في بداية شهر أيار 2009 دخل الصحفي الأديب "رياض محناية" عامه السادس والثلاثين مع صاحبة الجلالة "الصحافة" صحفياً مميزاً بأسلوبه الرشيق وكلمته الجريئة وثقافته الواسعة، رغم أن اهتمامه واسمه الصحفي يطغى عليه كقاص.. كيف لا؟ وهو أقدم صحفي في جريدة "الفداء" الحموية اليوم، وعلى يديه تتلمذ الكثيرون من الجيل الحالي من زملائه في جريدة الفداء، فالكل يسأله ويشاوره عن هذا الموضوع أو ذاك، فكيف ينظر القاص والصحفي "رياض محناية" إلى علاقة الكُتّاب بالصحافة والقصة القصيرة؟ وما هي آخر أعماله القصصية؟ وأين يجد نفسه؟؟ ومتى كانت بداية حكايته مع العمل الصحفي والقصة القصيرة؟
موقع eSyria زار القاص "رياض محناية" بتاريخ 6/5/2009 حيث حدثنا عن بدايته كيف كانت فقال: «قبل نحو 36 عاماً وبالتحديد في مطلع الشهر الخامس من عام 1973 وجدت نفسي واقفاً بخشوع على عتبات صاحبة الجلالة من خلال بداية عملي في جريدة الفداء الحموية، ومنذ ذلك التاريخ بدأت حكاية عشقي للصحافة وستبقى تسكنني عشقاً وولعاً.. مارست كل طقوسها وعشت الكثير من فرحها ومعاناتها وألقها وانتصاراتها، وعرفت فيها حلاوة النجاح والانتصار ومعنى أن تبحث عن الحقيقة وتسعى لأن تقولها وتكشفها للناس عبر مقال أو تقرير أو تحقيق أو أي لون من ألوان العمل الصحفي المختلفة، ومن محرابها حققت الكثير من حلمي وحلمها في تجسيد صدق الكلمة وحريتها، وتأريخ اللحظة الفاعلة في كتابة الذاكرة الشعبية للبلد وأهلها».
ولها الفضل أولاً في رسم بداية جميلة لحكايتي مع القصة القصيرة هذا الفن الجميل، فقد بدأت كتابة القصة القصيرة في بداية الثمانينيات، وبعد ذلك أصدرت مجموعتين قصصيتين هما "خارج الحلم"، و"مسعود يثبت كروية الأرض"، وهناك مجموعة ثالثة مشتركة عنوانها "قصص مدينتين" ومجموعة قيد الطبع تحمل عنوان "حكاية البصّاص وكيع" وهي من الأدب الساخر
وأضاف "محناية": «ولها الفضل أولاً في رسم بداية جميلة لحكايتي مع القصة القصيرة هذا الفن الجميل، فقد بدأت كتابة القصة القصيرة في بداية الثمانينيات، وبعد ذلك أصدرت مجموعتين قصصيتين هما "خارج الحلم"، و"مسعود يثبت كروية الأرض"، وهناك مجموعة ثالثة مشتركة عنوانها "قصص مدينتين" ومجموعة قيد الطبع تحمل عنوان "حكاية البصّاص وكيع" وهي من الأدب الساخر».
** ربما لو لم أكن صحفياً لما كنت قاصاً، لأنني دخلت الأدب عموماً والقصة القصيرة خصوصاً من بوابة الصحافة، وهذا ما أكسبني كما قال النقاد تميزاً عن كتّاب القصة في "حماة"، فالصحافة فتحت أمامي أفق فن السخرية الذي أفدت منه في قصصي، هذا بالإضافة كما قال أحد الكتّاب الصحفيين -في معرض تقييمه لإحدى مجموعاتي القصصية- اهتمامي بالجزئيات وتركيزي على البيئة التي أعيش فيها مع شخوص قصصي القصيرة، فكل الذين كتبت عنهم بيني وبينهم علاقات حقيقية ومعرفة تامة.
** أحب القصة القصيرة التي تمنحني قدرة على التعبير عما يجول في خاطري وما أراه في عيون وملامح الآخرين بجماليّات فنية أبحر فيها بعيداً في أغوار النفس البشرية؛ وسلوكيات الناس من حولي، وربما القصة هي الأكثر إمكانية على منحنا فرصة الخلود الأدبي والاجتماعي، غير أن الصحافة - وهذا برأيي - تعطينا شرف التفاعل مع الناس والاحتكاك بهم فهم رأسمال الكاتب والأديب والفنان والمبدع منهم يستمدّ مادته وأفكاره؛ وإليهم يصوغها فناً جميلاً، ولأن الصحافة فعل يومي فهي الأكثر جمهوراً والأكثر عشقاً وولعاً، وإن كان ما نكتبه فيها لا يعمّر طويلاً كما يعمّر الإبداع الفني القصصي.
** عندما بدأت كتابة القصّة الساخرة في الثمانينيّات من القرن الماضي كنت متأثراً وما أزال بعملي الصحفي أولاً وبالحارة التي ولدت فيها والأسواق والشوارع التي أمرّ بها في غدوي ورواحي إلى الجريدة.. فهي متحف لكنوز من المشاهد والقصص الملأى بالضحك الدامع ومشاهد التهكم والسخرية المرة وقد ساعدتني الصحافة بما أمدّتني به من شدة الملاحظة في سرعة التقاط الحدث والموقف والنكتة.. فشوارع "حماة" وأسواقها وخصوصيّة بيئتها وبساطة أهلها وتآلفهم الكبير كل ذلك سهّل لي نبش ما تختزنه من قصص وحكايات، مع مفردات المادّة القصصيّة وفنّ القصّ فأحوّله إلى قصّة تطرح موضوعاً ما أقدّم فيه موقفاً من قضيّة معيّنة أو حدث بعينه أو إيصال رؤية فكريّة تكون هي الغاية والهدف الذي لا بدّ أن يقدّم شيئاً إيجابياً يخدم قضايا الوطن والمواطن والإنسان.. أمّا من يعجبني من الكتّاب الساخرين في بلدنا -بعد الوقوف بمهابة أمام أعمال الراحل "حسيب كيالي"- فأذكر على سبيل المثال لا الحصر الأدباء "وليد معماري" في "أولاد العنزة" و"خطيب بدلة" في "امرأة تكسر الظهر" و"جمال عبود" في "غلطان يا بطيخ" و"تاج الدين موسى" في "الشتيمة الأخيرة" مع تقديري لكل نتاجاتهم الأدبية وإن كنت لا أنسى الكاتب "حسن. م. يوسف" (الذي يضع العقل في الكفّ).
** هم أبناء حارتي والكثير منهم أقربائي باختصار كل الذين كتبت عنهم أعرفهم ويعرفونني، ومعظمهم أصدقائي وأحبتي؛ ولكن حينما أكتب أحاول أن أصنع شخصية مختلفة مع المحافظة على الاسم أو اللقب فـ "أم كرمو" و"أم عبدو" الوضوح في قصة "أين الغلط".. والمختار وزوجته في "عود آس" و"أبو الخال" في اعترافاته وسواها من الشخصيات التي كتبت عنها فيها جوانب متعددة لشخصيات مختلفة، وفيها امتزاج لصفات أكثر من شخص لكنها تتقارب فيما بينها.. وهي من نسيج هذا المجتمع الذي نعيش فيه ونتنفس هواءه ونتحرّك ضمن إطاره العام.
** حقيقة وبعد قراءة بعض الأعمال التي صنّفها أصحابها بأنها أعمال روائية حموية.. وجدت أنه لا بد من تصحيح مفهوم العمل الروائي عند بعض من صنّف قصصه الطويلة -رواية- ووفاء لحق البلد وجدتّ أن لا بد من كتابة رواية تمنح مادتها وأحداثها من أهم موقع بيئي في "حماة" وبرؤية عصريّة، وتتناول "حماة" بواقعها وحقيقتها ووجهها الصحيح وبالفعل أنجزت رواية عنوانها "سوق الطويل" وهو السوق الرئيس في "حماة" حيث تلتقي فيه كافة الشرائح الاجتماعية بحماة، وأتمنى أن أكون قد حققت فيها شروط العمل الروائي الناجح وتكون صورة حقيقية وصادقة عن "حماة" بحضارتها وعراقتها وعادات أناسها وسحر طبيعتها، وهي تنتظر من يخرجها إلى النور..
** نوع أدبي جيّد وله خصوصيته، لكن ما تعانيه "ق.ق.ج" كما يسمونها اليوم يذكرني بما حدث في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لشعر التفعيلة حيث لم يكن مقبولاً غير أنه أثبت حضوره وبقوة، لكن ما يجب الانتباه إليه هنا دخول متطفلين لم يميّزوا بين الخبر الصحفي المبتور والقصة القصيرة جداً، لكن الزمن كفيل بفرزهم وإنجاح هذه التجربة.
** الصحافة الثقافية في صحفنا السورية تطورت كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، لكن بعضها ما يزال بعيداً عن المتابعة الثقافية اليومية -رغم أهمية هذا الأمر- وبعضها يخلط بين مهمة الصحيفة وعمل المجلة الأدبي فنجد فيها دراسات مطوّلة تكون عبئاً على الصفحة الثقافية..
** رغم أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب إلاّ أن نسبة كبيرة منه غير متأنية في العمل، فلم تتشرب أناملهم حبر المطابع، ولم تمتلئ رئاتهم برائحة الورق، ورغم كل الإمكانات المتاحة للجيل الجديد إلا أن الكثير منهم يستعجل الشهرة وعينهم على المناصب الصحفية، كما أنه لم يقرنوا دراستهم في الجامعة بتجربة وتدريب صحفيين متطوّرين، فلا يكاد يستلم أحدهم وثيقة النجاح من الجامعة حتى يبدأ التنظير والبحث عن الأضواء مع تقديري لكل الإمكانيات والطموح.
** أنا وصديقي القاص "خطيب بدلة" لا نؤمن بالنصائح لأن كتابة الأدب كما يقول «ليست مسألة تعليمية»، وحينما يصعد كاتب فإن صعوده يشبه نبتة قوية خارجة من الصخر، فهي رغم كل الظروف المحيطة تستطيع إن تثبت مقدرتها في ولوج أبواب الحياة، وهذا ما ينطبق على الصحافة والأدب والنماذج أمامك كثيرة وربما كنت تعرفينها أكثر مني.