في الشاعر "حسين الخطيب" عامة، تبتعد عن الأرض وتمشي في الهواء، لا رادع لك في ولوج داخلك سوى صدق اللحظة مع روحك، تقرأ أكثر.. فتتماهى في الأشياء.. وفوق المنافي وفوق الظلال والكلمات، تدخل عالماً آخر له نكهة الصدق حيث العالم مترابط ومتكامل ومتآخٍ، فتسأل نفسك مستغرباً:
هل غاية الشعر أن أكون ضمن هذه الوحدة الكونية، أم أن أعود إلى واقع تسكنه الحروب والمآسي والألم......؟
جرارٌ من الخمر نحن... خوابي تُراق كما تصطفيهـا الجهـاتُ تماثيلُ لـولا اشتهـاء النّفـوس ترابٌ ولكـن لنـا ذكريـاتُ
يقول في قصيدته "الخوابي":
«ولي صهوةٌ من مدىً وانفـلاتُ
كأنْ فاض عن ضفتيّ الفـراتُ
على شرفةٍ من حريـر التّأنّـي
غفوتُ.. إذا هدهدتني اللّغـاتُ
فأصحو على سدرةٍ من هديـلٍ
على مستواها السّراب.. صِفاتُ
إذا هزّ دنّـي مـدايَ غـدوتُ
كأنّي أنا الرّوحُ.. والرّيحُ ذاتُ
أمرّ اشتهاءً على كـلّ طـرفٍ
مليـحٍ ولا يعترينـي التفـاتُ».
ويقول أيضاً:
«جرارٌ من الخمر نحن... خوابي
تُراق كما تصطفيهـا الجهـاتُ
تماثيلُ لـولا اشتهـاء النّفـوس
ترابٌ ولكـن لنـا ذكريـاتُ».
بهذه اللفتات من التصوف والفيض الشعري على وعن حقيقة النفس البشرية يبتدئ الكلام للشاعر "حسين الخطيب"، محاولاً تكرار حالة الخلق الشعري من جمل متتالية يميزها الجناس الأدبي، فتساعده حالة الجناس هذه على التكامل مع الحالة الشعرية للتصوف.
موقع eHama التقى الشاعر "حسين الخطيب" بتاريخ 6/12/2008 وكان لنا معه الحوار التالي:
*كيف يتجه المنحى الشعري في سورية عامة؟
**الواقع الشعري في سورية جيد وأفضل من جميع البلدان العربية على اعتبار أن الشعر هو حالة فردية تحاول التأثير في الجماعة، أما عن الوسط الأدبي فهذا الوسط تشوبه الكثير من الشوائب التي أصبحت تؤثر – في السنوات الأخيرة - سلباً على الشاعر حتى أصبح يزاود في بعض قصائده بغية النشر أو الحصول على مركز ما في مسابقة ما – وأغلب من يلجأ لذلك – إنما لضيق الحالة المادية وليس لقناعته الشخصية، ولا أريد أن أضرب أمثلة فالأسماء الآن أصبحت كثيرة.
أما بالنسبة للصراع القادم في الشعر فهو صراع رؤى بعد أن اكتملت – تقريباً – كل خصائص قصيدة التفعيلة في العقود الأخيرة – وأنا أعارض هنا كل من يراهن على سقوط قصيدة التفعيلة – قصيدة التفعيلة منذ ثلاثة عقود تقريباً ابتدأت بالعطاء وظلت ما بين أخذ ورد حتى أخذت قالبها النهائي وهو قالب جيد يتفوق على الشطرين بالمدى الفكري حيث إن الجملة الشعرية الطويلة غير المقيدة بعدد معين من التفعيلات قادرة على الإقناع الفكري أكثر من الإقناع الموسيقي الموجود في الشطرين.
*ماذا عن قصيدة النثر؟
**الآن تحاول "قصيدة النثر" محاولات - أرفع لها القبعة وأحني رأسي احتراما لها– حثيثة وجادة كي تأخذ مكانها الصحيح، لكن أريد أن أقول لأصدقائي كتاب قصيدة النثر: أصدقائي الأعزاء لا يوجد خلاف بين النثر والشعر كلاهما بنفس المكانة والأهمية، إنما الخلاف على التسمية، حيث إن المزاوجة بين مفردة "قصيدة" و"نثر" غريبة بعض الشيء،
* ضد هذه التسمية..؟!
**لم أجد في أي كتاب أو مرجع عن الشعر العربي – مما قرأت- تعريفا للقصيدة لا يتضمن الإيقاع الموسيقي بتفعيلاته بشكل أو بآخر، ونحن نضيف إليها "النثر" أعتقد أن هذه المزاوجة لا تجوز إلا إذا أزلنا من تعريف القصيدة الموسيقا، لكنني أقول في الجوهر إن هناك نصوصاً نثرية أفضل من التفعيلة بكثير، فأرجو منكم تخفيف حدة العداء – الغير موجود أصلا- بينهما، لا أريد أن أطيل، الواقع الشعري جيد، وأتمنى أن يكون هناك اهتمام من الجهات الثقافية المعنية كي يصبح ممتازاً.
*في قصيدتك المهرج، هل أضع يدي على الجرح في قولك فيها (ولستُ الذي يتصرف فيما ائْتَمَنْتَ من الطّينِ...). وهل حالة الخلق الشعري، هو الهاجس الذي يحرك داخل الشاعر "حسين الخطيب"؟
**نعم يا أخي، لقد وضعت يدك على الجرح، الخلق الشعري هو الهاجس الذي يحرك في داخلي القصيدة، أحاول دائما أن أنظر من زاوية مختلفة، وأن ألتفت إلى أشياء بقدر ما هي أمامنا بقدر ما نحن بعيدون عنها. كتبت عن البائعة "بائعة" بعد أن شاهدتها بأم عيني وهي على "بسطة" تبيع وتشتري وتصيح على بضاعتها، وأظن أن عمرها كان لا يتجاوز /17/ عاماً، كتبت عن المجنون "يوميات مجنون"، بعد أن سمعت من أحد المجانين أن أباه طرده من المنزل لأنه دخل عليه بينما يلعب الورق مع أصدقائه فأحس بالإهانة، وهكذا... القصيدة بالنسبة لي، رد فعل "فاعل".
*الداخل، "الجوانية"، الصوفية، مفردات لها وقعها في قصائدك عامة..
**لها وقعها من حيث إنني أكتب عندما أحتاج للكتابة ولا أكتب اعتباطياً، أو للتسلية، وأتذكر كلمة الشاعر "حكمت جمعة" «القصيدة هي البديل الموضوعي لطلقة في سقف الحلق»، أضف إلى ذلك أننا في واقع نحن دائما فيه في حالة خصومة مع الذات، أسألك هل تمر عليك ساعة لا تلوم فيها نفسك على شيء ما؟، هذه الخصومة عندما تصل إلى وتيرة معينة قد تضطر القاص إلى القصة، والرسام إلى اللوحة، والشاعر إلى قصيدته، وما نراه الآن من الابتعاد عن الغزل والنسيب في أغلب الأجناس الأدبية ما هو إلا دليلاً على ما سبق، فأنا لا أستطيع أن أكتب عن الغزل إذا كنت ألوم نفسي على ثمن علبة التبغ التي اشتريتها بدلاً من أي احتياج ضروري آخر، وهذه الخصومة الشديدة بيني وبين ذاتي هي ما يزيد من "الداخلية" في مفردات القصيدة التي أكتبها.
*إذا كانت الحالة الصوفية جزءاً من داخلك الشعري، فكيف تربطها في نظرتك للواقع؟
**الصوفية يا صديقي ليست مذهباً كما علمونا أنها لا علاقة له بالواقع، إنما محاولة للهروب منه، الحقيقة أن الصوفية هي لب الواقع، ومحركه الأساسي، ونقطة اتزانه، وعملية الربط ما بين الواقعية والصوفية ربطاً عضويا من خلال القصيدة إنما يكون من خلال الإحساس بالواقع إحساساً سامياً يتعالى عن ماديات الحياة بحيث لا يصل هذا التعالي إلى حد الفصل إنما على العكس كلما سما في فهمه للمادة كلما ازداد اتحاداً معها، هذا الاتحاد يخلق رؤيا خلاقة لدى الشاعر، وما عليه إلا أن يصوغ رؤياه بصدق وأمانة.
*أقصد هل هو نوع من الترف.. المتعة.. أم هو نوع من الهروب من وقع وثقل الواقع؟
**لا على العكس يا صديقي، هناك دائما صوفي ومتصوف، الترف والمتعة ربما للمتصوف، أما بالنسبة للصوفي ليس هروباً من الواقع، إنما رؤيا سامية للواقع تحاول الدخول إلى القناعة إنما من باب الروح.
*"للسهروردي" و"الحلاج" وغيرهم حضور روحي في قصائدك، مَنْ مِنَ الشعراء الجدد يعجبك...؟
**كثيرة هي الأسماء، إن ذكرت ونسيت أكون أجحفت، لذا لن أذكر أحدا باسمه إنما أقول لهم، شكرا لكم من كل قلبي .
*دعنا نتحدث عن بداياتك..
**بالنسبة للبداية مع الشعر، وأنا لا أزال في البداية وأحاول أن أخطو، لكنني لا أجد نفسي إلا وأنا أحبو وبجهد!!!
أما عن أولى المحاولات فقد كانت في المرحلة الثانوية، أتذكر أحد دروس اللغة العربية في الثاني الثانوي العلمي عن بحور الشعر، وكان الأستاذ "غازي خطاب"، هذا الإنسان الذي له الفضل في تعليمي العروض يحاول أن يشرح لنا كيفية الوزن سماعيا، فأحسست أنني قادر على صياغة هذه الموسيقا، فبدأت بالأوزان السهلة والبسيطة، ثم انتقلت إلى الجامعة والتقيت مع صديقي الشاعر "حكمت جمعة" هذا الإنسان الذي أخذ بيدي من العروض إلى الرؤيا، كنا نجلس جلسات طويلة يعلمني فيها كيفية التفاهم مع الكلام، وكيفية الشعور بالكلمة شعور المتلقي قبل شعور الشاعر.
من الجدير بالذكر أن الشاعر "حسين محمد منير الخطيب" من مواليد "حماة" عام /1981/، مدرس مجاز بالعلوم الرياضية من جامعة "حلب"، لديه مجموعة قيد النشر بعنون "تماثيل".