، عملية غير يسيرة أبداً ..!!. إن القيمة الحقيقية لهذه الجائزة هي إعلامية بالدرجة الأولى ـ وهذا ما قد ينشده المبدع الشاب، وسط ما يعيشه من عزلة اختيارية وإقصاء قسري ـ
أضف أيضا قيام الدار بطباعة وتوزيع المجموعة الفائزة بالمرتبة الأولى.
اللافت في الأمر أن السوريين أثبتوا تميُّزهم خلال دوراتها، وكانوا السباقين إلى نيلها بجدارة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: ألا يدفع هذا بمؤسساتنا الثقافية لإعادة النظر في طريقة تعاملها مع المواهب المبدعة الشّابة، التي تتجه إلى الخارج للفوز بفرصة لنشر تجاربها.. ؟!! وإن كان الشاعر ـ باعتقادي ـ لا يحتاج لأكثر من (إصراره) للبقاء على قيد الشعر. منجزاً ومطوِّراً، فإن هذا الإصرار لن يخور إذا لم يفز بجائزة أو لم يحظَ بتكريم.
*ما رأيك بقصيدة النثر؟
** لن أخوض في ما يسمى إشكالية المصطلح والتسمية.. فأنا مع الحالات التعبيرية الأدبية حين توافق بين القيم الجمالية والقيم الإنسانية، ولكن أحياناً أشعر بالحزن عليها إذ أنه وباسمها تمرر الكثير من التفاهات التي لا تطال حتى خواطر المراهقين، إن كان لضيق معرفي بأحوال اللغة، أو لاستسهال امتطاء الموجة بحجة التحرر من الإيقاع وما يفرضه من قيود - على حد زعمهم. وبالمقابل تحملني بعض تجاربها إلى أقصى حدود الدهشة والرغبة باكتشافها من المثابرة.. الرداءة لا تقتصر على جنس أدبي أو شكل شعري بعينه، إنها انعكاس لحالة اجتماعية ثقافية معاشة....
* ماذا بعد (كافٍ قليلك)؟
** لدي مجموعة بعنوان (انكسارات الصوت في ماء الذاكرة) ستصدر قريباً، ومجموعة بعنوان ( سَ..) وهي نصوص نثرية كتبت في فترات متباعدة نشر قسم منها في بعض الصحف.. حاولت جمعها في كتاب، وأنا أنتظر الموافقة على طباعتها..
*ماذا تختار لنا من المجموعة الفائزة هدية للقراء؟
**
مَرَّةً منْ غَيرِ أنْ أدريْ..
تَهيَّأْتُ العِبارَهْ..
رَغبَةٌ عَضَّتْ عَلَى الجُرحِ الَّذيْ
أَطفأ بلا خَوفٍ جِمارَه.
كانَتِ الأيَّامُ
تُحْصيْ فيْ الثَّوانيْ،
رَعشَةَ الحُبِّ المُلَطَّخِ
بالخَطَايا.
كانَتِ الأشّجَارُ
تَلويْ زِنْدَهَا للرّيحِ، صَبراً،
قبلَ أنْ تُلقي على الأرضِ الوَصَايا.
كانَتِ الأوجَاعُ
تَسريْ فيْ دَمِ الأوطَانِ..
مِثلَ الفَقرِ، والتَّجويعِ
والصَّوتِ المخدَّرْ.
لمْ يَكنْ فيْ البيتِ شبَّاكٌ،
ولا بَابٌ،
ولا زادٌ..
وَلا فينا نَبيٌّ،
كَيْ يُواسيْ خَاطِرَ النَّاسِ المُكَسَّرْ .
عَتْمَةٌ عَجَّتْ بِوَجهِ الشَّمسِ،
وانهالَتْ تُفلّي الدِّفءَ،
والأحلامُ شَاخَتْ،
قَبلَ قَابِ الصُّبحِ بالأضْغَاثِ،
والأحْمَالِ،
والدَّمعِ المُخَثَّرْ...